ننظر إليهم كما ننظر الى الحمير

266

“ننظر إليهم كما ننظر الى الحمير”

هذا القول لبن غوريون عن عرب إسرائيل بعد النكبة!!

 

*بوتوكولات حزب مباي تكشف ماذا فكر قادة دولة إسرائيل عن مواطني الدولة العرب*

*لافون وزير دفاع سابق: النازية هي نازية، حتى لو نفذت بأيدي يهودية*

 

اعداد ترجمة وتحرير: نبيل عودة

مقدمة: نشرت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية ملف عن حزب مباي، ومواقف قياداته من قضية العرب في إسرائيل بعد نكبة الشعب الفلسطيني وتهجير ومئات الآلاف من أبنائه وهدم أكثر من 540 بلدة عربية، وبقاء عدد 156 الف عربي من الشعب الفلسطيني فوق تراب وطنه. لا انوي إطالة ملاحظاتي، لأن النص والمواقف لقيادة الدولة التي سيطر عليها حزب مباي لسنوات طويلة، تطرح تفكير قيادة الدولة من عرب إسرائيل. وأسلوب تعاملهم مع الأقلية العربية، عمليا الكثير من تلك الأفكار المسبقة عن العرب ما زالت سائدة بأشكال كثيرة في السلطة الإسرائيلية. ترجمت المادة  وحررتها وأقدمها كوثيقة للقراء والباحثين .

*******

خلال العقدين الأولين من قيام دولة إسرائيل، كان نقاش عاصف حول “المسالة العربية” وحول ضرورة الحكم العسكري الذي فرض على العرب في إسرائيل. كان خوف بن غوريون (اول رئيس لحكومة إسرائيل) ان تحدث انتفاضة كما هو الحال بالجزائر. شاريت (وزير خارجية إسرائيل في وقته) حذر من “اشكال زائدة من القساوة”، الجنرال ديان (فيما بعد قائد الأركان الإسرائيلي) أصر على تهجير العرب، اما لافون  (وزير الدفاع فيما بعد) فقد حذر:” ممنوع ان يتصرف اليهود مثل النازيين”

“المسالة العربية في إسرائيل” – هكذا سمى قادة حزب مباي (اسمه الرسمي الكامل: حزب عمال ارض إسرائيل) الموضوع المعقد الذي نشا في داخل دولة اسرائيل الصغيرة بعد “حرب الاستقلال” (أي بعد نكبة الشعب الفلسطيني).

بعد انتهاء الحرب والتوقيع على اتفاقات وقف إطلاق النار بقي 156 الف عربي في “مناطق دولة إسرائيل”، وشكلوا وقتها نسبة 14% من السكان. بصدق قال في وقته وزير الخارجية موشيه شاريت، بافتتاح جلسة كتلة حزب مباي، وسكرتاريا الحزب في (18 -06 -1950) ان هذا الموضوع يشكل احدى المسائل الأساسية لسياستنا مستقبلا”، وان “هذه المسالة تحمل في صميمها احدى المواضيع الأساسية لسياستنا ومستقبل دولتنا”. وان “هذا الموضوع يحمل في صميمه اخلاقيات الدولة “لأن  مستوانا الأخلاقي يتعلق بهذا الامتحان -إذا صمدنا به او لم نصمد”.

مرت 70 سنة منذ أجرى حزب السلطة مباي هذا البحث، ويبدو اليوم، كما في ذلك الوقت، ” أن المسألة العربية في إسرائيل” تواصل ارباك السياسيين، في محاولتهم التعامل مع مكانة الفلسطينيين مواطني إسرائيل (او الاصطلاح السائد عرب إسرائيل)

تصفح بروتوكولات حزب مباي، المحفوظة في أرشيف حزب العمل (“حزب العمل” هو الاسم الجديد لحزب مباي) في بيت بريل، يبرز الخلاف العميق الذي ساد في الحزب بين اتجاهين بديلين متناقضين، حول مستقبل العرب في إسرائيل: سياسة الفصل واليد القاسية، التي ايدها دافيد بن غوريون ومقربيه- الجنرال موشية ديان(فيما بعد اصبح قائدا للأركان) ورجل وزارة الأمن (الدفاع) شمعون بيرس هذا من جهة، من الجهة الأخرى سياسة الاندماج، التي طرحها موشيه شاريت (موشيه شاريت ثاني رئيس وزراء لإسرائيل وخدم من الفترة 1953 إلى 1955 )، بنحاس لافون (وزير دفاع إسرائيلي سابق)، زالمان اران (وزير تعليم سابق) دافيد هكوهن (أديب، عضو كنيست ورئيس لجنة الخارجية والأمن فيها لفترة طويلة) وآخرين.

الخلاف بين بن غوريون وشاريت ابرزت علاقتهم مع العالم العربي بمجمله، شاريت انتقد سياسة بن غوريون والتي حسبها “ان العرب لا يفهمون الا لغة القوة”، وأشار الى اتجاه يفضل “موضوع السلام”، وتناول باختصار هذا البديل، وفي اجتماع كتلة مباي في (9/7/1950)   قال: “السؤال ما هو موقف الدولة من الأقليات؟ هل نريدهم أن يبقوا في الدولة، ان يجري استيعابهم في الدولة او ليذهبوا من الدولة ؟…أعلنا عن المساواة للمواطنين بدون تمييز بالانتماء الاثني، هل كان القصد لوقت لا يبقى فيه عرب في الدولة؟ إذا كان هذا صحيحا فهو احتيال”.

جهاز العمل الأساسي: ترانسفير (تهجير)

الأبحاث في حزب مباي جرت بشكل حر تقريبا، رغم انه كان تخوف من ان تتسرب معلومات من الجلسات الى الصحف، حتى لا يجري ضغط دولي على إسرائيل من اجل تحسين علاقتها مع العرب (القصد العرب في إسرائيل). وبناء على ذلك، مستقبل العلاقات بين الشعوب التي تعيش في البلاد تطلب حسما ذو طابع سياسي ثقيل جدا: حق التصويت، قانون أملاك الغائبين (القصد أملاك اللاجئين الذي هربوا من البلاد او عادوا بعد تسجيل السكان، اذ صودرت أملاكهم أيضا بصفتهم غير موجودين في الدولة في تاريخ اعلانها) مكانة جهاز التعليم العربي، عضوية العمال العرب بتنظيم الهستدروت (اسمها الأصلي “الهستدروت – نقابة العمال اليهود في ارض إسرائيل” وبن غوريون كان اول رئيس لها زمن الانتداب) وغير ذلك.

احدى القضايا التي طرحت بقسم كبير من الأبحاث تناولت سياسية الاصرار على طرد العرب سكان البلاد-“ترانسفير” – وهو اصطلاح ترك في وقته أيضا تأثيرا شديد الازعاج بآذان عدد من معارضيه. في جلسة جرت في حزيران 1950 عارض شاريت ادعاء بن غوريون وجماعته، الذين ادعوا ان العرب هم “طابور خامس”. وحسب رؤية شاريت ان مصير العلاقات بين الشعبين، يتعلق أكثر من أي شيء باليهود. “هل نواصل اضرام النيران؟ سأل شاريت، او نعمل على اخمادها؟ رغم ان التعليم الثانوي لم يكن بعد قد أصبح مفروضا بالقانون، الا ان عددا كبيرا من أبناء البلدات اليهودية تعلموا بالثانويات، وشاريت كان يعتقد انه على الدولة واجب ان تقيم مدارس ثانوية للعرب. “يجب ان نؤمن لهم الحد الثقافي الأدنى” كما قال.

*******

موشيه ديان: ترانسفير (تهجير) للعرب الموجودين بارض إسرائيل

عبر حسابات سياسية، كان توجه مؤيدي التهجير تجاهل الفرق بين العرب في إسرائيل، وبين المتسللين الذي اجتازوا الحدود، راي شاريت كان عكسيا. حسب نظرته “يجب ان يكون تمييز بين عمل نشيط ضد التسلل العربي وبين سياسة الاضطهاد التي تمارس على العرب في البلاد”.

اشخاص أمثال شاريت وبنحاس لافون، رأوا بعين إيجابية خروج العرب من حدود الدولة. انما فقط “بطرق سلمية”، شاريت عارض بقوة موقف ديان، الذي لم يكن يريد بأن يكون عرب اقل في البلاد فقط، انما عمل من اجل تحقيق ذلك بواسطة الترانسفير. حسب شاريت:” ممنوع تنفيذ ذلك عبر سياسية شاملة لكل اشكال التمييز والاضطهاد”. شاريت تحدث عن “أشكال زائدة من العنف بالتأكيد، التي تسبب لنا تدنيس اسم الله، بشكل لا يمكن تقديره”.

رغم ان ديان كان رجل جيش -جنرال القيادة الجنوبية، بنفس الوقت – ديان اشترك بالجلسات السياسية لحزب مباي وساهم بتشكيل السياسة العامة. كان من قادة النهج المتطرف ضد السكان العرب وعارض اندماج العرب بالجيش (وهي فكرة اسقطت فيما بعد). ديان عارض منح العرب “بطاقات مواطنين دائمين” وعارض دفع تعويضات للعرب الذي صودرت أراضيهم، وعمليا عارض كل عمل بناء يمكن ان يساهم على بناء جسور بين الشعبين. “قال: “سنساعدهم على العيش بواقعهم الموجودين فيه اليوم” ولا شيء آخر، كما فكر. موقفه كان ثابتا طوال السنوات، ويتعارض مع موقف شاريت والتيار الذي يمثله في مباي. “اريد ان أقول” ، قال ديان في حزيران 1950،” حسب رايي يجب ان تكون سياسية الحزب موجهة بشكل نرى فيه هذا الجمهور، الذي تعداده 170 الف عربي، كانه لم يقرر مصيرهم بعد، آمل انه بالسنوات القريبة، تكون إمكانية لتنفيذ ترانسفير (تهجير) للعرب الموجودين بارض إسرائيل، وكل الوقت الذي نتوقع ان امكانية من هذا النوع ممكنة، يجب ان لا نعمل أي شيء يتعارض معها”. وعارض ديان اقتراح شاريت بتحسين مستوى التعليم بأوساط الجمهور العربي. قال: “ليس هذا من واجبنا ان نغيره، وهذه ليست المسالة الوحيدة، التي لم يصل بعد الوقت لحلها النهائي”.

أشياء فظيعة

زالمان اورن، الذي صار وزيرا للتعليم ,عارض سياسة الحكم العسكري (وهو الجهاز الذي أقيم مع إقامة الدولة، كأداة للسيطرة على الجمهور العربي والذي الغي في عام 1966) “كل الوقت الذي سنبقيهم محاصرين داخل غيتوات، عندها كل البناء الإيجابي لن يساعد. اذا كان لافون قد طالب بإلغاء الحكم العسكري عام 1955، قبل عدة اشهر من استقالته من منصبة كوزير للدفاع، وتحدث بلهجة قاسية في اجتماع في بيت بريل:” دولة إسرائيل ليست قادرة على حل مسالة العرب الذين في الدولة، بطرق نازية” كما قال، وأضاف:” النازية هي نازية، حتى لو نفذت بأيدي يهودية”.

وقال موشية شاريت:” حين يجري شنق يهودي بسبب قتل عربي بلا أي ذنب، وبدم بارد، فقط عندها اليهود سيفهمون ان العرب ليسوا كلابا، بل بني بشر”.

لافون: نحن الاشتراكيين الافضل في العالم… حتى عندما نسرق العرب

قبل ذلك أيضا كان لافون معارضا حادا للخط الذي قادة موشيه ديان ومؤيدي التهجير. في اجتماع مجلس مباي (21/5/1949) لاحظ بسخرية: هذا أمر معروف اننا نحن الاشتراكيين الافضل في العالم… حتى عندما نسرق العرب”. في جلسة مكتب مباي (19/1/1950) حذر لافون انه “لا يمكن العمل وسط العرب عندما تكون السياسة التهجير. من غير الممكن العمل في وسطهم -إذا كانت السياسة هي اضطهاد العرب-هذا يمنع أي نشاط فعلي. ما ينفذ هو اضطهاد مثير ووحشي للعرب في دولة إسرائيل…لا يوجد ما يقال عن التهجير. اذا لم تكن حرب -هم لن يذهبوا. 200 الف من العرب سيكونون مواطنين من جهة التصويت، علينا ان نقرر لأنفسنا، كحزب الدولة، سياسة بناءة في المناطق العربية”.

قبل ذلك في كانون أول 1948، عندما جرى البحث حول إعطاء حق التصويت للجمعية التأسيسية – المؤسسة البرلمانية الاولى في إسرائيل، التي انتخبت عام 1949 وبعدها بشهر غير اسمها الى “كنيست إسرائيل” – وافق بن غوريون على إعطاء حق التصويت للعرب الذين كانوا في البلاد عندما نفذ تسجيل السكان قبل ذلك بشهر. شمل السجل 37 ألف عربي. يبدو ان قراره بإعطاء العرب حق التصويت كان بسبب حسابات حزبية: التقدير كان ان الأكثرية ستصوت لحزب مباي، وليس للأحزاب المنافسة.  واثباتا على هذا يوجد في الأبحاث حول قانون المواطنة الذي صيغ في بداية 1951، وفيه كان موقف بن غوريون الأكثر تعنتا. رفض بن غوريون إعطاء حق التصويت للعرب الساكنين في البلاد بشكل قانوني (كما طلب شاريت) ولكن وقت التسجيل السكاني كانوا بمكان آخر (لأنهم هربوا او طردوا على أثر الحرب) مثال لذلك عرب المثلث، الذين في نيسان 1949 جرى ضمهم الى إسرائيل بعد اتفاق وقف اطلاق النار مع الاردن. “لا توجد بلاد في العالم التي يوجد فيها وقت الانتخابات نوعين من المواطنين(؟) تساءل بن غوريون في جلسة كتلة الحزب البرلمانية (20/2/1950).

شاريت، الذي طرح للتصويت اقتراحا مضادا، اعتقد انه لا يمكن الدفاع على “وضع مثل هذا بالنسبة لنا وبالنسبة لأولئك العرب، وبالنسبة للعرب عامة في إسرائيل، وبالنسبة للراي العام العالمي. لذا، اقترح شاريت إعطائهم حق التصويت .. وقال “انا اميز فقط العرب الذين دخلوا البلاد بدون اذن (أي اللاجئين العائدين الى بلداتهم، وقد جرى طردهم وبعضهم قتل اثناء التسلل عائدين للوطنهم)”.  شاريت ادعى ان بن غوريون لا يعطي رأيه حول جذور المشكلة، وحذر انه تجري في البلاد “أشياء رهيبة” ضد العرب. وأضاف “حتى يشنق يهودي بسبب قتل عربي بلا أي ذنب، بدم بارد، حتى ذلك لن يفهم اليهود ان العرب ليسوا كلابا انما بني بشر”. في التصويت الذي جرى في نهاية الجلسة انتصر شاريت، وعرب المثلث صوتوا في الانتخابات.

عملية نشر اليأس

زالمان آران: من ناحية أخلاقية، إذا كنا حركة لا تكذب، ولا نريد ان نكذب، أرى اننا هنا نحن نعيش بكذب مطلق

في الجلسة الأخيرة (9/7/1950) عارض عضو الكنيست دافيد كوهن الادعاء بان التمييز ضد العرب، وبان الحكم العسكري، ضروريان من اجل أمن الدولة، وتحدث بحدة ضد “قانون أملاك الغائبين وقال “لا اعرف اذا كان واضحا لنا جميعا، عندما صوتنا، كم هو خطير قانون أملاك الغائبين” هكوهن أشار انه “حسب القانون، عندما يموت عربي، املاكه لا تنقل لزوجته بل للوصي على الأملاك المتروكة.. لا يعقل ان نعلن عن المساواة لكل المواطنين وبنفس الوقت يبقى قانون مثل هذا قائما”.

يبدو انه لم تكن معارضة للمقارنة التالية: “هذه القوانين التي نصدرها بخصوص السكان العرب لدولة إسرائيل، لا يمكن مقارنتها حتى بقوانين اقرت ضد اليهود في العصور الوسطى، في الوقت الذي كانوا هم يلغون أي حقوق، لذا هذا نقيض كامل بين تصريحاتنا واعمالنا”.

موقف شبيه لموق هكوهن عبر عنه زالمان اران، الذي رأى ان الشكل الذي تعالج فيه مباي القضية العربية، هو “عملية نشر اليأس” والتي يجب اسقاطها، وليس الترافع عنها. “من ناحية أخلاقية، اذا كنا حركة لا تكذب، ولا نريد ان نكذب، أرى اننا هنا نحن نعيش بكذب مطلق”، كما قال بنفس الجلسة “كل الكتب والمقالات التي كتبت والخطابات التي القيناها، للداخل والخارج، لا يوجد بها أي شيء ايجابي عندما تصل للتنفيذ. لا اتكلم عن علاقات مع افراد قليلون، في البلدات العربية، انا اتكلم عن خط، انا ارفض هذا الخط، الذي اتضح من ناحية اجتماعية، ويوجد لذلك اكثر من الف وواحد مظهر، انا لا اقبل كل التبريرات التي قدمت”.

اران عارض الخط الذي قاده ديان، وقارن بين واقع العرب في البلاد وواقع اليهود الذين يعيشون ببلاد أخرى. ” لا يوجد أي عدل للمطالبة بعلاقة أخرى للأقليات اليهودية في البلاد الأخرى على قاعدة ما نحن نقوم به هنا مع العرب…نحن بوضع خسارة كاملة .. كنت سأحتقر العرب لو اتصلوا بنا على اساس هذه السياسة. نحن سنكذب بالانترسيونال ( مؤتمر الأممية) نحن نكذب على انفسنا  ونحن نكذب على شعوب العالم”.

ديان – كان ما يزال ضابطا بملابس الجيش ويجب تذكر ذلك – عارض وجهة نظر هكوهن واران، ولم ير سببا للتمييز بين الجمهور العربي في البلاد وبين العرب في الدول العدوة. “انا متشائم جدا من إمكانيات ان نرى أولئك العرب كعديمي التأثير” لخص.

ديموقراطية مشوهة

شمعون بيرس: الحكم العسكري انتجوه العرب الذين يشكلون خطرا على إسرائيل!!

عبر تلك السنوات دار صراع سياسي في حزب مباي حول استمرار وجود الحكم العسكري. بن غوريون دافع بدون تردد على استمرار الحكم العسكري، الذي راى به “قوة ردع” ضد العرب في البلاد. في جلسة سكرتاريا مباي (1/1/1962) انتقد “السذاجة السائدة” لأولئك أمثال شاريت واران، الذين لا يفهمون العرب، وحذر مما يمكن ان يحدث: ” يوجد اشخاص يعيشون بوهم اننا شعب مثل كل الشعوب، وان العرب مخلصون لإسرائيل، وان ما يحدث بالجزائر لا يمكن ان يحدث هنا”. وأضاف: “نحن ننظر عليهم كما ننظر على الحمير” وقرر “الأمر لا يعنيهم. هم يقبلون ذلك بحب ..” رأى الخطر بتحرير الرسن الذي يقيد العرب: “أنتم وامثالكم المؤيدون لإبطال وتخفيف الحكم العسكري ستكونون مسؤولين عن خسارة إسرائيل” قبل عقد كامل قال شموئيل ديان، والد موشيه ديان، اقوالا شبيهة في جلسة كتلة مباي (15/1/1951) وحذر من أن العرب ” يمكن ان يكونوا مواطنين جيدين، ولكن هذا واضح انه في اللحظة الأولى سيكونون باستمرار خطرا كبيرا”.

حلل اران الواقع بشكل عكسي. في بحث بسكرتاريا مباي في كانون ثاني 1962 ادعى اران ان وجود الحكم العسكري هو ما “يسيء للوضع”، ولم يقبل فكرة الجزائر، العكس هو الصحيح، فكر، وجود الحكم العسكري لن يؤخر تمرد عربيا انما فقط يمكن ان يدفع اليه. النقد الذي قاله في بداية سنوات ال – 50 ، قاله أيضا بعد عشر سنوات، اران عارض واقعا يكون فيه العرب مواطنين من “الدرجة الثانية” لا حقوق لهم كما لليهود، وانتقد نفسه وشركائه:” نحن قبلنا هذا الشيء،  تعودنا عليه… وجعلناه ضمن النظام اليومي، من الصعب هضمه.. ولا عربي في دولة إسرائيل يستطيع، او يحتاج، او مستعد لذلك، بوضع لا نعطيهم من ناحية اقتصادية، تربوية أي شيء– لن يقبلوا هذا الواقع بصفتهم مواطنين من الدرجة الثانية داخل دولة إسرائيل. انا اعتقد ان العالم .. لا يعرف هذا الوضع على حقيقته. لو عرف لما كان يسمح لنا ان نعبر على جدول الأعمال العادي”. وزير المالية ليفي اشكول، الذي اثناء توليه منصب رئيس الحكومة أُلغي الحكم العسكري، توقع في ذلك الوقت ثمرة الخطأ: ” لا استغرب اذا نتج فجأة امر جديد بحيث لا يريدون تأجير اسطبل _ وليس غرفة – لعربي في أي مكان، هذا استمرار لهذا الواقع. هل نستطيع تحمل ذلك؟”

الذي لم يترك عليه المنتقدين أي تأثير في تلك الأيام كان بالضبط شمعون بيرس، الذي اشغل وقتها منصب نائب وزير الأمن. في جلسة سكرتاريا مباي (5/1/1962) ادعى انه عمليا ان الحكم لا يشكل عائقا على العرب، وان الحكم العسكري كما قال بيرس انتجوه العرب ” الذين يشكلون خطرا على إسرائيل .. وكل الوقت الذي سيكون هذا الخطر قائما علينا ان نواجهه بفهم”.  بالمقابل ايسر هرئيل – الذي كان رئيس الشاباك (1950 – 1952) ورئيس الموساد، 1952 – 1963)- ادعى ان في عام 1966 ، بعد ان استقال من منصب مستشار اشكول لشؤون المخابرات والأمن، انه لا ضرورة أمنية للحكم العسكري، لذا لا ضرورة لاستمراره. ليست وظيفة الجيش التعامل مع المواطنين العرب، هذا مخل من الناحية الديموقراطية عندنا” (معريب 10/7/1966). هذا الموقف كان مشتركا “للشخصيات الأمنية” المختلفة، ومنهم يغال الون، وذلك منذ سنوات ال – 50.

عبر كل السنوات جرى الادعاء ان الحكم العسكري هو أداة بيد حزب مباي لتقوية حكمه. عبر منح وظائف وتوزيع حسنات وأيضا عبر التدخل بجهاز الانتخابات عبر تركيب قوائم رسمية سهلة لحزب السلطة (قوائم عربية لانتخابات الكنيست – نبيل) واضطهاد المعارضين من الناحية الأخرى. من المهم الإشارة على احدى الفوائد لسياسة اليد القاسية، التي استخدمت للمحافظة على الفصل بين العرب واليهود، كما عبر عن ذلك بن غوريون بشكل صريح في جلسة سكرتاريا مباي (5/1/1962): في اللحظة الذي سيتم القضاء على الفرق بين اليهود والعرب، بحيث يصل العرب لنفس المستوى .. لا شك لدي اطلاقا ان إسرائيل لن يبقى منها أي ذكر للشعب اليهودي.”

*****

ملاحظة أخيرة: مراجعة سياسات الليكود اليوم تقودنا الى نفس الأجواء العدائية للعرب التي سادت الدولة بعد اقامتها – أي ان ما يجري هو العودة القهقرى الى التعامل مع العرب على أساس الفكر البن غوريوني-  نبيل!!

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع