حول التفكير الاسلامي والفلسفة العقلية

157

د زهير الخويلدي

“الجهل بالدين وضعف اللغة واهمال التفكير يؤدي الى الوقوع في نظام التفاهة
وتبني التصورات المتطرفة”

يعاني الإسلام من الكثير من سوء الفهم والضبابية وتم الصاق الكثير من الأحكام
المتحاملة حوله وارتبط عند الباحثين بالغزو والتطرف والإرهاب وحروب الاستيلاء
والانتشار وما رافقه من التنكيل بالشعوب المقهورة ويفسر المؤرخون هذه النظرة
المغلوطة بغياب الدراسات الموضوعية من المسلمين أنفسهم التي تهتم بتحليل
الظاهرة الدينية وفق المنهج العلمي وتتعمق في ابراز الأفكار والمفاهيم
والوقائع بلا شعارات ومقولات رنانة.

من ناحية ثانية يرجع الباحثون هذا الجهل بالإسلام الى غياب القراءة الموسوعية
الدقيقة للقرآن ضمن سياقه التاريخي ومحيطه الجغرافي واطاره الاجتماعي وفي
اتجاه استنطاق تصوراته النفسية والجمالية والاقتصادية واستخراج نظرياته
العلمية وحكمه الفلسفية حول المعاش والتدبير والتعارف والتساكن والضيافة
والسلم والبر وتجميع مختلف هذه الدوائر السردية ضمن شبكة معيارية للسلوك
وإعادة تشكيل سردية إسلامية معاصرة.

بيد أن الاشكال الذي يظل قائما يتمثل في الذاكرة الجريحة والتاريخ الشقي
والخيال المقموع والوعي المنزعج من ذاته الذي يعاني منه المسلم سواء تعلق
الأمر بالغيرية أو بالذاتية التي تنتمي الى الدائرة الحضارية التي يتقاسمها
معها وصعوبة التعامل مع الاختراعات العلمية المستجدة والتنظيرات الثقافية
الراهنة والنقد الفلسفي الجذري وعدم مواكبته للمراجعات العسيرة التي تحدث في
الكثير من الأديان الكبرى والايديولوجيات الحية.

لقد ساد الاقصاء والانفعال الذي وصل الى حد التبخيس والتكفير بين المسلمين
والفلاسفة وفضل الجمهور السير وراء فتاوي الدعاة من الشيوخ والفقهاء وعلماء
الدين الشرعيين وابتعدوا كليا عن نظريات الفلاسفة وأفكارهم ، بينما خير
الفلاسفة الهجرة الاضطرارية والعزلة الطوعية والاحتماء بالسلطة والعمل النخبوي.

تبدو العلاقة الظاهرية بين الإسلام كمعتقد ديني والفلسفة كنسق معرفي مستقل
متوترة ومتناقضة واذا عدنا الى التاريخ الإسلامي نعثر على أشكال من هذا التوتر
والتناقض وكذلك يحمل تاريخ الفلسفة الكثير من المواقف المستهجنة بالدين ولكن
العلاقة الباطنية تكشف عن روابط عميقة وتبادل للخدمات وتكامل وظيفي بينهما
خاصة اذا تعلق الأمر بالإسلام الحضاري من حيث هو جزء من الثقافة الإنسانية
وبالفلسفة الإسلامية من حيث هي تأمل كوني في الوجود وكذلك بالتفكير الإسلامي
من حيث محاولة للاعتبار وتدبر الوحي ضمن الواقع التاريخي والمقاصد الكلية
وبالمرجعيات الفلسفية من جهة دلالتها على الخالق واشاراتها لمنظومة قيم تربوية.

فما المقصود بالتفكير الإسلامي؟ وأين يكمن الجانب الفكري في المعتقد الإسلامي؟
وماهي الحدود التي تفصل بين الاعتقاد والمعرفة فيه؟ وكيف يتطور الفكر
الإسلامي؟ هل يتطور عبر احداث قطيعة فيه أم عبر تواصل الاجتهاد والتأويل؟ وما
دور الفلسفة في التطوير؟ هل الفلسفة عامل تعطيل وازعاج أم عامل مساعد وتجديد؟

معالجة هذه الإشكاليات سيكون بالخوض ضمن جملة من الحقول وهي الأقوال والأفكار
والأفعال وذلك من خلال التنقيب في النصوص والتصورات والمواقف وتشريح الرموز
والمفاهيم والتجارب في تشكلها وبيئتها وترحالها في عوالم مختلفة عن عوالمها
الأصلية واستنطاق مسلماتها الضمنية وخلفياتها النظرية وتبعاتها العملية
والاحاطة بالفاعلين فيها والمنتفعين بها والتوقف عند تشابك المصلحة والنظرية
وترابط العلم بالقوة.

من هذا المنطلق يمكن تقسيم المبحث الى زوايا نظر عديدة: تاريخية ولغوية وعلمية
ونبوية وقرآنية وفقهية وكلامية وثقافية وفلسفية. كما يمكن خوض تجربة التفلسف
ضمن حقول متنوعة في المجال العملي والذوقي والعقدي والانسي والوجودي والقيمي
والأخروي والبيئي والحيوي. علاوة على ذلك يجدر تستيد النظر الى القرآن من جهة
الفلسفة تدبرا وتأويلا واجراء دراسات مقارنة حول فضيلة السؤال بين سقراط
والوحي و قصة الكهف بين أفلاطون والأديان وسبر مفهوم الطبيعة بين أرسطو وابن
رشد والتعرف على علاقة النفس والجسد بين ديكارت والإسلام وتحليل مبدأ السببية
بين سبينوزا وعلم الكلام والاهتمام ب الأخلاق والتربية بين كانط ومسكويه
والرجوع الى التاريخ والدولة بين هيجل والشرق وتحليل صراع الأضداد والمنهج
الجدلي بين ماركس والقرآن والعناية بارادة الاقتدار بين نيتشه والتصوف والبحث
في معنى الوجود بين هيدجر والفن العربي والعودة الى المحبة والصداقة بين أرسطو
وريكور والتوحيدي وابن المقفع وابراز الصلة بين حق الضيافة وفعل الكتابة بين
دريدا والجاحظ واستخدام منهج الشك بين ابن الهيثم وهيوم واستثمار الفرق بين
الشعر والفكر بين هودرلين وبن عربي والتعويل على القراءة والتأويل بين غادامير
والشيرازي وممارسة التأمل والتعقل بين هابرماس والفارابي. بهذا المعنى يمكن
التخلص من باتولوجيا الايديولوجيا وذهنية الارهاب عن طريق الحس الجمالي وتشغيل
الفكر النقدي وتنسيب الرؤية المعرفية وتطوير القيم الأكسيولوجية والتعامل مع
ألوهية المصدر وبشرية التدبير بالنسبة للوحي والنص المقدس.

مسك الختام هو الاشتغال على قراءة تأويلية نقدية لتراث الإسلام ضمن رؤية
منفتحة على العصر والمستقبل تحاول تخطي الاشكال القائم بين الإسلام والعقل
وتسمح للتفكير بالإقامة في مسطح المحايثة الخاص بالمسلم. فأنى يكون هذا الرأي
المستنير في العلاقة بين الاعتقاد الديني والتفكير الفلسفي هو تأويل ما تستطيع
معي به صبرا؟ ألا يمكن اعتبار كل تدبير للنص المقدس يتنزل ضمن القراءة البشري
للدين سواء كانت تفسيرا أم فهما؟

كاتب فلسفي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع