الجانب اللغوي في المجتمع الاندلسي في ظل الحضارة العربية

288

الجانب اللغوي في المجتمع الاندلسي في ظل الحضارة العربية
عمار رضا هادي

كان للوجود العربي في شبه الجزيرة الايبيرية، على امتداد ثمانية قرون، اهمية كبيرة في مختلف المجالات، انعكس من خلال ترك آثار واضحة ومؤثرة تدل على ذلك. كانت الأندلس نقطة العبور الأولى لنقل التراث الثقافي العربي إلى الغرب، بفضل التعايش والتكامل الذي حدث بين شعوب هذه المنطقة والعرب، وكان اندماج تلك الشعوب و الثقافات المختلفة بمنطقة واحدة حقيقة اجتماعية وثقافية وسياسية ذات نتائج مثمرة على ارض الواقع. لذا، وبفضل تعايش واندماج جميع الشعوب وممارستهم للغات الأكثر شيوعًا مثل اللاتينية والرومانسية والعربية التي سادت في تلك البقعة، اصبحت الأخيرة هي العامل الثاني المهم في تكوين اللغة الإسبانية بعد اللغة اللاتينية.
يمكننا القول أن موضوع تأثير اللغة العربية على مدار القرون الثمانية قد تغلغل في كيان وأصول اللغة الإسبانية .يؤكد رافائيل لابيسا وغيره من المؤلفين أن هناك أكثر من 4000 كلمة موجودة في المعجم الإسباني هي من أصل عربي، وهي تمثل ما تقارب نسبته 8٪ من إجمالي مفردات اللغة الإسبانية. هذا الحضور القوي لتلك المفردات جعل منها وسيلة للتداول اللغوي و التواصلي اليومي في جميع مجالات الحياة اليومية الاسبانية، فهي موجودة في أسماء الاماكن، والحرف اليدوية، وعلم الفلك، والتجارة، والصيدلة ، والزراعة وغيرها من المجالات.
جعل المسلمين من اللغة العربية اللغة الرسمية في شبه الجزيرة الأيبيرية، مع ذلك كانت هناك بعض المناطق التي تم فيها الحفاظ على لغتهم الأصلية. ومن خلال التعايش انبثقت عدة لغات و لهجات في الاندلس: اللغة العربية الفصحى التي كانت لغة الوثائق الرسمية، اللهجة العربية الأندلسية التي كانت لغة التخاطب عند العرب، اللغة اللاتينية و التي كانت لغة المسيحيين والمستعربين، اللاتينية العامية والتي كانت تستخدم بين المسيحيين كلغة مألوفة بين الناس، واللغة العبرية التي كان يستخدمها السكان اليهود للأغراض الدينية.
لم يكن على الإسبان فقط تعلم اللغة العربية الرسمية، بل قام العرب أيضًا بتكييف لغتهم من خلال قبول مصطلحات جديدة من اللاتينية، وبالتالي خلق هجين (Híbrido) بين اللغتين اخذ تسمية الرومانسية الأندلسية أو المستعربة. (Mozárabe) و نظرا لتوالي العصور لم تبق تلك اللغة على نسقها الاول و خضعت للتغيير و التعديل عبر السنين، في ذات الوقت الذي تجذرت فيه في بعض المناطق أكثر من غيرها. وعلى الرغم من أن هذه اللغة قد انقرضت بالفعل، إلا أننا ما زلنا نجد آثارًا لهذا المزيج من اللغة العربية واللغة الرومانسية من خلال اللغة المستعربة.
ومنذ دخول العرب إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، اندمج المسلمون في تلك المنطقة مما ادى إلى تغيير جذري في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية. والجدير بالذكر أن في ذلك الوقت كانت اللغة اللاتينية وثقافتها ضعيفة بينما كانت الحضارة العربية قوية للغاية، خصوصا خلال القرن التاسع والقرن الثاني عشر، فلم يتمكن الإسبان من فرض لغتهم وثقافتهم على العرب كما فعلوا مع القوط، وأصبحت اللغة العربية لغة الثقافة وكان على سكان شبه الجزيرة الذين كانوا تحت الحكم العربي أن يتعلموها. وبالطبع لم تختفي اللغة اللاتينية في شبه الجزيرة، التي اصبحت ثنائية اللغة، فقد ظلت لغة التواصل بين افراد المجتمع الاندلسي بالرغم من وجود اللغة العربية وبقية اللغات واللهجات التي سادت في ذلك الوقت، لتبقى الاندلس لعدة عقود ايقونة ثقافية وحضارية جوهرها التنوع والتعايش.

 

اعداد: عمار رضا هادي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع