ذُبالات

162

كانوا يسيرون في الممر القديم المتشعب , منتشرين في الحديقة المهملة المتيبسة مثلهم , عيونهم الى الأرض كأنها تبحث عن حلم جميل ضاع عبر السنين ربما دفعة واحدة وربما دفعة بعد اخرى . انحناءة ظهورهم تدل على إنهم يبحثون مذ زمن طويل وليس اليوم فقط غير إنهم لم يعثروا بعدُ على ما ضيعوه , ولذا فهم يواصلون البحث في أرض باحة وممرات تلك البناية القديمة مثلهم والتي علتها الرطوبة فكست آجرها . كان بعضهم يطلق لحية تحاكي القطن لونا وبعضهم يحلق ذقنه ذا الأخاديد يوميا لذا بدت بعض الجروح البسيطة على صدغيه – لأنه لا يرى جيدا فتخونه يداه – فضلا عن بضعة شعرات منسية هنا وهناك . بدوا منهمكين فيما هم فيه منهم من يقطع الممر جيئة وذهابا عدة مرات يوميا مستعينا بعصا من الخيزران تهرأ أسفلها هذا إذا لم تكن مغلفة من أسفلها بقطعة معدنية تشبه الكأس وآنذاك تعزف العصا على الممرات المرصوفة معزوفة من نوع رتيب . وبعضهم لا يجلس بل يرقد في كرسيّه العادي أو ذي العجلات . حين دخلت الصحفية الشابة الى بناية دار الرعاية يتبعها المصور وفي جعبتها مئات الأسئلة التي تريد أجوبة شافية عليها , وعلى صوت وقع حذائها ذا الكعب المرتفع وهو ما لا تلبسه المراسلات عادة – لكن الغواية قد تغلب الصواب – التفتت بصعوبة بالغة جل الرؤوس التي حان وقت قطافها ولكنها لم تقطف بعدُ التفتت لترى شبح المرأة الفتان يدرج على الممر الذي ملَّ من الخطى البطيئة الباردة التي عهدها . كانت الصحفية وقد أخذت الإذن من المسؤولين تنوي أن تمر بمن في الدار واحدا تلو الآخر وتصورهم وتتحدث معهم , لكنهم تجمعوا أمامها كما لو كانوا أطفالا يتحلقون حول بائع حلوى . ومع ذلك أبوا أن يُصوروا كلا على انفراد مما اضطر الرجل الذي ينوء تحت آلة تصويره الى الاكتفاء بصورة جماعية واحدة عن بُعد . ابتسرت الصحفية الشابة عملها فأخذت تسأل كلا منهم عن اسمه وعمره وعن امنيته في العام الجديد العام الذي كاد يطل برأسه من الأبواب فكانت حصيلة الأجوبة التي سجلتها في دفتر ملاحظاتها الأنيق والذي تضع قلمها بين أوراقه غالبا ولكنها بين حين وآخر تنقر بالقلم ذاته على غلاف الدفتر – مستبطئة الإجابة من بعض الشيوخ اللذين أضر بهم المرض وحجمتهم العزلة في هذه الدار – كانت الإجابات كالآتي وبعضها في غاية الغرابة كما سترون …. فاثنان منهما أرادا الزواج , وخمسة منهم أرادوا العودة الى الشباب بأيّما طريقة , وستة منهم رغبوا بالعودة الى بيوتهم التي غادروها قسراً أو بمحض إرادتهم , وخمسة آخرين أرادوا السفر في بلاد الله الواسعة بلا عودة , وواحدا ظن إن جارة للبناية تحبه وقد رآها مرة في سطح دارها وكان الممرضون الموكلون برعايته يتندرون بهذا الأمر ويسخرون منه زاعمين له إنها تحبه فعلا فصدق ومع انه كان يخجل فيدلدل رأسه الى الأرض أو يشيح ببصره الى جانب آخر وتحمر اذناه لذلك لكن امنيته في العام الجديد هي أن يعيش معها قصة حب رائعة يحبها ويواصلها لتكون له حبيبة فزوجة , وواحدا كان يعاني الشلل الرعاش أخذ يتحسر لأنه أهمل في شبابه موهبته في الرسم فأراد أن يعود الى ممارسة هذا الفن البديع . غير أن ما استلفت نظر الصحفية بل أدهشها واحدا منهم كانت امنيته الكبيرة في العام الجديد أن يغدوَ امرأة .

سمية العبيدي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع