(مغيتي) قصة التضحية والمحبة و الوفاء

229

أروى شريف جاف

 

كانت مغيتي وحيدة و حزينة و هي تجول في أطراف المكان و عيناها حائرتان خائفتان وهي تبحث عن مكان تأوي إليه وتنعم بالدفء والأمان.

“أنا وحيدة في هذا الغابة الموحشة والمقفرة.. هل أجد من يعطف عليّ  و يأويني عنده  حتى كخادمة؟؟”

تمر من حولها أشكال غريبة و (مغيتي) جائعة, خائفة لا تجرؤ على التوغل صوب البحيرة , تخاف من الغرق أو أن يهجم عليها كائن موتحش.

مر وقت طويل و(مغيتي) لا تزال بين البراري والأحراش جريحة مكسورة.

إنها حزينة, تردد نشيد الحياة الأبدية:

“أنا هنا منذ آلاف السنينن لا أخشى الظلام

لأنني اخترقه بعينني المقمرتين الساطعتين”

(مغيتي) وحيدة لا يطرق سمعها سوى صوت البراري المكتظة بإحتمالات الموت المفاجئ, ونعيق الغربان نذير لشؤم الليل الملتوي على بقايا السماء والماء المكدس في رمح الظلام.

في أعلى الجبل تلمح (مغيتي) أشباحاً  ;يا ترى هل هم أهلها؟ كم تتمنى أن تراهم!!.

“أنا لا ادري كيف أعبِر من مكاني إليهم , فأنا ضائعة, و ربما إذا لمحوني سوف يطردونني . ومن يقبل تائهة أو عابرة سبيل في هذه البلاد الموحشة . لكنني لن أتخلى عن حلمي حتى لو مت قبل ان أحققه ;على الأقل أنا ساكون البطلة الوحيدة في قصتي.. أموت وحيدة لا يهم, المهم أن يكون لمن حولي ذكرى (مغيتي) الحزينة التي مرت من هنا و من حولهم و لم يلتفتوا إليها”.

لليل والقمر قصص نور متخفية منذ أن عزف الكون لحنه الأبدي ..

(مغيتي) تجري في كل الاتجاهات بلا هدىً, لكنها لا تخاف الأشباح , فهي هنا منذ الشمس الاولى, منذ البدء.

(مغيتي) تنام والجوع يقطع أوصالها والعطش ينهش أحشاءها..

ينسحب الظلام ببطء تاركاً مكانه لقليل من الأمل ل(مغيتي) و هي تترنح محاولة إيجاد مخرج لمأساتها حتى رأت أماً تلاعب أبناءها, فإقترب منهم خفية و فرحتها لا توصف , فرحة لا تراها إلا في بريق عيني(مغيتي) اللوزيتين.و هي تتقدم بتردد و خجل نحو الأم ..

“آه.. ما أجملهم .. يلعبون ويتقافزون تارة و يعانقون أمهم تارة أخرى وهم سعداء معاُ.

“سأكلمها , لربما تقبلني معهم. سأساعدها في تربية الأبناء و سأغمرهم بالحب والعطف والحنان”

قبلت الأم ان تعيش معهم  وإتفقا على رعاية الأبناء.

بقيت (مغيتي) تهتم بالاطفال ويوما بعد يوم وأصبحت بمثابة خالتهم التي تحبهم كثيراً وهم يكبرون يوماً بعد يوم.

بعد وقت قصير أصبحت (مغيتي) فرداً من أسرة تحميها وتحميهم و لم تعد تخاف الوحدة والظلام, ولا الجوع والعطش , لكنها غامرت يوماً حينما إقتربت من حيوان تخيلت لوهلة أنه سيكون المنقذ لها في حياتها  القاسية , لكنه بدا ميتاً و متفسخاً فكان يوماً مشؤوماً ;  إذ بدأ جسد (مغيتي) يترهل من شدة الضعف والمرض فقررت أن تغادر الأحبة من أعضاء الأسرة نحو المجهول من جديد خوفاً عليهم من أي مكروه.

” رحلتي الأبدية شقاء وعناء ووهن و تيه, و لن اكون شؤما على أسرتي الجميلة وعلى أبناء أختي التي أحبتني .. يبدوا أنني سأموت وحيدة كما عشت وحيدة”.

الليل القاتم لا يمنح ل(مغيتي) أملاً في الشفاء فالمرض نهش جسمها ولم تتوقف منذ ساعات طويلة عن المشي. وما من معين أو بصيص أمل.

وجدت نفسها صدفة وهي على مشارف بلدتها المهجورة .

ألقت نظراتها اللامعة على مرابع الأهل ومروجها لتستتنشق هواءها بعينيها للمرة الأخيرة.

ماتت (مغيتي) وحيدة وسعيدة لأن أرضها ستضم جسدها..

رغم أن (مغيتي) من فصيلة الذئاب إلا أنها عاشت وماتت وحيدة ومخلصة ..

للذئاب أيضا حب وعطف وتضحية.

 

أروى شريف جاف

تعليق 1
  1. avatar
    سامية خليفة يقول

    قصة رائعة جدا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع