محطة رقم 9 الفرزة الرابعة

121
محطة رقم 9 الفرزة الرابعة
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

في بداية العام الدراسي 1964/ 1965 عُـدتُ لأسـتكمل دراسـتي الإعدادية بالصف الخامـس بعـد ضياع سنتين وأحملُ معي وِزْرُ دعوتين هما التظاهر والشيوعية ومعهما مراقبة سِرّية فجَعـلتُ نَصبَ عَـيْـنَيَّ هدفي الأهم هو الدراسة بعـد أن هجرتُ وطلّقتُ الـسياسـة وفي خلال هذه الـسنة كان عـندي حـضوران في المحكمة العـسكرية الثانية التي يرأسُها شاكر مدحت السعود القومي الاتجاه وهي هِـبَـةُ الزعيم لمناصريه الشيوعيين.
كانت الدعوى الأولى هي دعوى التظاهر التي خدمني الحظ لعـدم وجود شـاهد فقـد كان التـشخيص للمتظاهرين في السجن أيام الانقلاب الأولى وكنتُ يوم ذاك موقوفًا في مركز الشرطة الخيّالة ومع هذا أردتُ أن أحتاط وذلك باسـتعمال الوساطة فـتبادر الى ذهني أن أسـألَ فذهـبتُ الى محل عـمي نوري وهو في بـداية المـشروع مـساءً فوجـدتُهُ وعمي عـبود أمام المحل وطرحتُ موضوعي عـليهما فأرشـدني عمي عـبود الى أحـد الـشقاوات وهو محمود طبانه وكان معنا في السجن عام 1963 محجوزًا لأسـباب لا أعـرفها ولا أدري متى خـرج وأخـبرني أن أكلمه بأني من طرف مدير الـسجن أبي سـعـد الحـديثي وأعـطاني عـنوان سـكناه وكان في أحـد البيوت التي لم يشملها القص عـند شـقِّ الطريقِ لـشارع الجمهورية الموازي لـشارع الرشـيد وهو من مكاسب الزعيم.
سافرتُ الى بغداد قبل موعد جلسة المحكمة وعندي أمل ومعي هـدية بـسيطة للشخص المرجو محمـود طـبانه وصلتُ اليه عصرًا بعـد ان أنزلـتـني السيارة ومَنْ معي في شارع الأمين وهـو الموقف العام للـسيارات آن ذاك توجهتُ للبيت حسب الوصف وطرقتُ الباب فخرج لي وتكلمتُ معه عن موضوعي وعن الذي بعـثني اليه وهو /أبو سـعد مـدير الـسجن/ فوعـدني خـيرًا.
حضرتُ الجلسة ومجموعة من المتهمين مثلي بالتظاهر وقد كُـنّا على ثلاثة صفوف وموقـعي في الصف الأول ثم حضر رئيس المحكمة شاكر السعود ومعه أعضاء المحكمة فجلسوا وظهر لي أن صاحبي محمود كان خلف رئيس المحكمة ونُـودي على الـشهود وكان شاهدًا واحـدًا هـو شرطي الامن جـباره فطلب منه رئيس المحكمة التشخيص الى أن وصلني فـشـخصني وهـنا لا بُــدّ لي من أنْ أدحض قوله بحجة قـوية أُفَـنـدُهُ بـها / فـقـلتُ الى رئيس المحكمة/ إن هـذا الـشاهـد لم يُـشخصني بالتظاهر عـند تـشخيصه الأول للمتظاهرين في الـسجن ولكـنه عرفـني أثناء التحقيق وعندكم القوائم القديمة التي تُـثـبتُ ذلك/ وبعـد انتهاء التشخيص رُفعـتْ الجـلسة للتداول بقرار الحكم ثم عادت وانعقدتْ وكان قرار حكمها في موضوعي هو/ الافـراج لعـدم ثـبـوت الأدلة / فحمـدتُ الله أمّا أحكام الاخرين فكانت لا تَـقِـلُ عـن ثـلاث سـنوات وصاعـدًا.
وبعـد أشـهر يَـتِـمُّ تـبـليغي بالـدعوى الأخرى والأخـطـر وهي انـتمائي الى الحزب الـشيوعي فـذهبتُ الى عميّ أيضًا فأشـارا عـليَّ بالعـودة الى صاحـبي محمود طبانة ومثل سـابقتها كان لقائي به وأخبرتُـهُ بأن دعواي هذه المرة هي تهمةُ كوني شـيوعـيًا فوعـدني خيرًا أيضًا.
حضرتُ في نفس المكان حـسب الموعـد المقرر الى المحكمة العـسكرية التي مقـرها في معـسكر الرشـيد وأخـذ المنادي بالـنـداء على المتهمين الى أن وصل لي فدخـلتُ قاعـة المحكـمة وهـم نفـس الذين شـهادتُهم في المـرّة ىالأولى وشاهدتُ صاحبي محمود طبانه قـاعـدًا نفس المكان أيضًا ولمّا شـاهـدني رئيس المحكمة شـاكر مـدحت الـسعود التفتَ الى صاحبي وقال له/ مو أخبرتك هـذا واوي عـتيك/ سـكت صاحبي ثم توجه بالسؤال نحوي/ ما هـو دفاعـك وأنتَ معـترف بأنّـك شـيوعي/ فـقـلتُ له هـذا صحيح ولكني خَرجتُ من الحزب قَـبل سـقوط الزعـيم بـزمَنٍ وافادتي تُـثـبتُ هـذا / فقال لي/ زين اخرج أمامنا واشتمهم/ وهنا لا بُـدَّ لي من أنْ أشـتم/ فخـرجتُ وقلتُ وأنقله بالحرف الواحـد/ ألعـنْ أبـوهم لهـذوله الـسفلة الـتافهين/ فـسمعـتُ صوت رئيس المحكمة يـسألـني/ لَـكْ منو هم/ فأجبتُهُ هم إلْ لي تريدون أشتمهم/ ودخـلت للقاعة فرأيـتُ بقايا ابتـسامة على وجوههم وانتهى الامـر معي بطلب نشر براءتي في إحـدى الصحف المحلية واحضارها بالجلسة القادمة.
ذهبتُ وابن خالتي محمد الناصر الى شارع الأمين حيث إدارة مكتب جريدة الفجـر الجـديـد التي يرأس تحريرها يونس الطائي وهو من القوميين الناصريين وممن كانت لا تخلو صحيفتُهُ عن مقالةِ تَمجـيد للزعيم الأوحـد عبد الكريم ومعها كيلٌ من الشتائم على الشيوعيين/ فسـألني عن طلبي فـقُلتُ له/ أُريـدُ نشر براءتي/ فـسألني/ تـريد نـشر براءتـك من الحزب العـميل لو من الحـزب الرذيـل/ فـفهمتُ أن العـميل هو الـشيوعي والرذيـل هو الـبعـث / فقـلتُ له براءة من الحزب العـميل/ فطلب أجور النـشر فدفعـتها له وقال لي سـتُـنـشر غـدًا وفي اليوم الـتالي اشتريت صحيفةَ الفجر الجديد وبقـيتُ محـتـفـظًا بها الى أن جـاء موعـد الجلـسة الثانـية والأخيرة وكانت نفـس الهيئة وكان صاحبي محمود طبانة قاعـدًا بمكانه السابق/ وقـفـنا نحن المجموعـة الـسابقة في القاعة لنـستمع الى قـرار الحـكـم وفي دخـولي للـقاعة سَـلّـمتُ الصحيفة لرئيس المحكمة فـقـرأ منـشور الـبراءة وبعـد جـلـسة نقـاش قصيرة ارتـأتْـهُ الهـيئة بأخـذ اسـتراحة قـصيرة للمـداولة ثم عـادوا لقـراءة القرار فكان القـرار بالنـسبة لي/ الـسجن ثمانية أشهر مع إيـقـاف الـتـنفيـذ مع وضعي تحت المراقبة لمدة سـنتين في حين كان توقيفي عامًا الا اسـبوعين وفي هذه المُـدّةِ أنهيتُ السنة الدراسية وأنهيتُ امتحان البكلوريا للخامـس اعـدادي فكانت نتيجتي أنّـي مُـكملٌ باللغـة الإنكليزية وقد أديّـتُ امتحانه في الدور الثاني فـنجحتُ وهدفي هو دخول الجامعة.
الدنمارك / كوبنهاجن الأربعاء في 1 كانون أول 2021
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع