محطة رقم 10 الفرزة التاسعة

67

محطة رقم 10 الفرزة التاسعة

لحاج عطا يوسف منصور

 

بعد خروجي من دائرة الامن وقضائي فيها عشر ليالٍ من ليالي ألف ليلة وليله أي من ليلة 21 آذار 1971 وحتى منتصف ليلة 31 آذار بكفالة صهري وابن عمي الحاج
ناصر وقدرها 200 دينار باشرتُ في دائرتي غرفة تجارة الكوت وعلى لساني يتردد قول الشاعر المتنبي:
سأحملُ روحي على راحتي ….. وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياةٌ تَسِرُّ الصديقَ ….. وإمّا مماتٌ يُغيضُ العِدى
كان قراري ان اسافر الى اخي نافع في جيكوسلفاكيا لمساعدتي في الحصول على كرسي دراسي وقبل هذا احببتُ ان أُخبره عن موضوع توقيفي وما تعرضتُ له كي
أحفز فيه روح الاخوة ويُعيد في ذاكرته ما ضيعه من عمري وهي سنوات الانتظار الثلاث السابقة التي كان يوعدني بالحصول على كرسي دراسي ويتذكر ما كنتُ أقدمه
له من ايصال رسائله لرفاقه وما جازفتُ به وعرضتُ نفسي ومصيري له وذلك في ادخالي كتاب/ كيف تكون شيوعيًا جيدًا/ الى سجن الكوت عند توقيفه فيه بناءً على
طلبه وكذلك ليكون على علم بوضعي المحفوف بالخطر في بلد يحكمه حزب فاشي وجهاز امن لا يؤتمن في ان ينسب لي تهمة ملفقة كسابقتها.
فسافرتُ الى الكويت بعد خروجي من التوقيف بأيّام وأرسلتُ له رسالةً وضحت له فيها كل ما خطر على بالي في حينه الا اني لم اتلق منه أي تلميح يُشيرُ الى تسلمه رسالتي
فعزيتُ الامر الى تخوفه علينا وأن المعلومة قد وصلت وسوف يتلقاني بالأحضان. رتبتُ اموري بالنسبة لدائرتي غرفة التجارة وفي آب سافرتُ الى جيكوسلفاكيا.
كان سفري من مطار المثنى في بغداد على خطوط النقل الألمانية/ لوف تنزا/ الى برلين ومنها التحوّل للطائرة الجيكيه وكانت السفرة مريحةً وممتعةً على الطائرة
اللوف تنزا الألمانية وكان الى جانبي عربي فلسطيني لقبه البرغوثي.
وصلت الطائرة الى مطار برلين عصرًا والأجواء جميلة وبعد ان اجريتُ المطلوب من إجراءات داخل المطار انتقلتُ الى صالة الانتظار لأستكمل رحلتي الى براغ وقد قارب
الوقت الغروب.
جاء دور رحلتي ومعي اخرون وصعدنا الى الطائرة الجيكية وهي صغيرة وضيقة في كراسيها فجلستُ في أحد المقاعد ولسان حالي يقول: شِـدّة وتزول والمهم الوصول.
وما ان أقلعت الطائرة في السماء تبين لي وللركاب انها طائرة تعبانة لا تستطيع ان تطير فوق الغيوم وكلما حاول الطيار الارتفاع اشعر انها تستغيث ومن خوف بعض
الركاب أخذوا في طلب الماء لشدة خوفهم والذي اعجبني براعة المضّيف في إيصال الماء دون ان ينسكب وهو يتأرجح مع تقلب الطائرة وبعد مضي ساعتين من حبس
الانفاس في هذه الطائرة وصلنا وحمدنا الله على السلامة.
كان الوقتُ مساءً ممطرًا كئيبًا والمسافة بعيدة بين الطائرة وبناية المطار ولا توجد واسطة نقل تنقل الركاب من الطائرة الى البناية كما هو في برلين مما دفعني وباقي
الركاب الى ان نختصر المسافة بالركض ونقلل من تعرضنا للمطر المنهمر بغزارة.
دخلتُ ومعي ركاب الطائرة الى الصالة فرأيتُ ناسًا متجمهرين على شباك فسألتُ عن
سبب هذا التجمهر فقالوا / عليك أن تُصرف مبلغ عشرة دولارات الى العملة الجيكية وهي الكرونه / وهذا التصريف عن يوم واحد وهو الزامي وعليك التصريف عن كل
يوم تبقى فيه بجيكوسلفاكيا.
الحقيقة ضحكتُ في داخل نفسي من البداية التي لم اتوقعها في دولة اشتراكية لها ولكل الدول الاشتراكية تصور ومنظور خاص في فكري لكني جاريتُ ومشيتُ الى ان
وصلتُ باب الرحمة شباك التصريف ودفعتُ بالباون الإسترليني وقبضت الكرونه ولا أدري كم هو المبلغ ثم توجهتُ للخروج متوقعًا ان أجد ناقلات ركاب أو سيارات اجرة
الا أني لم اجد غير ناقلة ركاب واحدة يتزاحم عليها القادمون لتنقلهم الى داخل براغ وقد ساعدني أحد الواقفين ممن يقدمون الخدمة للحصول على إكرامية في حقيبتي
فأدخلها في مكان وضع الحقائب في السيارة وقد أعطيتَهُ نصف باوند معدني كان وهذا مبلغ لا يحلم به ثم دخلتُ الى سيارة النقل والازدحام على أشده بحيث لم أقدر
الدخول فوقفتُ في باب الباص والمطر المنهمر يُلازمنا وبعد المسير بالباص بأكثر من
 صف ساعة وصل بنا الى وسط براغ فترجلتُ منه واخذتُ حقيبتي مسرعًا لعلي الوذ واحتمي ببناية من غزارة المطر فلم اجد فتلفّتُ حولي فلم أرَ الا بعض المارّة وهم في
سباق للحصول على سيارة أجرة والسابق هو الفائز فجاريتُ الاخرين وحصلتُ على سيارة خصوصي لشخص يسترزق على الطاير مثل جماعتنا بالعراق فركبتُ وأعطيتُه
العنوان وبعد عشر دقائق تقريبًا أنزلني أما باب بناية فأعطيتُهُ الأجرة وانصرف.
دخلتُ الباب الرئيسي فرأيتُ غرفة الاستعلامات واتفقتُ على المبيت في إحدى بنايات المجمع وأخذتُ رقم البناية ورقم الغرفة وتوجهتُ لا أدري ولا أعرف أحدًا والليل أناخ
والمطر لا يتوقف وبقدرة القادر وصلتُ البناية دخلتُ مدخلها معللًا نفسي أن أجد أحدًا أسألُهُ الا اني لم اجد ما تأملتُهُ.
بقيتُ أتأمل وأنتظر الى أن سمعتُ وقع أقدام على السلم فقلتُ في نفسي لقد جاء الفَرَج وإذا بشخص ضئيل البُنيةِ عليه آثار مرض فخده الايسر منتفخ ويده اليمنى مُلفوفة في
شاش طبي فقلتُ هو ذا مرادي فسألتُهُ بالإنكليزية هل هو عربي فنفى ذلك ثم سألتُهُ هل يعرف أخي نافع أو ابن خالي محسن وهنا كانت المفاجأة لي فكلمني بالعربي وقد
تبين لي بعد ذلك أنه صديقهما وغرفتُهُ تُقابل غرفة ابن خالي.
حمدتُ الله وصعدنا السلم الى الطابق الرابع وصاحبي يعتذر عن عمله الذي كان في بداية اللقاء ودخل الى غرفة ابن خالي ونادى عليه فخرج وتم اللقاء.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع