لماذا لا يكون كوناً مثالياً ؟

168

محمد الدباسي/

لماذا لم يخلق الله الناس على مستوى واحد ؟
لما المرض ؟
لما الألم ؟
لماذا أحياناً تكون الغلبة لأهل الباطل ؟
لما كل ذلك طالما أنه على كل شيء قدير ؟
طالما أن الله سبحانه و تعالى قادر على أن يجعل هذه الحياة على أرقى حال و يتنعم فيها الناس جميعاً فلماذا الابتلاء إذاً ؟
لماذا خير و شر و نحن بينهما نختار ؟
لماذا الشر يحيط بنا فنهرب منه ؟
لما لا يكون الخير فقط ؟
لما الخوف ؟
لما وُجدت وساوس الشيطان ؟ و لماذا تغوينا ؟
أسئلة كثيرة تدور في مخيلاتنا و نحن نسير في هذه الحياة .
و نحن نمضي فيها بألم أحياناً و بسعادة أحياناً أخرى .
إنها الدنيا بكل تقلباتها فلما هي كذلك ؟
بداية لنسأل :
هل يوجد شر ؟
هل خلق الله الشر أم أنه لا يوجد شر ؟
يقولون بأنه لا يوجد ضد للأشياء !
لا يوجد برد لكنها حرارة تحت الصفر !
لا يوجد فقر لكننا قد نقول عن ذلك بأنه انعدام المال !
لا يوجد مرض لكن ليس لديه صحة !
إن كل ذلك ليس بصحيح فالبرد و المرض و الفقر كلها موجودة في هذه الحياة .
هل الأصل في الإنسان أنه لديه مال أم لا ؟
لماذا لا نقول بأن الحر هو غياب البرد ؟
لماذا لا نقول بأن الصحة هي غياب الفيروسات ؟
لماذا لا نقول بأن السعادة بسبب انعدام الحزن ؟
لنعلم بأن الله على كل شيء قدير و أنه سبحانه يستطيع أن يجعل الدنيا كلها خير أو يجعلها كذلك كلها شر .
يستطيع أن يجعلها على مستوى واحد .
لا ألم .
لا حزن .
لا مرض .
لكن مهلاً ..
كيف سيكون العالم ؟
كيف نعرف الصحة لولا المرض ؟
كيف نذوق السعادة لو لم نجرب الحزن ؟
كيف نميز الجمال لو لم نرى القبح ؟
إن وجود كل ذلك هو تمام قدرة الله عز وجل و خير عظيم لنا و حكمة منه سبحانه .
تمام قدرته لأنه استطاع أن يوجد الشيء و ضده .
و خير عظيم لنا لأننا بذلك عرفنا الأشياء بحقيقتها و لذلك أوجد الله الخير و أوجد الشر سبحانه .
و حكمه منه سبحانه لتحقيق الابتلاء .
حسناً .. قد يقول قائل و ما فائدة أن أفرق بين الأشياء أو أحس بالأشياء طالما أن وجود الخير و الشر في الحياة سيكون سبباً لدخولي النار و سقوطي في الابتلاء ؟
صحيح أن ذلك سيجعلك في ابتلاء تصارع فيه هواك لكن ثق لو أنك صادق سينجيك الله .
لم يطلب الله منك أن تقف في مكان ما و لو أصابك الشر فأنت خاسر هنا .. لا .. و لو كان كذلك لكان دخولك الجنة أو النار مسألة حظ و هنا قد نقول بأن الشر حرمك من الجنة .
إن الله طالبك بأن تقدم لنفسك .
بأن تعمل لتحصد فالأمور بيدك أنت .
أنت من يحدد .
و أنت من يقرر .
إن الحياة الدنيا بكل السنوات التي فيها فإنها لا تساوي شيئاً مقارنة بالخلود الأبدي و إن ما يقضيه الواحد منا في الدنيا ليس شيئاً أما خلوده في الآخرة و بالتالي ما يحدث هنا في الحياة الدنيا هو لا شيء و لذلك لنصبر قليلاً .
لنثابر و نجتهد و لا نلتفت لأي شيء .
لنعلم أننا في ابتلاء .
نعم ..
هو امتحان لنعرف النتيجة لكن مهلاً ..
هل الله سبحانه و هو الخالق بحاجة إلى أن يَعرف ليجازينا ؟
بالتأكيد لا لكن ذلك من أجل إقامة الحجة علينا فالجنة جزاء عظيم و النار عذاب عظيم و بالتالي من يدخل الجنة أو النار من المهم أن تقام عليه الحجة .
لكن لماذا كل ذلك ؟
لما هذا التقسيم ؟
هل من الضروري أن يكون هنالك مجموعة في النار و أخرى في الجنة ؟
بالتأكيد لا .
لن ينفع الله أو يضره في ذلك شيء فهو من خلق الجنة و هو من خلق النار و هو من خلق الذين سيدخلون الجنة و هو من خلق الذين سيدخلون النار و لم يخلق الله أهل النار لأجل أن يدخلهم النار لكن لأنهم استحقوا ذلك بعد أن رفضوا أن يكونوا صالحين و لم يستجيبوا للحق بإرادتهم .
لو كان الناس على مستوى واحد فلن يكون هنالك ابتلاءً تماماً كما لو كانت الحياة الدنيا على مستوى واحد لكنها الفروقات و الاختلافات التي بين الناس و التي أوجدت ذلك .
إن الله سبحانه أوجد الخير و الشر كما ذكرنا للابتلاء لأن الدنيا دار ممر و الحياة لم تنتهي بانتهاء الدنيا لكن تبقى الآخرة و أن المجتمع المثالي الذي نريده سيكون في الجنة و أن الله عدل لا يظلم أحد و بالتالي تستطيع أن تعيش في المجتمع المثالي لو قررت أنت ذلك كما ذكرنا .
ثم أن الشر ليس دائماً يأتي بشر بل أحياناً قد يكون خيراً فتأخرك عن الذهاب للمطار مثلاً هو شر لكنه سيكون لك خيراً لو سقطت الطائرة التي لم تلحق بها و هكذا ..
ثم لو تأملنا في هذه الحياة بكل تفاصيلها لوجدنا بأن الخير هو أكثر ما في الوجود و الشر أقل من ذلك بكثير و ذلك يدل على سهولة الحصول على ذلك الكثير فقط لو أردنا .
إنها سنية الحياة و عدالة الله و رحمته سبحانه .

محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي
عضو مجلس أمناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة
maldubasi@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات