قراءة في قصّة قصيرة (طرحت كلّ الأشياء) للكاتبة هدى حجاجي أحمد

أ. محمد موسى العويسات

264
قراءة في قصّة قصيرة (طرحت كلّ الأشياء) للكاتبة الأديبة الصّحفية المصريّة هدى حجاجي أحمد
أ. محمد موسى العويسات
هدى حجاجي أحمد
صحيفة فكر

تلك قصّة قصيرة أخذت عنوانها من مقولة لفتاة بدئت بها القصّة معلّلة طرحها ” طرحت كلّ الأشياء عن مخيّلتي كي تكون بعيدا عن الظّلال الرماديّة”، وقد اعترى العبارة بعض الإبهام الذي ساد القصّة وألقى بظلاله عليها، فما الأشياء التي طرحتها الفتاة؟ والفتاة التي ستكون بعيدة عن الظلال الرّماديّة أم الأشياء؟! الفتاة التي تزوّجت طرحت تاريخا سبق زواجها وأرادت أن تحيا حياة جديدة بعيدة عن الإهمال واللامسؤولية وعن سلوكيّات تشي القصّة بأنّها لم تكن سويّة، طرحت خطيبها ولباسها وعاداتها العشوائيّة وفوضويّتها وأخذت تفكّر وتسعى لحياة جديدة فيها استقرار ومستقبل تطمح أن يكون جميلا، ولكنّها لا تنجو من المنغّصات والعراقيل، ففجأة تعثر على صورة لامرأة ما في محفظة زوجها تبدو أجمل منها، هنا ينكشف لها بعض تاريخ زوجها، تتناسى الأمر وتتجاوزه أي تطرحه جانبا، وفجأة يهاتفها خطيبها السّابق الذي تركته ليردّها إلى تاريخ طرحته، والمفاجأة الكبرى كانت عندما وجدت في إحدى الصحف صورة لامرأة قتلت، هي صورة الفتاة نفسها التي عثرت عليها في محفظة زوجها، وهنا تُقفل القصّة بعنوانها: وطرحت كلّ الأشياء… ولكن دونما تعليل، ما الذي طرحته هذه المرّة؟ ربّما طرحت الصّحف والخبر، ولم تأبه له، وربّما طرحت الحياة الجديدة، وربّما طرحت آمالها وأحلامها بمستقبل جميل. تُرك الجواب للقارئ يخمّنه ويقدّره كما يشاء، وهذا من عناصر الجمال القصصيّ أن تترك للقارئ فسحة للتّخيّل والتّحليق، أي أن تترك سؤالا يجتهد في جوابه. ومن جمال هذه القصّة الفجوة في بعض المواقف التي تحتاج لتفاصيل ما، وهذه تتساوق مع الإيحاء، فبهما ابتعدت الكاتبة عن أسلوب الحكاية، فجاءت القصّة ومضة أو وميضا. وممّا يحسب للقصّة نجاحا أنّها رسمت ظلالا من الرّماديّة وعدم الوضوح، ما تاريخ هذه الفتاة الذي تجاوزه زوجها؟ وما علاقة زوجها بالفتاة صاحبة الصّورة ومقتلها؟ وماذا كان بعد؟
جاءت اللّغة بسيطة فصيحة سلسة طُوّعت لاختزال قصّة بأحداث أوسع. استطاعت الكاتبة أن ترسم شخصيّة القصّة الرئيسة التي هي الفتاة رسما نفسيّا ناجحا بأقل التّكاليف من سرد وحوار. لم تُسمّ الكاتبة الفتاة وكأنّها تريدها شخصيّة أنموذجا متكرّرا في مجتمعنا، فلطالما وجدنا أو سمعنا أنّ هناك من حاول أن ينسلخ من تاريخه المشين فلا يستطيع، فإمّا أن يبرز له فجأة فيطارده وإمّا أن يجده مكرورا في غيره من المقرّبين. وهكذا تكون هذه القصّة لقطة دقيقة من حياة معيشه في المجتمع الإنسانيّ. وعلى أيّة حال كان لكلمة ( طرحت) بعد أو ظلّ لافت.
فمن ينجح في طرح كلّ ما يشين؟ أو طرح الأشياء التي يجب أن تطرح؟ إذن هو التّجاوز الصّعب، والامتحان النفسيّ القاسي.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع