فنّ اللياقة الاجتماعية في بيت من الشعر

377

فن اللياقة الاجتماعية أوما يسمى في اللغة الأجنبية وفي الفرنسية تحديدا (الإتيكيت )أي( بطاقة الدخول إلى المجتمع الراقي )،هذا المصطلح الفضفاض ذوالدلالات المتعددة هو ببساطة فنّ التعامل مع الآخرين بلين ولباقة وتحضّر،آداب إذا ما التزم كل فرد بتطبيق قواعدها أفاد منها وأفاد بها الآخرين دون شك وتجنب الوقوع في أخطاء السلوك التي تحرجه وتجعله يسقط من عيون معارفه سواء أكان ذلك في محيطه الأسري أو في ميدان العمل في الحفلات ،والملتقيات وفي كل  مكان يلتقي فيه الإنسان بنظيره، وكما هو معلوم توجد منذ أقدم العصورأنواع عديدة من الإتكيت تحرص كل شعوب الأرض على الحفاظ على ما هو مفيد منها ليسود النظام والمحبة وترسخ دعائم التكافل ووشائج العلاقات الإنسانية الحميمة بين كافة شرائح المجتمع مما يضفي على الحياة اليومية للبشررونقا وبهجة وسرورا واتساقا ،فالإتيكيت التي تكون مقبولة وتعد ضرورة لا يحسن إهمالها في بلد من البلدان قد لا تكون كذلك لدى أبناء بلد آخر ورغم هذا التباين الذي تفرضه العادات والتقاليد والفروق التي تميز ثقافة عن ثقافة وبيئة عن أخرى يمكننا القول أنه توجد مشتركات بين الناس في فن الاتكيت في كل بقاع المعمورة أهمّها على الاطلاق فن إلقاء التحية والمصافحة وأدب المحادثة برفق والإصغاء باهتمام لمن نتجاذب معه أطراف الحديث يليه عدم احتكار الكلام والتمسك بالرأي والابتعاد قدرالإمكان عن التدخل في ما لا يعنينا ،

فالجلوس والمجالسة والضيافة والزيارة وتناول الطعام وتقديم الهدايا واختياراللباس وإيجاب الدعوة وغير ذلك كثير من احتياجات الذات البشرية التي يضيق المقال عن حصرها لا يصبح لها معنى ما لم تصطبغ بصبغة الأدب والتربية القويمة وبناء على ما تقدّم يمكنني القول أن مفهوم الإتكيت هوأسلوب حياة يشمل أنماطا من السلوكات والقيم  تنحى بالكائن الحي منحنى إيجابيا في كل مكان وزمان ،ولاأظنني أبالغ إن أشرت أن فنّ اللياقة الاجتماعية من صميم  ثقافتنا العربية الإسلامية وليس امتيازا غربيا كما يعتقد البعض ففي سيرة الرسول الأمين(ص) وفي هديه أسوة حسنة و طرق مثلى خالدة خلود الأبد إذا ما تربّى عليها المرء وسارعلى نهجها أسهم في بناء المجتمع الراقي الذي يحسن أفراده التصرف في تعاملهم مع الغير ومع مختلف المواقف التي يواجهونها طيلة مسار حياتهم ،وعطفا على ما سبق أود أن أضيف أن هذا السلوك المتّسم بالأدب كان أيضا من سجايا العرب قبل الإسلام ،عرب الجاهلية الذين كان الصدق والكرم والعزّة و العفّة والصّبر وحسن الجوار والوفاء من أبرزصفاتهم ، أولئك القوم الذين أجادوا بالفطرة فن لإتيكيت، فها هو الشاعر الجاهلي ثابت بن أواس الأزدي المتوفي عام 70قبل الهجرة الموافق ل عام 525م والملقب بالشنفرى، أحد أشهر صعاليك العرب العدائين قد ضرب أسنى مثال في فن اللياقة الاجتماعية في باب من أبواب أدب تناول الطعام مع الجماعة حينما قال في بيت من الشعراستوقفني في لامية العرب التي أجمع الدارسون على أنها أروع ما قيل من شعر جاهلي ،لاميته الشهيرة التي تحث على مكارم الأخلاق

وإن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن ………. بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل !

( ومعنى هذا لئن زاحم الشاعر في صيد الطرائد إلا أنه لا يزاحم على أكلها )وقد رأى أنه من الوجاهة وعلو الهمة أن يتريّث وألا يكون أوّل من يمدّ يده إلى الزاد كيلا  يوصف بالحرص والجشع ، ولقد ذكرني مضمون هذا البيت بسلوك في قمة التحضرالإنساني دأبنا على الإلتزام به كلما نزلنا ضيوفا على أسرة من الأسر أودعينا إلى وليمة ،فعندما تبسط الموائد في هكذا مناسبات وتوضع الأطباق المملوءة بكل ما لذّ وطاب فإننا نتشاغل عن الأكل بتبادل أطراف الحديث مع المدعوّين إلى أن ينضم إلينا من استضافنا قائلا أهلا وسهلا،مرحبا  ، تفضلوا، هنيئا مريئا  ثم يشرع هو في الأكل و بعد ذلك  يقبل الحضور على تذوّق ما أعدّ لهم من طيبات ، فأصول اللياقة  تقتضي دوما أن يبدأ المضيف في تناول الطعام قبل الضيف !

 

نورة سعدي

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع