تأملات في القران الكريم ح446

181

سورة المطففين الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ{18}
تستمر الآية الكريمة ( كَلَّا ) , حقا , ( إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) , يقرر النص المبارك ان كتاب المؤمنين الصادقين في ايمانهم في مكانٍ سامٍ رفيع الشأن .

وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ{19}
تستمر الآية الكريمة وفيها تعجيب ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ) , وما اعلمك يا محمد “ص واله” ما عليّون ! , بيانا لشرفها وعظم منزلتها , والخطاب للعامة وليس له “ص واله” بالخصوص , يختلف المفسرون في “عليّن” , فمنهم من يرى انه :
1- كتاب جامع لأعمال الخير من الثقلين والملائكة .
2- مكان تحت العرش .

كِتَابٌ مَّرْقُومٌ{20}
تستمر الآية الكريمة معرفة “عليّن” بانه ( كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ) , مختوم , مفروغ منه , كتب فيه كل اعمال المؤمنين وما لهم من الثواب , غير منقوص , لكن قابل للزيادة بفضل منّه تعالى .
( الافاعيل المتكررة والاعتقادات الراسخة في النفوس بمنزلة النقوش الكتابية في الالواح فمن كانت معلوماته امورا قدسية وأخلاقه زكية وأعماله صالحة يأتي كتابه بيمينه أي من جانبه الاقوى الروحاني وهو جهة عليين وذلك لان كتابه من جنس الالواح العالية والصحف المكرمة المرفوعة المطهرة بأيدى سفرة كرام بررة يشهده المقربون ومن كانت معلوماته مقصورة على الجرميات وأخلاقه سيئة وأعماله خبيثة يأتي كتابه بشماله أي من جانبه الاضعف الجسماني وهو جهة سجين وذلك لان كتابه من جنس الاوراق السفلية والصحائف الحسية القابلة للاحتراق فلا جسم يعذب بالنار وإنما عود الارواح إلى ما خلقت منه كما قال الله سبحانه كما بدأكم تعودون فما خلق من عليين فكتابه في عليين وما خلق من سجين فكتابه في سجين ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .

يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ{21}
تضيف الآية الكريمة ( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) , يرى كثير من المفسرين ان الملائكة المقربون يطلعون على ذلك الكتاب , وواقع الحال ان كلمة ( الْمُقَرَّبُونَ ) لا تشمل الملائكة فقط , بل تشمل ايضا الرسل والانبياء “ع” والصالحين وفي آية كريمة اخرى ما يقابل هذا المعنى , حيث اشارت وحددت الجهات التي تطلع على الاعمال { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105 , “الله تعالى ورسوله الكريم “ص واله” والمؤمنون , ولم تشر الى الملائكة , اللهم اذا كان المضمون مختلفا .

إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{22}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) , الابرار اما ان يكونوا مطلق المؤمنون , او انهم اصحاب منزلة خاصة , في نعيم خالص .

عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{23}
تبين الآية الكريمة حال الابرار في نعيمهم ( عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ) , جالسون او متكئون على الاسرة , ينظرون الى ما يسرهم من النعم .

تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ{24}
تضيف الآية الكريمة ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) , ترى في وجوههم بهجة التنعم .

يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ{25}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ ) , خالص , ( مَّخْتُومٍ ) , لا يفتحه احدا غيرهم .

خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ{26}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( خِتَامُهُ مِسْكٌ ) , يجد شاربه رائحة المسك فيه , او انها اخر شربة تكون كذلك , ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) , في مثل هذه المنزلة فليرغب الراغبون , فيبادروا الى طاعته جل وعلا .

وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ{27}
تضيف الآية الكريمة ( وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ ) , مزج هذا الشرب بماء عين “التسنيم” , وسميت تسنيم لارتفاع مكانها , او لرفعة شرابها , وهي من المصدر ( سنم ) اي رفع .

عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ{28}
تعرف الآية الكريمة التسنيم ( عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) , هي عين يشرب منها المقربون , والمقربون هم المشار اليهم في سورة الواقعة الشريفة ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} ) .

إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ{29}
تبين الآية الكريمة مقررة ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ) , ان الكفار والمنافقين كأبي جهل وغيره يضحكون ساخرين من فقراء المسلمين .

وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ{30}
تستمر الآية الكريمة ( وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ) , واذا مر احدا من فقراء المسلمين بأولئك الكفار او المنافقين , اخذوا يتبادلون اشارات سخرية في حركات العين “كالغمز” فيما بينهم .

وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ{31}
تستمر الآية الكريمة ( وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ ) , واذا رجع الكفار او المنافقين الى اهلهم كانت فاكهتهم السخرية بالمؤمنين والاستهزاء بهم .
( نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك إنه كان في نفر من المسلمين جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا رأينا اليوم الاصلع فضحكنا منه فنزلت الآيات قبل أن يصل علي وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وآله .
وعن ابن عباس إن الذين أجرموا منافقو قريش والذين آمنوا علي بن أبي طالب عليه السلام ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .

وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ{32}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ ) , واذا رأوا المؤمنين , قالوا في حقهم انهم لضالون في ايمانهم بالرسول الكريم محمد “ص واله” .

وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ{33}
تضيف الآية الكريمة ( وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ) , وما ارسل الكفار على المؤمنين يحفظون اعمالهم .

فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ{34}
تبين الآية الكريمة انقلاب الصورة في يوم القيامة ( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ) , حيث يضحك المؤمنون ساخرين من الكفار والمنافقين , يرونهم اذلاء مهانين , وقيل ان الكفار والمنافقين في النار يفتح لهم باب الى الجنة ويقال لهم “اخرجوا اليها” , فاذا وصلوا , أغلق الباب , فيضحك المؤمنون عليهم .

عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{35}
تبين الآية الكريمة حال الابرار في نعيمهم ( عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ) , الى الكفار والمنافقين وهم يعذبون في النار .

هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{36}
تختتم الآية الكريمة ( هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) , اثيبوا او نالوا استحقاق ما كانوا يفعلون في الدنيا .

حيدر الحدراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع