اللغة المتموّجة/جفّ ضرع الأمل: للشاعرة سامية خليفة

182

اللغة المتموّجة

بقلم : كريم عبدالله – العراق 11 /5 /2020

جفّ ضرع الأمل.. للشاعرة : سامية خليفة

يقول سركون بولص : ونحن حين نقول قصيدة النثرفهذا تعبير خاطىء , لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر , وفي الشعرالعربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة , وأنا أسمّي هذاالشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ , كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراءكثيرون في العالم . واذا كانت تسميتها قصيدة النثر , فأنت تبدي جهلك , لأنّ قصيدةالنثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه , أي قصيدة غير مقطّعة . من هنابدأنا نحن وأستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالأتكاء على مفهومهندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب منضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لهاحسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز , ونقصد انّ مايُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر . انّ القصيدةالسرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطيء كثيرا مَن يتصورأنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي , وأنّ التعبير نقصد به الأنشاءوالتعبير عن الأشياء . انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّهالسرد بقصد الأيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والأنزياحات اللغويّة العظيمةوتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف, أما مفهوم التعبيريّة فأنّه مأخوذمن المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججة والأحاسيسالمرهفة , اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيره الأحداثوالأشياء في الذات الأنسانيّة . انّ ما تشترك به القصيدة السرديّة التعبيريّةوقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عالية وجديدة .انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزان والقافيةالموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بين الفقراتالنصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضها وكأنّهاقطعة نثريّة . أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلة بالمشاعرالمتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروح دون عناءأو مشقّة .

وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدةالسرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على ( الفيس بوك ) العام 2015,اعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما أنتشرت على مساحة واسعة من أرضناالعربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وأنبرى لها كتّاب كانواأوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الأنتشاروأنطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية . فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدةالجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقياواميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتهاويحافظون على تطويرها .

سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبمايُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي , ولتكنهذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السرديةالتعبيرية .

أنّ اللغة المتموّجة في القصيدة السرديّةالتعبيرية قد منحت شاعرها مساحة كبيرة لتوظيف الخيال والمجاز وطرحهما بصورة واقعيةمألوفة , فنحن نعلم بأنّ هناك لا الفة بين المجاز وذهن القارىء , وكلّما تعالىالمجاز أتّسعت اللاالفة وجعلت القارىء ينفر ويبتعد , لهذا فنحن نجد بأنَّ السرديةالتعبيريّة وعن طريق اللغة المتموّجة قد خلقت ومدّت جسوراً ما بين ذهني المتلقيومجازاتها , أي أنّها تستطيع أن تطرح مجازاتها اللغوية والخياليّة بصورة واقعيةمحببّة , وبالتالي تستطيع أن تخلق حالة من الألفة لللاالفة , ليصبح الخيال واقعاًقريباً من ذهن المتلقي عن طريق لبسه ثوب الواقعية والحقيقية . أنّ اللغة المتموّجةفي السرديّة التعبيريّة تتناوب ما بين مفردات وتراكيب لغوية توصيلية , وأخرىمجازيّة أنزياحيّة , وهذه الميزة لا تتوفر في القصصية السردية ولا في الشعريةالتصويرية , فالأولى تعتمد على السرد والتوصيل وتخفّض من المجازية , بينما الثانيةتعتمد على المجاز المتعالي وتخفّض من السرد . في السردية التعبيرية نجد المجازالعالي والخيال الخصب المتنامي والتداولية والتوصيلية , حيث يجتمع الأثنان لتكوينلغة قوية تنفذ الى أعماق الذات , وفي نفس الوقت تحافظ على فنيتها العالية , فهي (السردية التعبيرية ) تجمع الالفة واللاالفة , أي تخضع المجاز والخيال الى الواقعيةالمحببة والقريبة والحقيقية , فهي قادرة على أن تجعل غير المالوف مألوفاً ,والبعيد عن ذهنية المتلقي تجعله قريباً وواقعياً .

وهنا سنتطرق الى كيفية تدجين ووقعنة الخيال المجازي .

في نصّ الشاعرة : سامية خليفة – جفّ ضرع الأمل

نجدغرابة العنوان ولغته المتموّجة ما بين / جفّ / ضرع الأمل / , فمنالمتعارف عليه بأنّ مفردة الجفاف مفردة شاسعة ومعلومة ودلالتها واضحة لدى المتلقي, لكن الغرابة تكمن في / ضرع الأمل / والتي هي عبارة عن موجةأنزيايحية ثائرة تثير المتلقي بغرابتها ودلالتها المعرفية والمعنوية . ونجد أيضافي النصّ / أنا العاشقةُالغارقةُ في لجَّةِ الصَّمتِ أغفلُ عنْ موعدِ الإفطارِ أسألُ على أيِّ رشفةِ دمعِسأفطرُ والدَّمعُ جفَّ منْ ضرعِ الأملِ / موجاتمدهشة توصيلية تتبعها موجات أنزياحيّة مثيرة ومدهشة , فمثلاً / أنا العاشقةُ – عبارةتوصيلية مفهومة , لكن عند اضافة / الغارقة في لجّة الصمت / نجد هناموجة عنيفة من الانزياح اللغوي الذي منح الفقرة زخماً دلاليا وجماليا مبهراً , ثمـاتي بعدها موجة توصيلية / أغفل عن موعد الأفطار / تتبعها موجة أخرىانزياحية مبهرة / أسأل على ايّ رشفة دمع سافطر والدمع جفّ في ضرع الأمل –ما أجمل هذا الانزياح اللغوي الغريب والمثير والمدهش , ثم / ها هي أطباقُ الإفطارِ تناديني لا أسمعها وصخبُ نواقيسَ تعلنُ عنْ موعدِرحيلِ آخرِ أسيرٍ منفيٍّ كانَ أنت / تأتيموجة أنزياحية أخرى تبتدأ بها هذا المقطع بأنسنة الأطباق ومنحها صفة الأنسنة /ها هي الأطباق تناديني / تتبعها دون توقف موجة توصلية أخرى / لا أسمعها وصخبُ نواقيسَ تعلنُ عنْ موعدِ رحيلِ آخرِ أسيرٍ منفيٍّ كانَأنت / مقطع نصّ تداولي متعرف عليه , ثم / أنتَ المنفيُّ إلى مدينة الأفكارِ السوداءِ ألمْ تعثرْ بينَها على فكرةٍواحدةٍ عذراءَ بيضاءَ لم تدنس الشُّكوك يديها؟ / هذاالمقطع الرائع والجميل جاء على شكل موجة هادرة عظيمة , موجة أنزياحيّة مدهشة جداً, تجعل المتلقي يقف عندها طويلاً منتشياً بجمالها , ثم تأتي موجة أخرى / أأنتظرُ انبلاجَ فجرٍ جديدٍ كي يهديَني قطرةَ فرحِ ويداكَ تتفجَّرُ منهماينابيعُ السَّعادةِ / وهي عبارة عن مقطع نصّ مذهل تتزاحم فيه وتتدافع الموجات التوصيليةوالانزياحيّة بطريقة أكثر من رائعة , فمثلاً / أأنتظرُ انبلاجَ فجرٍ جديدٍ / وبدونتوقف تأتي الموجة الهادرة بأنزياحاتها المذهلة / كي يهديَني قطرةَ فرحِ ويداكَ تتفجَّرُ منهما ينابيعُ السَّعادةِ / , ثمتختتم الشاعرة نصّ البديع بـ / أذن المغرب الكل يولم بشراهة ذئب أما أنا فسرحت في وليمة تغص بعصائرباردة من سراب جليدي تعلو الرضاب شفتيه. / حيث الجمال اللغوي والأنبهار يتفجّر موجات كثيرة في هذا المقطعالنصّي الزاخر بالابداع الجميل , تناوبت فيه اللغة الشعرية العظيمة ما بينالتوصيلية والأنزياحيّة .

أنّ هذا النصّ يعتبر من التحف الكبيرة التي أنتجتها السردية التعبيريةعن طريق لغتها المتموّجة , حيث نرى فيه الخيال الجميل وقد لبس لباس الواقع , حيثالألفة والقرب لدى المتلقي , لقد استطاعت الشاعرة هنا أن تكتب لغة عظيمة لولاالسردية التعبيرية لما تمكنت من تطويع هذه اللغة بهذه الطريقة المذهلة , ولما جعلتمن الخيال الجامح لديها ملموساً وواقعياً .

جف ضرع الأمل

أنا العاشقةُ الغارقةُ في لجَّةِ الصَّمتِ أغفلُ عنْ موعدِ الإفطارِ أسألُ على أيِّ رشفةِ دمعِ سأفطرُ والدَّمعُ جفَّ منْ ضرعِ الأملِ؟ أستدعيكِ يا أفكاريَ الهاربةَ مني ألّا تختاري من قاموسِ الأبجديَّةِ حروفًا حارقةً أو ابقَيْ بعيدةً،ها هي أطباقُ الإفطارِ تناديني لا أسمعها وصخبُ نواقيسَ تعلنُ عنْ موعدِ رحيلِ آخرِ أسيرٍ منفيٍّ كانَ أنت ،أنتَالمنفيُّ إلى مدينة الأفكارِ السوداءِ ألمْ تعثرْ بينَها على فكرةٍ واحدةٍ عذراءَب يضاءَ لم تدنس الشُّكوك يديها؟ أأنتظرُ انبلاجَ فجرٍ جديدٍ كي يهديَني قطرةَ فرحِ ويداكَ تتفجَّرُ منهما ينابيعُ السَّعادةِ؟!أذن المغرب الكليولم بشراهة ذئب أما أنا فسرحت في وليمة تغص بعصائر باردة من سراب جليدي تعلو الرضاب شفتيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع