القيم، بين عدسة الفيلسوف ونظرة الإقتصادي

153
القيم، بين عدسة الفيلسوف ونظرة الإقتصادي
خالد بوفريوا

 

يحتل مفهوم القيم داخل حقل العلوم الإجتماعية أهمية بالغة باعتباره محددا من محددات السلوك البشري، إنه من أكثر السمات تأثرا بالإطار الثقافي والإجتماعي، فلكل مجتمع نسقه القيمي الخاص، يتغير تبعا لما يحصل في المجتمع من نقلات وتحولات.

فكيف ترى عدسة الفيلسوف القيم وما هي طبيعة النظرة الإقتصادية لها ؟

عدسة الفيلسوف ونظرته للقيم :

إن فكرة القيمة قد برزت على مسرح الفكر الفلسفي بالرغم من أن أصول فلسفة القيم تمتد بعيدا في تربة الفكر الفلسفي حيث نجد في تاريخ الميتافيزيقا فلسفات يونانية كاملة تدور حول قيم خالدة وأزلية هي قيم “الحق” و “الخير” و “الجمال” ،حيث تعد مبحثا من مباحثها _أي الفلسفة_ .

منذ بزوغ شمس الفكر في اليونان والسؤال المطروح في الميتافيزيقا يتصل بمجال الأنطولوجيا وهو البحث عن وجود القيم :

هل تعلوا فتتعدى وجود الإنسان فتصدر عن عالم يسمو فوق البشر ؟ أم أنها تصدر عن الإنسان نفسه باعتباره خالقها حين يصطنعها بإرادته واختياره الحر؟

في الرد على هذه المسائل صدرت مواقف (سقراط) و ( أفلاطون) و (أرسطوا)، فقد خلط سقراط موقفه من القيم بنظريته الابستمولوجية ومزج بين طبيعة القيمة وطبيعة المعرفة فوجد ان قيمة الشر هي قيمة سلبية لأن الجهل هو علة الشرور ومصدر الآثام، حيث يقوم الإنسان بفعل الشر نظرا لجهله بالحقيقة . وعلى غرار سقراط ذهب أفلاطون إلى أن الإنسان إنما يعتمد على عملية التذكر لاستدعاء القيم واستحضارها من عالمها اللانهائي حيث نظر أفلاطون إلى القيم على أنها أبدية ومطلقة كما أنها كلية وعامة فأضفى عليها طابع القداسة. لكن صاحب الفكر الفرنسي الحديث ديكارت قد رفض الأنا التي تتأمل المثل بل وأصبحت الأنا عنده هي نفسها مصدر المثل وصانعة القيم، ولقد إتفق أفلاطون وديكارت رغم تباين الفكر اليوناني القديم مع نظيره الفرنسي الحديث بصدد استعراضهما لفكرة القيمة ومصادرها في عالم المثل او عالم الانا على فصل القيمة عن واقعها الحسي للشخص، فلجأ أفلاطون إلى مثال الخير ولجأ ديكارت إلى فكرة الكمال فهناك تطابق بين القيمة والخير الأفلاطوني والقيمة والكمال الديكارتي.

وإذا كان افلاطون يضع القيمة “خارج الذات” فإن سبينوزا على غرار ديكارت يتجه نحو الأنا والقيم عنده هي ذلك الأثر الذي تتركه الذات كي تصنعه وتفرضه على العالم،بمعنى أن الخير والشر هما أحوال أفكار البشر وتصوراتهم وإرادتهم حيث يتعلقان فقط بوجهة نظر ذاتية ونسبية. وعلى سبيل المثال :

فإن زيادة سعر السلعة وارتفاع ثمنها هو شر بالنسبة للمشتري إلا أنه خير ومنفعة بالنسبة للبائع.

نظرة الاقتصادي للقيمة :

تعتبر نظرية القيمة هي المحور الرئيسي لعلم الإجتماع الماركسي حيث نظر ماركس إلى العمل على أنه مقياس السلعة ولذلك انتقد الماركسييون علم الإقتصاد البورجوازي انتقادا علميا، ولم ينشغلوا بما ينبغي أو بما هو عادل كما فعل برودون الذي اتهم البورجوازيين باللا أخلاقية. إنما التفت ماركس إلى فائض القيمة الذي يستولي عليه البورجوازي في صورة أرباح أو عائد لرأس المال حيث يتولد فائض القيمة من رأس المال ثم يضاف هذا الفائض إلى أصل رأس المال القديم فيحدث “التراكم” حين يتحول “فائض القيمة” إلى رأس مال جديد ولذلك ينادي البورجوازي من أجل زيادة الإنتاج
ويشتري البورجوازي للعامل الا ما يعادل وقت العمل الضروري، أما وقت العمل الزائد فلا يدفع عنه البورجوازي أجرا أي انه لايعطي القيمة الزائدة. ومن تم يتراكم فائض القيمة كي يدخل خزائن البورجوازي فالملكية سرقة على حد تعبير برودون.
ولقد اكتشف ماركس قيمة الوقت الزائد الذي يقضيه العامل لا من أجل مصلحته بل من أجل مصلحة صاحب رأس المال وهذا الوقت الزائد وهذا الجهد المضاف أو العمل الفائض هو فائض القيمة أو فائض الوقت. وكلما ازدادت نسبة زيادة الفائض في الجهد والوقت والعمل كلما ازدادت نسبة الإستغلال حين تتراكم جهود العمال بصورة كارثية، فيقع التناقض بين من يملك ولا يعمل وبين من يعمل ولا يملك .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع