الحرية
محمد الدباسي
الحرية هي المبدأ الأول من مبادئ العدالة الاجتماعية التي ينبغي توفرها لتحقيق العدالة لكن لنسأل :
ماهي الحرية ؟
هل لها ضوابط ؟
لماذا نضع ضوابط على الحرية ؟
كيف ستكون حرية طالما أن لها ضوابط ؟ لماذا لا نغير اسمها إذاً ؟
لنقل بأن الحرية هي نشاط إنساني يمارسه الإنسان بلا قيد و بلا ضابط .
ما معنى ذلك ؟
معنى ذلك أن الإنسان قد يتعدى على حقوق غيره و يصبح ذلك الغير معتدَى عليه و مقيد و هذا يؤدي إلى أن هنالك من قد لا يستطيع التمتع بالحرية بسبب ذلك التعدي و يعني كذلك أن تحقيق الحرية لن يكون لكل البشر و هذا بالتالي لا يساعد على تحقيق عدالة اجتماعية .
إذاً ما الحل ؟
هل نغير مفهوم الحرية ؟
عندما تحدثنا عن فلسفة العبادة تحدثنا عن الحرية و قلنا حينها بأن الحرية ليست كاملة و لا توجد أصلاً في الدنيا حرية كاملة بل هي مقيدة بضوابط و الضوابط هنا لم تأتي من أجل قتل الحرية لكن من أجل تنظيمها و لذلك هي ليست حرية كاملة و تحدثنا كذلك من أن الحرية لابد و أن تكون مقيدة في الفعل و الفكر معاً و لا نستطيع أن نمتنع عن التقيد في الفكر لأنها كذلك ستحدث ضرراً تماماً كالفعل .
و لذلك قلنا بأن أقرب تعريف للحرية هو اختيار الإنسان لأفعاله و معتقداته دون الاعتداء أو الإضرار بأحد .
إذاً هي نشاط إنساني يمارسه الإنسان بقيد واحد و هو ألا يتعدى على حقوق غيره من الكائنات أو أي أحد طالما أنهم يشاركوه هذا الكون .
لنسأل :
من يحدد الحقوق ؟
كيف نعرف هذه الحقوق ؟
إن من يحدد الحقوق هنا هو من يضع النظام القائم على هذه الأرض و الذي يكفل بتحقيق عدالة اجتماعية و قد تكلمنا عن ذلك و قلنا بأنه لن يستطيع تحقيق عدالة اجتماعية إلا الإسلام .
إلا قانون الإسلام و مراد الله و مراد الله هنا هو الفرق بين المفهوم الإسلامي و المفهوم الآخر كان دينياً أو غير ديني للحرية .
قد يقول قائل بأن معنى مراد الله الدين فلماذا الدين ؟ نحن نريد حرية بعيدة عن قيود الدين فكيف ترجعوننا إلى الدين ؟
لنسأل :
أليس ما حولك من منظمات و أمور لها قيود ؟
نعم لها قيود .
لماذا دائماً ننظر إلى الدين فقط على أنه سجن ؟
بل و السجن الوحيد في هذا العالم ؟
أليست الأنظمة الوضعية سجن ؟
أليست الحدود بين الدول سجن ؟
أليست العادات و التقاليد سجن ؟
أليست أنظمة المرور سجن ؟
أليست الوظيفة سجن ؟
أليس بيع الفكر سجن ؟
أليست الأخلاق سجن ؟
أليست جميعها كبت للحرية التي يدعون أن الدين يحاربها ؟
إن دعاة الحرية قد يتفقون في مفهوم الحرية و ضابط الفعل لكنهم لا يتفقون عند ضابط الفكر بحجة أن الفكر لا يضر الآخرين كالفعل و قد تكلمنا عن ذلك عندما تحدثنا عن العبادة و هذا السبب هو أحد الأسباب التي جعلتهم لا يقبلون بالدين هنا .
لنعلم بأن كل فعل أصله فكرة و كل فكرة لابد و أن تؤدي إلى فعل حتى لو حُبست في صدر صاحبها .
إذاً الفكرة بالتأكيد ستترجم إلى فعل و لذلك هما مرتبطان ببعضهما .
إننا على أثر ذلك نستطيع أن نقول بأن معتقد الإنسان و كما أنه سيكون اعتداءً على مراد الله في الكون فإنه بالتأكيد سيترجم إلى فعل و يضر بآخرين على الأرض .
هنا تساؤل :
طالما أن الإسلام لا يوفر الحرية التي يريدها البعض كما يقولون فهل نستطيع أن نقول بأن الديانات الأخرى قامت بتوفير الحرية للبشر ؟
لنعلم هنا بأن الديانات الأخرى لم تستطع حماية آلهتها كما ذكرنا فكيف بحماية البشر و توفير الحرية لهم .
إنها فقط وفرت حرية مزيفة لمجموعة من البشر بما يساهم لخدمة تلك الديانات فقط و هذه الحرية ليست من أجل الإنسان لكنها من أجلها هي و لذلك نسأل :
أين حرية المرأة و حقوقها عند الهندوس و بوذا ؟
أين هي عند اليهود بالنسبة لغير اليهود ؟
أين هي كذلك عند النصارى بالنسبة لطوائف نصرانية أخرى و قس على ذلك ؟
بل و حتى دعاة الحرية من ليبراليين و علمانيين و غير ذلك لن يستطيعوا توفير تلك الحرية سواءً في الفعل أو الفكر فهم في النهاية لن يصنعوا حرية كاملة لأنهم حتماً سيصطدموا بأنظمة لا بد منها و إن كانت باطلة لكنها تبقى قيود و هذه القيود أما أن يكونوا هم من وضعوها لينتصروا لمذهبهم أو أن الحياة فرضتها عليهم .
إن الحرية هي من أجل الإنسان و لذلك كان تنظيمها و ضبطها من أجل أن تكون لكل إنسان و لذلك نجدها حرية غير مطلقة و جعلها كذلك غير مطلقة ذلك لأنه لا يوجد في الكون حرية مطلقة بسبب تحقيقها للجميع و حمايةً للجميع و قد تحدثنا عن ذلك و لذلك لن نجد مفهوم واقعي و حقيقي للحرية بقيود تناسب البشر و ترتقي بهم إلا عند رب البشر الحقيقي الذي خلقهم .
لكن هنا سؤال :
بما أن الله كتب كل شيء من قبل خلق الإنسان فكيف يكون الإنسان حراً في تصرفاته و اختياراته ؟
أليس تقدير و كتابة أفعاله قبل وجوده على هذه الحياة تقييداً له ؟
ألا يعني ذلك أنه مسير ؟
للإجابة هنا لابد بدايةً أن نعلم بأن الإنسان عندما خلقه الله بين له طريق الخير و طريق الشر ليختار لكنه سبحانه كان قد كتب نتيجة ذلك الاختيار قبل خلقه لأنه يعلم ما سيقرره ذلك الإنسان و بالتالي كتابة ما سيفعل قبل ولادته هي لإثبات علم الله لا لتقييد الإنسان .
و على ذلك لا بد أن نعلم بأن الدين الإسلامي قد كفل للإنسان حريته سواءً كان ذكراً أو أنثى و نظم هذه الحرية .
كيف ذلك ؟
كيف أعطيك حرية ثم أنظمها لك ؟
نعم الحرية بحاجة إلى تنظيم لا إلى كبح و هذا الأمر يتفق عليه المفهوم الغربي للحرية و كذلك المفهوم الإسلامي .
و هذا كذلك تفسير لقولنا بأنه لا توجد حرية مطلقة في هذا الكون لأنها باختصار لن تتحقق .
إن تنظيم الحرية من قبل الشريعة الإسلامية هي إدارة لمصلحة المجتمع فالإنسان فرد من مجتمع لا يستطيع العيش بعيداً عنه و المجتمع بطبيعة الحال بحاجة إلى تنظيم .
بحاجة إلى توزيع الحرية بين أبناءه بعدالة تماماً كتوزيعه للثروات و كذلك إلى تنقيحها .
إن تحريم الزنا مثلاً و الذي تراه الدساتير الغير إسلامية حرية شخصية هو تحريم و منع في الشريعة الإسلامية ليس من أجل كبح الحرية .. لا .. إنه منع من أجل حرية الإنسان .
من أجل حرية آخر قد يولد نتيجة هذا الزنا و سيكون بعد ذلك مقيداً في المجتمع لأنه حينها سيكون ابناً غير شرعياً و بالتالي سيصنف تصنيفاً أقل بين أقرانه الشرعيين .
إن الزنا كذلك ليس حماية لذلك الابن فقط بل هو كذلك حماية للوالدين من أجل أن يجدوا أبناء حقيقين يرعون كبرهما و ضعفهما .
إنه كذلك من أجل حرية رجل أو امرأة قد يفعلان أمراً يسبب لهما في القريب مرضاً يقعدهما أو قد يضر بتكوين أسرة .
إنه كذلك حرية لتلك المرأة حتى تتحرك كما تريد دون خوف من أن يعتدي عليها أحد أو أن يتربص بها أحد .
إن الحرية ليست في أن يفعل الإنسان ما يريد لكن في أن يستطيع أن يأمن ليعيش .
إن الذين ينادون بالحرية المطلقة كيف لهم أن يطالبوا بها و هم ينادون بالأخلاق لأن الأخلاق ليست حرية .
نعم .. إن الأخلاق بحاجة إلى ضبط تصرفات و أفكار و هذا الضبط هو ضد الحرية المطلقة للإنسان و قد تكلمنا عن ذلك و كيف أن الإنسان قد يمتنع عن فعل شيء فقط لأنه ليس من الأخلاق .
ملخص ما سبق نستطيع أن نقول بأنه لن يستطيع أحد تقديم حرية كاملة لا في الفعل و لا في الفكر .
سؤال :
كيف يقول الإسلام أنه يعطي للإنسان حرية الانتساب إليه و هو يجبر الناس على الدخول فيه و يعاقب من يغير رأيه في الخروج منه ؟
للإجابة على ذلك نسأل كيف عرفت أنه إجبار ؟
هل الإسلام يرغم الناس للدخول فيه أم أنه يترك الأمر لهم بالخيار ؟
هل إقامة حكم الله على الأرض إجبار لهم بالدخول في الإسلام ؟
مالفرق بين إقامة حكم الله و بين الدخول في دين الله ؟
إننا لو تأملنا من حولنا و في حقيقة الفتوحات الإسلامية لوجدنا أن الإسلام يفتح البلدان و يحررها من عبودية الإنسان للإنسان و يقيم حكم الله على الأرض لأن الأرض كلها لله ثم يترك للإنسان و يُبقي له قراره بالدخول في الإسلام من عدمه و سنفصل في ذلك في الفصل القادم .
أما أن الإسلام يعاقب من يخرج من الإسلام فهنا سؤال :
من المستفيد بانتماء الإنسان للإسلام ؟
ما هي مصلحة الإسلام من بقاء أفراده ؟
عندما ينتمي الإنسان للإسلام هل يقدم كل منهما خدمة للآخر كما يحدث في المنظومات ؟
إن الإنسان بإسلامه لن يدفع ضريبة و لا مال يقدمه للإسلام حتى نقول بأن الإسلام هو في حاجة له مثل تلك المنظومات التي ما جعلت العقوبات إلا لتحفظ حقها عندما يصيبها ضرر من فقد ما كان يقدمه لها الإنسان .
بل إن الإسلام هو من يُعطي من ينتمي إليه فلو تأملنا عبادات من ينتمي إلى الإسلام في الإسلام لوجدنا أنها رفعة و أجر لذلك المسلم بل حتى جهاده من أجل نشر الإسلام رفعة و زيادة له في الأجور و كلما زاد ذلك الرصيد من العبادات كلما علت مكانته عند ربه و بالتالي و عقلاً هل سيضرني خروج فرداً من منظومتي طالما أنني سأكون إن استمر فيها و اتقن مطالب بمجازاته خير الجزاء على ما قدم ؟
إن الله سبحانه سيفعل ذلك رحمة بعبده و لا ينفعه و لا يضره و لا يفقره و لا يغنيه طاعة إنسان أو معصيته .
لنعلم بأن الإسلام دين رحمة و هو كذلك دين حرية و قتل المرتد في الإسلام و الذي يقولون عنه بأنه ضد حرية المعتقد ليس لأن الإسلام سيضره خروج الإنسان منه .
قطعاً ليس الإسلام كباقي المنظومات يدعوا الناس إليه ليستفيد منهم كما ذكرنا .. لا .
إن الإسلام يعاقب المرتد لأنه دين لحماية الإنسان و لو كان الأمر متعلق بالعقوبة فإنها حاصلة لذلك المرتد إن لم تكن في الدنيا فستكون في الآخرة حاله حال كل الذين طغوا و تجبروا في الدنيا و لم ينالوا عقابهم لكن لأن الإسلام لا يهتم بمعاقبة الإنسان قدر اهتمامه بالمحافظة عليه كانت العقوبة في الدنيا .
إنها عقوبة مستعجلة ليفكر ألف مرة قبل خروجه من الدين بما ينتظره من عقوبة بانسلاخه عن الدين .
إنها كذلك عبرة لغيره من المسلمين و حماية لهم من فعل ذلك طالما أنهم شاهدوا ما يُفعل بمن خرج عن دينه .
إنها رحمة للإنسان من عذاب مخلد في الآخرة .
إن الدين من الضروريات الخمس التي أمر الإسلام بالمحافظة عليها جنباً إلى جنب مع المال و العقل و العرض و النفس و التي يقيم بها الإنسان حياته في الدنيا فكان حفظ الدين من باب أولى بالمحافظة ليقيم به حياته في الآخرة فكيف يساعدك الإسلام على حفظ ما تُقوم به دنياك و لا يساعدك على حفظ ما تُقوم به آخرتك ؟
و لذلك لو كان الإسلام يحارب الفكر لأجبر كل إنسان في بلد يفتحه بالدخول في الإسلام و إلا القتل لكنه لا يفعل ذلك بل هو يفعل ذلك مع من كان مسلماً ليراجع حساباته و لذلك فإن الإسلام قبل قتل الخارج عن دينه يستَتِيبه ليعود لإسلامه و لو عاد فإن الإسلام لا يعاقبه و لا يشك في انتماءه أو يتهمه بالخيانة ..لا .. فليست القضية في العقوبة قدر ما أنها حمايةً لذلك الإنسان و الذي تحقق بالعودة .
هنا قد يأتي تساؤل آخر :
قد يؤدي حد الردة و محاربة الفكر و حرية المعتقد إلى وجود منافقين يبطنون الكفر و يظهرون الإيمان ، أليس ذلك يضر بوحدة المجتمع و مدى صدق ابناءه ؟
لنعلم بأن عدم إظهار المعتقد أو أي أمر غير مرغوب بقدر ما أنه سيء لكنه أفضل من إظهاره فكتمانه جُبن و إظهاره يعني سهولة الدعاية له و انتشاره بين الناس و لعل من أبطنه اليوم يعيد حساباته و هو يخالط الناس فيعود إلى رشده خاصة و أن له سابق عهد بالإسلام مما يعينه على ذلك .
إنها حرية الإسلام و التي لن يفهمها و لا يعرف حقيقتها إلا من تعمق فيه و هذه مشكلة الذين يعتمدون على رؤوس أقلام في فهمهم للإسلام .
هنا تساؤل آخر :
طالما أن الإسلام هو الدين الحق و هو دين الرب الحقيقي و هو دين مقنع بحقيقته فلماذا يتركه من ينتمي إليه ؟
لنعلم بأن سبب ذلك ليس الدين بل هو الهوى .
نعم الهوى ، لكن ما هو الهوى ؟
ما مفهوم الهوى ؟
الهوى هو سلوك إنساني داخلي و هو ميل الانسان إلى ما يستلذه و يشتهيه و قد تغيب فيه الرقابة و هنا قد يكون ميلاً نحو الخطأ .
جميل جداً ، إذاً غياب الرقابة الداخلية هنا تجعل الإنسان يفعل ما يرفضه الضمير فالضمير هنا هو الرقيب و هو ما يحمله الإنسان من معتقدات و فضائل و ضوابط لتقيم سلوكه و تصرفاته و المعتقدات و القيم هنا قد تكون في الخير أو الشر فلو كان هذا الفرد مؤمناً بالله فإن الضمير هنا سيكون موافقاً لأوامر الله لكن لو غلب الهوى و كان مسيطراً على الإنسان فحتماً سيسيطر على الضمير و سيرضخ الضمير للهوى و سيفعل ذلك الإنسان ما هو خارج عن الصحيح و لا غرابة في أن يصل الأمر إلى رجوعه عن دينه فلماذا إذاً نلوم الإسلام و لا نقيس الأمر بأداة القياس الصحيحة ؟
إن سبب ملامة الإسلام هنا و أنه سبب ارتداد أبناءه عنه هي محاولات يُراد منها التشكيك في الإسلام لا أكثر .
أمر آخر بالنسبة للحرية و هو لماذا الدين يوقف التساؤلات في بعض الأمور ؟
أليس ذلك محاربة لحرية التفكير ؟
قبل أن أجيب سأسألك :
هل تملك أنت إجابة لهذه التساؤلات ؟
قد تقول سأبحث ..
جميل أن تبحث لكن أعطني تساؤل .
لنقل مثلاً :
من خلق الله ؟
هل تعتقد بأن فكرك سيجيب ؟
و لذلك سأسألك :
هل تستطيع و لو كنت أقوى رجل في العالم أن تقاتل كل من تراه أمامك ؟
بالتأكيد لا .. لأن قوتك محدودة حتى و لو كنت تملك مسدساً فإن ذلك سيعينك لحد معين ، لماذا ؟
لأن الله سبحانه أعطاك من القوة ما يعينك لتعيش بها في هذه الدنيا و لتكون هذه القوة قابلة لأن تُبتلى و كذلك الفكر فإن الله أعطاك من الفكر ما يعينك لتعيش به في حياتك الدنيا و ليكون كذلك قابل للابتلاءات لذلك لن أقول لك بأن إجابة سؤالك مفقودة سواءً كان هذا السؤال أو غيره فبالتأكيد أن الله عز وجل لو أراد أن ينزل في القرآن آية يكون فيها إجابة صريحة لتساؤلك بما يقنعك بأن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء لفعل ذلك و لا يعجزه ذلك لكنه جعل ذلك في تأملاتك للآيات القرآنية و في هذا الكون و كذلك جعل ذلك من مواضع الابتلاء .
ألسنا في الدنيا ؟
أليست الدنيا دار اختبار ؟
ألسنا نُبتلى ؟
إن كل مبدع في هذه الدنيا يبتليه الله في إبداعه ليكون اختباراً له في ذلك من جملة الابتلاءات التي يُبتلى بها و لذلك هذه من الأسئلة التي يُبتلى بها الفكر و للنجاة من ذلك و إيماناً منا بأننا عبيد لله في هذه الدنيا لا بد لنا من أن نسلم الأمر إلى الله .
كذلك لا بد لنا من أن نعلم كذلك و قد تكلمنا عن ذلك بأن الله لا تسري عليه قوانيننا التي اكتشفناها و التي نفرضها على كل شيء في هذا الكون و التي منها أن نجعل لكل سبب مسبب لسبب بسيط هو أن الله موجود قبل هذا الكون الذي خلقه و بالتالي كيف نفرض على الله عز و جل قانوناً من قوانين الكون الذي خلقه و هو سبحانه قبل الكون و قوانينه .
إنه لطالما فهمنا حقيقة الحياة فإننا بالتالي سنفهم حقيقة الحرية في هذه الحياة .
إن الإسلام بذلك لا يحارب حرية التفكير .. لا .. فليس الإسلام دين ديكتاتوري بل هو قائم على السؤال فالقرآن الكريم مليء بالأسئلة بل و كذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مجالسته مع صحابته رضوان الله عليهم كان يسألهم و كانوا يسألونه .
إن هنالك فرقاً بين كتم الأفواه و بين قياس قدرات الفكر فالإسلام لا يكتم الأفواه عن السؤال لأن من يكتم الأفواه هو العاجز عن بيان الحق لضعفه أو بطلان منهجه و نظامه بل إن الإسلام يدعوا المسلم لأن يكون قوياً يسأل و يطالب و يعرف أين هو و لماذا هو هنا و طالما أننا نبحث و نفكر سنصل إلى إجابات تقنعنا و تدلنا و كذلك سنصل إلى أسئلة نجد أنفسنا نتوقف عندها و هذا أمر طبيعي كما ذكرنا .
إن الإسلام لا يريد من المسلم أن يكون درويشاً في هذه الحياة فيضيع حقه أو لا يستطيع أن يعبد الله كما أمر بحجة أنه لا سؤال و لذلك من الخطأ أن نربط بين هذا و ذاك .
إن الكثير من الحريات قتلها سوء فهم بعضنا للإسلام و الإسلام من ذلك براء .
إنه دين الحريات لكنها فقط الحريات الحقيقية لا المزيفة .
إن حفظ حرية الفرد في المجتمع هي حق من حقوقه طالما أنها لا تضر بأحد و لا تحيد عن مراد الله و إن في كبت الإنسان قتل له فهو فرد من مجتمع له حق فيه بمعرفة ما يدور حوله و المساهمة في ارتقاء ذلك المجتمع و إبداء وجهة نظره و المناقشة و تقرير المصير .
إن كبت الحرية هنا معناه أننا سنقدم جيلاً ضعيفاً لا يقدم لأمته و لا يرتقي بها بل يجعل تلك الأشياء بيد إقلية تفعل ما تشاء فينتشر الظلم و تتعاقب على ذلك أجيالاً تألف ذلك الظلم فتضيع الحقوق بل و قد لا تعرف أصلاً أن هنالك حقوق فيعيشون على هامش الحياة يصنعون التطور و لا يستمتعون به ليس لأنهم لا يريدون الاستمتاع بل لأنهم لا يفكرون فيه لأنهم يرونه ليس لهم .
لأنهم ارتضوا لأنفسهم عبودية البشر و لأنهم رضوا بأن يعيشوا على هامش الحياة ليتركوا الحياة لنخبة أرادت ذلك و عندها لن يكون هنالك تطوراً لأننا لا نستطيع أن نسميه كذلك .
إن مثل ذلك لا بد له و أن يؤثر في مسيرة المجتمع في يوماً ما و نرى نتيجته لأن النفس بطبيعتها لا تحب الكبت و تتطلع إلى الحرية و الانطلاق و لذلك نرى الكثير من الناس في المجتمعات تخرج عن طورها طالما أنها لم تُقدم لها تلك الحرية الحقيقية لا المزيفة .
إننا عندما نقول المجتمعات لا نستثني المجتمع الغربي منها فهو كذلك يعاني من ذلك و التاريخ شاهد لأنه ينعم بحرية مزيفة كما ذكرنا لكنها تختلف بالتأكيد عن غيرها من مجتمعات لاختلاف نسب الكبت .
و عندما نقول حرية مزيفة فذلك لأن الكثير من الأنظمة تقدم حرية مزيفة على أنها حقيقة .
نعم .. فنجد تقديم الملذات و الملهيات على أنها حرية يُضاف لها بعض فتات من حرية حقيقية تشبه وضع الملح على الطعام فنظن أنها حرية حقيقية لكنها مزيفة في حقيقتها فنستمتع بها و نطالب بالمزيد منها لا من الحقيقية عند احتياجنا للمزيد .
إن كمية الفتات التي تضاف من الحرية الحقيقية هنا هي الفرق الذي أوجد نسبة الكبت بيننا و بين المجتمع الغربي التي ذكرناها .
إنهم يقدمون الحرية كذلك حتى يغيبون الناس و يشغلونهم عن أن يكون لهم دور في هذه الحياة فهم يريدونهم كالعبيد لهم لكنهم لا يعلمون بأن ما يفعلونه لن يطول ولن يكون نهاية لما رسموه لهم فالنهايات تصنعها فطرة البشر .
إننا لو بحثنا في كل أنظمة الدنيا لن نجد غير الإسلام يقدم حرية حقيقية للبشر فتشعرهم بإنسانيتهم و بمكانتهم لا على أنهم شحاذين أو دمى لعب .
محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي يمني
رئيس الاتحاد العالمي للمثقفين العرب
عضو مجلس أمناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة و عضو بعدة كيانات
maldubasi@gmail.com