الأمير الشاطر

429
الأمير الشاطر
بقلم: مناز  تيناوي

 

كانت غصناً مراوغاً ميَّاد، لم تثق يوماً بأرجل العصافير الغضَّة رغم خفتها، تُراقص الهواء بدلع الحسناوات ولا تسمح حتى لأنامل الأميرات بمسِّها.
كانت وحيدةً وجميلة، تخبىء أزرار ياسمينها لموسم النضوج البعيد الذي لم تعلم بعد من سيكون صاحب قِطافه.
صمدتْ أمام الغرباء فصولاً تلو الأخرى بوجهٍ ممتعضٍ يستصغر الهوى والهويَّة إلى أن مرَّ بأرضها في الفصل الخامس من السنة “فصله هو.”
مرَّ خفيفاً كريح الربيع، بارداً كمداعبات الشتاء، حاراً كلهيب النشوة وساكنا كأحجية الخريف العذبة.
دندن طوال طريقه بأنغامٍ غير مفهومة ووقف بغتةً أمام أوراقها يتأمَّل بنظراتٍ مبهمة، يرمي ابتسامةً ويدندن تارة ويصمت تارةً أخرى صمته الشهي.
دنت باندفاع دهشة اللَّذَّة، وألقت التحية.
تلفَّتَ حوله، تغيَّرت ملامح وجهه، بدأ يرتجف رعباً ويبحث عن ذاكَ الصوت الناعم في تلك الأرض المليئة بالأشجار اليابسة.
همستْ له:
– أيّها اللطيف تلكَ أنا غصن الشجرة الذي يظلِّل رأسك!
رفع رأسه وصرخ:
– غصنٌ يتحدث هل هذا سحر! لا تلاعبيني أيّتها الفتاة أخرجي الآن وإلا سأنزل صباحاً عند قصري وأرفع عليكِ دعوة تضليل أمير.
قهقهت بأنوثتها المعتادة:
– يا لكَ من محتال مراوغ تريد إيقاعي بعشرات التُّهم في القصر الملكيّ دون وجه حق، ألا تؤمن بالأسَّاطير!
اقترب جداً من ذاك الغصن، أغمض عيناً وفتح الأخرى وأطرق:
– يا إلهي فعلاً إن الغصن تتكلم!
مالَت من جذعها نحوه، اقتربت من جبينه وأكملت:
– لا أتحدث فقط بل أكتب الشعر أيضاً.
رفع حاجبه الحادّ، تلمس لحيته التي كادت تكون آية وجهه التي لا يدنو منها
تمَّنُع ونطق أخيراً بهيبة سبع قضاة:
– تكتبين الشعر إذاً اكتبيني في صفحتين كاملتين وإلا سأسبقك لقصري وستلحقين بي مكبَّلةً بتهمة العبث بي، غداً مع شروق الشمس وإلا سأجعل ساحر القصر يُلحق بكِ لعنة الأسر.
اقتربت مجدداً حتى كاد ياسمينها يلامس عينيه وتلعثمت بكلماتٍ أنثويةٍ خجلة:
-عن أي لعنة تتحدث أيّها الوسيم!
تطلب صفحتين كاملتين من كلماتي التي لن تستطيع أن تملىء سطراً واحداً أمام مراوغتك اللَّذيذة، أنا التي اعتادت طوال فصولها الكتابة بضوابط الكبرياء كيف لي أن أكتبك الآن بصفحتين دون ضابطٍ يمنع ياسميني من الانهمار فوق اسمكَ حالما أكتبه!
أي لعنةٍ تلك التي ستصيبني بها، ألا يلاحظ صاحب القصر بحنكته متى تصاب الساندريلات بلعنة الأمراء!
أدار ظهره يخفي ابتسامته المحتالة، عبث بلحيته حتى كاد القمح يَنبُتُ بستاناً بين أصابعه تنحنح ليعيد اتزانه وعاد للحديث بلهجته الدفاعيَّة:
أنا لا أطلب، تلك هديتي أظن أنني أستحق الهدايا.
ضحكتْ حتى نضجت كل بتلاتها ورداً طازجاً يتلهف القطاف ونطقت بارتباك:
أقسم أنك تستحق الهدايا والورود أيضاً.
وارتفعت فجأةً أعلى شجرتها تتنهد متعبة من تلك المناظرة المنهكة:
– أظن أنني عرفتُ الآن صاحب القطاف.
يا حارس السَّماء! أنزل لعنة النسيان البيضاء عليه وأعدني غصناً رقيقاً أمامه، أمسح من رأسه صوتي الآن.
هطل مطراً دافئاً حلو المذاق كاد أن يغرقه ليصحو على نفسه ويهرول باتجاه قصره ضاحكاً:
ماذا كنتُ أفعل هنا! وقفت كثيراً اتأمل ذاك الغصن اليابس يا لبلاهتي.
همست في سرها مودعةً له:
أو يا للطافتك!

مناز تيناوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع