أمي نرجسيّة

448

تماسي طويسات/


لم أتخيل يوما أنني سأعود وأرآها مره أخرى شريط ذكرياتي يمر أمامي كنت قد نسيت
كل ما حدث سابقا لكن هي الآن على فراش الموت كيف ستذهب من هذه الحياة ونحن لا
نتكلم مع بعضنا البعض؟! هبطت الطائرة وحان وقت المواجهة , المواجهة !! عن ماذا
أتحدث؟! كيف سأواجهها وأنا أرتجف عند رأيتها؟
دخلت ذلك المكان التي كنا نذهب إليه دائما , بدأت أتأمل بالمكان وأتذكر كل
زاوية فيه صحوت من صهوتي على صوت النادل وهو يقول لي تفضلي كيف يمكنني مساعدتك
؟
مسكت المنيو وقلت له : أريد كل صنف موجود فيه من مأكولات ومشروبات .
نظر لي بتعجب وقال لي :
هل أنتي متأكدة أنك تردين كل الأصناف ؟
نظرت له وبدأت أتكلم بصوت خافت نعم , أنا متأكدة .
شعرت أنه ينظر لي وكأنه يرى فتاه مجنونة مضى وقت طويل وأنا أنتظر الطعام
……………………….
ها قد جاء الطعام نظرت إليه وعلى النادل وقلت له أريد حساب الطعام
تفاجأ النادل من طلبي، لكنني لم أترك له أي فرصة ليتكلم، وضعت مبلغا من المال
وخرجت بسرعة، شعرت أنني انتصرت وليت أمي هنا لترى قوتي , نعم قوتي وأنني
أستطيع شراء كل شيء أريده .
أيلول شهر الحب والعطاء هذا ما سمعته من بائع الورد , دعنا نسميه شهر الخيانة
, الاكتئاب , الحزن , الوحدة .
أيلول يا أيلول , ماذا أقول عنك يا أيلول , كيف أقوم بوصف الذي فعلته بي
أشتاق لك تارة، وأكرهك تارة أخرى , تذكرني بقسوهم .
أتذكر يا أيلول عندما كنت أقول له لو أنك تريدني فعل شيء أجعلني أقسم بعينيك
الجميلتين , أحببته حبا لو قمت بتوزيعه على رجال الأرض لكفاهم جميعا .
كيف كان يريد مني أن أكون سندا له وهو لم يكن لي ذلك المنديل الذي أمسح به
دموعي .
أتذكر يا أيلول عندما ألتقيت بك آخر مرة قبل هروبي
أعلم أنك تداعبني
لا, أنا لا أداعبك , أنا أقول الحقيقة.
– لا أصدقك، أنت لا تستطيع النوم بدون سماع صوتي. أضحكتني , صوتك ؟! فعلا
أضحكتني
– نعم صوتي, أتذكر أول لقاء لنا قلت لي أنني سحرتك بصوتي الناعم وشعري الأشقر
الطويل وبريق عيناي
أنت بلهاء.
نعم بلهاء.
نعم أنت قمتي بسحري لكن بمفاتن جسدك , وصوتك الذي ذهب بي إلى عالم الأحلام
قمت بخداعي,نعم خدعتني بكلامك المعسول
لم أخدعك , أنت البلهاء التي قمتي بتصديقي
فعلا أنا بلهاء التي صدقت شخصا أحمق وكاذب مثلك.
= إلى اللقاء يا جميلتي , أريد البحث عن أنثى غيرك , فقد أصابني الملل منك.
أصابه الملل مني يا أيلول , هل علمت الآن لماذا أكرهك؟ أنت تذكرني بذلك
الخائن الكاذب .
بدأت بالضحك بصوت عالي , لم أتمكن من تمالك نفسي ,فشعرت أنني أحتاج للزيارة
دكتور نفسي قبل أن تسوء حالتي , ذهبت عند أقرب دكتور وطلبت مقابلته وبأسرع وقت
وعندما رأى الطبيب حالتي , سمح لي بالدخول , عندما دخلت فقلت له :
هل يمكنك تركي أتحدث وجدي من دون أن تقاطعني , أريد أن أشعر أن هذا المكان
مملكتي
نظر لي وابتسم وقال: نعم تحدثي , إنها مملكتك ومكانك وعالمك وكوكبك لا يوجد
أحد يتجرأ أن يتحدث وأنتي موجودة , ولا أحد يقدر أن يلقي أوامر من دون موافقتك
.
تعلمت الحب والعطاء والضحكة البريئة
حلمت من الطفولة بالراحة والأمان والاستقرار.
أعشق الاستقرار والحياة العائلية
كنت أبحث عن الوجوه البريئة…. لأكمل عالمي
تجذبني الوجوه البريئة
كنت أظن أنها كائنات ستدخل لنفسي السعادة والحب.
كنت أبحث عن أم أحس بجانبها أنني امتلكت العالم
أحب العفوية والصفاء والنقاء الداخلي والخارجي للبشر.
لم أكن أعلم أنّ هنالك شر أو نفوس خبيثة.
اعتقدت أن الوجه الطفولي….والبرآة الخارجية…والكلام الجميل الرائع…
والأناقة ……هي شخصية كاملة.
وهذا ما حلمت به منذ طفولتي…
ولم أكن حينها أعلم …..ما يخبئه لي القدر
وأن كل ما كنت أحلم به كان وهم…و استطاعت… الشخصية النرجسية تمثيل الدور
بإتقان بارع .
الشخصية النرجسية ! عن من تتحدثين ؟
قلت له : هص هص هص كيف تتكلم وأنت في عالمي , أنا فقط من أستطيع التكلم
أعتذر مني , شعرت فعلا أنني في عالمي ومملكتي شعور جميل جدا .
أكملت حديثي قائلة :
لا تنتظر التغير من احد
الحقيقة….إن لا احد يتغير
فلن يصبح الطيب خبيث
ولن يصبح الخبيث طيب
وبالتالي لن ينصلح هذا النرجسي….ليصبح ملاك
ملاك ! لقد ظلما الملاك عندما وضعته مع كلمة نرجسية في نفس السياق.
كانت طيبة اللسان مع الغرباء وسليطة مع أقرباء , لقد جعلت أبي يرحل , يرحل
بعيدا .
قاطعني وأشار لي حتى أسمح له بالحديث , ابتسمت ابتسامة هادئِــــةٌ وسمحت له
بالتكلم فقال:
لماذا لم تقومي بردعها قديما
ضحكت ضحكة طويلة وعالية وعيني تتساقط منها الدموع ولكن هي بالحقيقة تنزف دموعا
, هموما , تنزف كل أحلامي التي لم أتمكن من تحقيقها بسببها
قلت له :
كانت تعير أبي أنها أفضل وأجمل وأنها تستحق الأفضل منه , أبي لم يستطيع ردعها
كيف تريد مني فعل ذلك !
لكن أبي أستطاع إنقاذ نفسه وحياته .
أعلم أنني لست الضحية الوحيدة الموجودة بالعالم , التصرفات النرجسية القذرة
يعاني منها ملايين الضحايا حول العالم من عذاب نفسي وجسدي والعقلي !
ضحايا ! نعم ضحايا أمي كانت أيضا ضحية لكن أنا لا أريد أن أبقى الضحية , إلي
متى سأبقى الضحية متى سأصبح الصياد , القاتل
ماذا أقول ! سأعيد خطأ أمي وأصبح نرجسية أيضا.
لم أشعر بنفسي تائها بفرقات الحياة تائهة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل!
خرجت من مكان مسرعة فسمعت صوت الطبيب ينادي رولا رولا فألتفت إليه ووضع يده
على جبيني فقلت له :
الآن ليس وقت العتاب أريد مقابلة حبيبي لن أجد أحدا يفهمني غيره.
قال لي : ووالدتك ؟؟
نضرت له مبتسمة : أمي لو كانت تحبني , لما فعلت كل هذا بي
وتركته وذهبت.
حاولت إيقاف سيارة أجرة لكنني لم أجد فبدأت بالجري ولم أشعر بشيء حولي إلا
عندما سمعت صوتا لا يمكنني نسيانه أبدا , ألتفت حولي ونظرت إليه وهو يقف على
رصيف، ويتحدث بالهاتف ركضت إليه مثل طفلة الصغيرة وأحتضنته لكنه قام بإبعادي
عنه , فقال لي :
– من أنت ؟
– أنا من سرقت قلبها قبل عشرون عاما
– أنا لا أتذكر ملامح زوجتي التي توفيت قبل عامين عشرين عاما!
لم أعد أشعر بشيء أبدا , تركته وذهبت ووجدت أقرب شجرة حتى أجلس تحتها حتى
أبتعد عن الناس و أرتاح قليلا لكن عقلي وقلبي لم يتركوني أشعر بالراحة أبدا،
وبدأت الصراعات بينهم
أصمت ستدمرنا , وتذهب بنا ألى التهلكة
لماذا أنا أحبه؟!
لكنه لا يحبك أيها الأحمق
أحمق ؟؟؟
نعم أحمق , أنه أحب سذاجتك وحماقتك وطيبتك لكنه لم يحبك أنت , حان وقت أن تصمت
وأتحدث أنا ….
ذهبت مسرعة إلى المستشفى لأرى أمي , لم يمض إلا دقائق وكنت بالمستشفى أبحث عن
رقم غرفة , ها قد وصلت أخيرا , ها قد حان وقت إلقاء وانتهاء الفراق , لكنني
أسمع صوت بكاء شديد .
توقف قلبي عن النبض عندما قمت بتميز الصوت , نعم أنه صوت خالتي , لماذا تبكي ؟
هل حصل شيء لأمي ؟ هل تأخر الوقت , هل سيبقى الفراق إلي ابدا ولن يأت اللقاء؟!
عندما تمالكت نفسي وتشجعت لدخول الغرفة رأيت مجموعة من الممرضات يخرجون ومعهم
جثة مغطية بغطاء أبيض .
لا أصدق ماذا يحدث هل ذهبت من دون أن أراها ؟ أشعر أنه عقاب من الله لانني
دائما أتخذ القرارات بأسلوب عاطفي .
كيف سأعيش بعد هذا اليوم لقد فقدت أمي إلى الأبد….

تعليق 1
  1. avatar
    Ashraf Qatami يقول

    ما شاء الله عليكي عنجد اشي خرافي استمري الله يوفقك ❤️

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع