الوسطية شعار جذب .. و تناقضات واقع

262

الأستاذة : فضيلة عبدالكريم / كاتبة من الجزائر

التطرف الفكري لا كما يفهمه البعض بأنه تعصب فكري و فقط بل التطرف كذلك في تمييع الفكرة بحجة الوسطية الهلامية كلاهما رذيلة فكرية ، و بنفس الآلية يمكننا الحديث عن الاعتدال الذي يضعه البعض شعار جذب ، و منه فوضع خريطة طريق لسياسة ما وفق مفهوم الوسطية هي مبادرة هواياتية لها من فن الجذب في أوساط إجتماعية لا زالت غير مهتمة بالحديث عن شروحات تخص المعاني التي تحملها هذه المصطلحات ، و عليه فهذا المفهوم يمكن أن نأخذه بالمعنى اللغوي التداولي و هو حالة الاعتدال بعيدا عن الدغمائية على مستوى التفكير و هو فضيلة بين رذيلتين و في واقع الحياة العامة هي محاولة للابتعاد عن الشبهات في ظل التطرف الذي ساد اليوميات التي يعيشها المواطن القطري و الكوني .
1 – و لكن هل ترديد المفهوم و تصحيح الفكرة يقف على الهدف الفعلي كمعايشة فاعلة للمفهوم ؟
2 – أم هناك قطيعة بين التفكير و الممارسة الحقيقية لمصطلح الوسطية و ما يقابها من مفردات سياقية ؟
إذا كانت ثقافة الوسطية تشكل مطلبا أساسيا لخروج المجتمع من حالة التطرف السائدة ، و التي دفع ثمنها الواقع في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية ثمنا باهضا ، فإن العقل لم يكاد يخرج من الهيمنة الإستعمارية و يتعافى من وضعه حتى دخل في حالة التشرذم الفكري و الاستقطاب و الخصومات التي كانت أرضيتها الإثنية و الأخطر أن تجدها في التوجه الواحد فيرى الواحد نفسه المنقذ و المخلص و غيره سراب الأمر الذي انعكس على المجتمع بمتابعة و اتباع هذه النماذج التي خلقت تطرفا رهيبا في مجتمع هش فكريا و ثقافيا ، و مع الوقت باتت حالة الوعي تتنامي خاصة مع الانفتاح على المجتمعات و توسع وسائل التواصل الإجتماعي ، مما جعل الوعي المتنامي يعزل هذه الفئات المتنازعة على تصدير المشهد بهذا الخطاب الذي غالبا ما نجده يقع في متناقضات بين الخطاب و السلوك الفعلي لهذا الخطاب .
و بناء على هذه الحالة الهلامية و التي قد تذهب ببعض الأفعال إلى تجسيد التطرف في التجاوز على مايجب أن يكون في المواقف التي يكون فيها التطرف و ذلك بالتخلي أو الهروب من إحراج الموقف ، و كأن للوسطية الدور المنقذ رغم التناقضات التي تتجسد و تؤكد بأن فكرة المشروع لاوجود لها إلا بالمخيلة التي تحمل بريقا يصلح لإدارة اللحظة و تنتهي صلاحيته مباشرة بمتغيرات دالة الحياة . و منه تبرز العديد من المصطلاحات التي تم اعتمادها و توظيفها مثل النهضة و الإصلاح و التجديد … ساهمت في رسم مسارات الخيبة للأحلام بحكم أنها أسست على معطيات لم تنسجم مع الذي يفكر و الذي يبحث عن وجود خارج سياقات الأحداث التي تفرض مسارها على مشاريع الفكرة الوسطية .
هذه المنطقة الهلامية القابلة للأخذ بها من كل الزوايا تعتبر مخرجا لدى منتسبيها ، أضف إلى ذلك يعتبر الاعتدال فكرة قديمة لدي الغرب من الحضارة اليونانية القديمة إلى الراهن و تطوراته الفكرية ، لذلك فعلى من يستعملها كمشروع إجتماعي أو سياسي عليه أن يدرك جيدا مخرجات هذا اللفظ و مدى الإلتزام التاريخي و الأخلاقي إتجاه التعابير اللغوية كمسؤولية يحاسب عليها الإنسان أمام ذاته و أمام الآخر لتجنب مأزق الفهم و التأويل أو التناقض مع التصور الذي نحمله عن تلك المفردة .
و منه قد يكون الجهل بالتوظيف سبيل لتجاذبات في التأويل مما ينجر عنه تجاذبات في النص و هذا هو المأزق الحقيقي الذي تقع فيه هذه الأصناف من الفئات التي لا ترسم الأهداف و تفتح الفكرة على الغموض و الهلامية الفكرية .
و لذلك فالوسطية هي حال الأمة التي تصل إليها نتيجة ماتقوم به من مهام حقيقية تجسد معنى الآية الكريمة و ليست مشروعا قابل للتلون حسب هذا التوجه أو ذاك ، و كل توجه مغلق يرى في ذاته الأولوية الشاملة دون غيره
أكد الباحث السوري الدكتور عبد الرحمن حللي وكيل كلية الشريعة بجامعة حلب للشؤون العلمية في حواره لموقع (مدارك) أنه “لا يوجد أي صلة بين استعمال (الوسطية) كمفهوم في العصر الحديث وبين وصف الأمة في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)”، كما اعتبر “الوسطية كمفهوم قرآني هي وصف لحال وليست موقفاً يتبنى أو مشروعاً يتأسس”، وبالتالي فوسطية الأمة نتيجة فعل لا مشروع عمل.
ورأى حللي أن الوسطية تحمل معنى الاعتدال من منظور من ينتسب إليها، لكن هذا التوظيف المعاصر والتباري في الانتماء للوسطية وتنازع تمثيلها يجعل المفهوم إشكاليًّا، مشيرا إلى أن سوء السمعة للوسطية يرجع إلى طبيعة الاستعمال غير المنضبط وكثرة ادعاء الوصل به والانتماء إليه.. كما شبه حللي الوسطية وسط التنازع المصطلحي عليها أنها كالثوب الفضفاض يخيطه كلٌّ على مقاسه. هذا الكلام جاء في مقدمة حوار لــ وحيد تاجا بموقع الملتقى الفكري للإبداع .
لذلك تعد سلطة مصطلح الوسطية الذي تضعه التنظيمات السياسية الدينية و القومية مجرّد نسق للهروب من واقع تعيشه فتستبدله بواقع يعتمد على الموقف الذي ينتصر ذهنيا و يحصد الخيبات في تجسيد الموقف .
أ / فضيلة عبدالكريم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات