مُجدداً في محراب اللغة
( كردياً – عربياً! )
حسن خالد
بينَ الفينةِ والفينة تتصدر المشهد إشكالية “الكتابة باللغة العربية” من شخصيات كردية، لتتحول لمادة ربما تؤذي أحيانا، جرّاء المواقف والاتهامات وخلق حالة تشطير بين أنصار كل رؤية إلى فريقين تخلق توترات لا داعي لها ويمكن تفهمها والإلتقاء في المنتصف.
منطلقا من قاعدة الحقيقة ملك الجميع، ولا أحد يمتلكها بمفرده وأن الرأي يختلف عن حقيقة؟! والناس تتعامل مع اللغة ومن خلالها “أيّة لغة” بمنظارين أو من خلال مقاربتين مختلفتين..
*المنظار السياسي: كمقوم من المقومات “القومية” لشعب ما، ولها انصارها هم عادة الذين يرون أن اللغة “القومية” ركيزة لتلك القومية فلا ينبغي الكتابة والتعامل إلا بها..
* منظار ما فوق سياسي أو لنقل البعد الأدبي: ويرى أنصارها أن اللغة “أيّة لغة” أداة تواصل بين الناس في المقام الأول.
وأن “الترجمة” يمكن أن تعوّض الجانب الآخر ويتحول النتاج تاليا إلى قرّاء ومحبي اللغة الكردية!
ولكي نتخلص من المناكفات بين انصار المقاربتين، ينبغي أن نعي أن الإبداع و”العملية الإبداعية” بالمجل، لا تتوقف على إتقان لغة محددة فالكثير من الكتّاب- بمن فيهم كتاب النخبة الكرد – أبدعوا في كتاباتهم، ولم يكتبوا بلغتهم إنما تمّ اللجوء إلى آلية الترجمة إلى لغته الأم ليستفيد منها الكرد ويقتنوها
إن سمحت ظروفهم…
فمن وجد نفسه أكثر ميلا بالكتابة بلغة يتقنها فلما لا يكتب بها؟
تجد من سيكتب باللغة الفرنسية أو الفارسية أو الانگليزية، هل سيقابل بهذا الجفاء و”الإزدراء”؟
القضية نفسية في المقام الأول، كموقف من العرب/السلطات العربية تجاه عدالة قضية الكرد القومية
ثم إن قرّاء اللغة الكردية – لنكن صريحين – قليلون جدا، ولن نخوض في أسباب ضعف اتقان الكرد للغتهم فهذا أمرٌ يطول شرحه وأظنها واضحة في جزئية كبيرة منها؟
وعملية القراءة تُكّمل العملية الكتابية، فعندما تكتب وتنشر باللغة الكردية، ولا تجد تفاعلا لما كُتب ونشر، من القرّاء الكرد، وتناول النتاج بدراسات نقدية تقيّمية لبيان مكامن القوة والضعف، وبها تكتمل النتاجات الكتابية وبخاصة الأدبية، إلا بمقدار عدد أصابع اليد؟
فمن الطبيعي، أن تجد أو تبحث “ككاتب” عن ألية اخرى للتغلب على هذه الإشكالية، باللجوء إلى لغة تتقنها ويتقنها قرّاء الكتابات التي يتم نشرها، وتجدها أكثر تفاعلا بين الكاتب والقارئ، فلا أعتقد أن هناك “الكتابة من أجل الكتابة”…
وإن كان مطلوبا تعلم “اللغة الأم” وهو حقٌ يكفله “القانون” كمقوم من مقومات كرديتنا، وفي “العقد الثاني” من القرن 21 قفزت بدأت اللغة الكردية تفرض نفسها وتشق طريقها نحو العلن ويقبل عليها محبوها وتتوفر وسائل وأدواة ذاتية التعليم، لأن اللغة المحكية يسهُل تعليمها كتابة وقراءة في عصر التدفق الرقمي والمعلوماتي والتعليم عن بعد ولها محبون متطوعون ومتوفرون في “القارة الزرقاء “
لكن جعلها فيصلا من عدمها في الإنتماء فلسنا نعيش في “عصر محاكم التفتيش لتوزيع صكوك الغفران “
وحركة الترجمة حاليا يمكنها سدّ هذه الفجوة، “فالمتمكن من اللغة الكردية” وينتقد الكتابات والنتاجات غير الكردية من كتّاب كرد، يستطيع – إن أمكنه ذلك – ترجمة أعمال ونتاجات “الكردي الذي يكتب باللغة العربية ” أو غيرها، سواءا كان من الناقدين للظاهرة أم رغب في إغناء جانب ما، من المكتبة الكردية فربما تجد “أمهات الكتب” لم تكتب ب “اللغة الأم” وتمت ترجمتها لاحقا، ثم إنَّ “ظاهرة الكردولوجيا” كانت – ولم يزل- حقلا ثريا عن كل الجوانب الحياتية لدى الشعب الكردستاني، وهي التي ساهمت في نقل التاريخ والأدب والعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بتفاصيل حياة المجتمع الكردي إلينا؟ فما هو موقف أنصار “المقاربة السياسية” من “ظاهرة الكردولوجيا” التي ساهمت في نقل التاريخ والأدب والعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بتفاصيل حياة المجتمع الكردي وحفظه من الضياع والاندثار؟!!
وما موقفهم من كتّاب نخبويون متمكنون في أكثر من لغة، بما فيهم لغتهم الكردية “الأم” ولهم نتاجات “أدبية، ثقافية، سياسية تاريخية…” فيها متعلقة بالواقع الكردي؟
وفي عصر “الثورة الرقمية والتدفق المعلوماتي” باتت الترجمة حلاً لكل عمل أو كتابة نرى أنها تستحق الترجمة إلى لغة ما، مع الأخذ بعين الاعتبار شروط الترجمة ومواصفات المترجم!
إن سيادة الرأي أدناه من انصار:
/كل كتابة عن الواقع الكردي لا يُكتب باللغة الكردية لا تساوي قيمة الحبر الذي كتب به/ تخلق مائة إشارة؟؟؟
نافلة القول: اللغة الكردية/ تحديدا بين كرد سوريا، متأخرة عن استيعاب واحتواء الأدب والتاريخ الكردي، لأسباب موضوعية أكثر من الأسباب الذاتية، ونتحمل الجزء الذي يخصنا من الاسباب وكل الأمل في “الجيل الجديد” الذي فتحت الظروف له آفاقا وفرصا أكثر دون نكران جهود “الجيل السابق” الذي عانى ودفع فاتورة كل حرفٍ تعلمه من لغته الأم جهدا وضغطا…
لأنه وبقناعتي – والقناعة ليست قداسة – كل ما “كُتب سابقا ويُكتب الآن وسيُكتب لاحقا” عن الواقع الكردي، عن الألم الكردي وعن الأمل الكردي، وبأي لغة كانت، هو ثروة للمكتبة الكردية “الناشئة”…