مدن لا تبرح الذاكرة !
نورة سعدي
خذيني إليك أيتها المدن البعيدة النائية
امنحيني تأشيرة سفر
وافتحي لي أحضانك الدافئة الحنون
اضربي لي موعدا مع تحف المعمار
على مشارف أحيائك الراقية
وشوارعك الأنيقة النضيدة
النابضة بالحياة المزدحمة بالمارة
والوجوه الوافدة من كل بلاد الدنيا
خذيني الى متاحفك ومسارحك
وقصورك وحدائقك الغناء
ومواقعك الاثرية،ومحلاتك الفاخرة
ومطاعمك ذوات النجوم
احمليني على بساط الشوق
إلى قراك الوديعة المتشحة بألوان الطّيف
المرصعة بالنرجس البريّ والأقحوان
المعبدة بالعشب السندسي
خذيني إليك
ودعيني أتملى ألق صباحاتك
أتشرب سحر الغروب
على أرصفة موانئك الزرق
حيث تحط
النوارس البيض وتطير بعيدا
وترسوقوارب الصيد
وتبحرمراكب النزهة الشراعية
على هدهدة الموج وضحكات
من امتطوا متنها للراحة والاستجمام
خذيني إليك أيتها المدائن الحالية بعقود الياسمين
وأكاليل الزهر
المدن التي ترتدي لكل فصل حلّة
ولكل موسم تقليعة
خذيني وانشريني في ساحاتك الرحبة
ملتقى الرسام وعازف القيثار
والمهرج وبائع باقات الورد
وعصافيرالزينة
المدن التي تتجدد بين حين وأخرو
ان هي إلا متاحف في الهواء الطلق
فأينما تلفت أسرك مشهد
وأخذت لوحة بمجامع قلبك
لوحة تجلت فيها عجائب صنع الله
وعبقرية فكرويد الانسان
وحتى إن مرّت عليها أصابع الزمن
ظلت شامخة مهيبة
خذيني إليك وإن تأجل اللقاء
فتجلي في أحلامي كأبهى ما يكون التجلي
فأنا لو تعلمين
أعشق المدن التي تتبرّج، تتأنق ،تتعطر
،تبدي زينتها لسكانها ومحبيها
المدن التي تتقن فنون الإغراء
تراود زوارها عن أنفسهم
وتستدرجهم من النظرة الأولى
إلى التلبس بالشوق والحنين الأبدي إليها!
نورة سعدي