قطار الحياة مهلاً

قطار الحياة مهلاً
سناء جديدي

 

هذه الحياة عبارة عن رحلة كثيرة المحطات، في كل رحلة يتوقف بنا قطار الحياة لينزل أحد الركاب وأنت تراقب نزوله وابتعاده شيئا فشيئا فتشعر بضيق شديد لأنك فقدت شيئاً ثميناً، في بادئ الأمر نعتقد أننا فقدنا شخصاً في حين أننا برحيلهم فقدنا أنفسنا.
في كل شخص بلغ محطته فقدنا شيئاً منا حتى نبلغ محطتنا الأخيرة.
وأنا أغادر ساحة المدرسة وألوح بيدي مودعةً معلمي وأصدقائي فقدت شيئاً من براءة الصغار, تركت روح اللهو واللعب هناك وأصبحت من دونهم مجبرةً على أن أتصرف مثل الكبار رغم أن روحي تأبى أن تكبر.
أفلت اليد الأولى التي أمسكتني ووجهتني نحو طريق العلم والمعرفة، ترك فينا أثراً لن يمحوه الزمان مهما طال ومانحن اليوم إلا انعكاس له فاكتسبنا من الأخلاق أجملها وتعلمنا كيف يكون الإنسان مخلصاً في عمله ومتقناً له.
طريق الحياة مهلا..
أصوات عقارب الساعة باتت تخنقني..
بفوات الأوان تنبؤني..
كطالع شؤم أضحت..
حقا إن الزمن لا يرحم ..
هلا توقفتِ يا ساعة ولو ساعة؟
واصلت الرحلة وأنا لا أكف عن التلويح بيدي مودعةً شخصاً آخر كان سبباً في تكوين شخصيتي ونحت كياني.
وفي طريقي الطويل بلغت محطتك وأسقطك من حياتي بجميع تناقضاتك، فخسرت شيئاً مني، ليس شرطاً أن يكون جميلاً ما خسرناه لذلك كنت على ثقة بأن هذه المحطة هي الأهم وكل شخص منا سيمر من هنا فتفتح بصيرته على الكثير من الحقائق التي كان يجهلها وهو في بداية رحلة الحياة الوردية وبذلك سنبلغ مرحلة يمكن أن نسميها مرحلة ” السلام” وفيها ستعتاد كل شيء، سيبدو كل شيء عادياً بالنسبة لك ،لن يزعجك الغياب ولن يفرحك الحضور، لن يحبطك الفشل. ستدمن الصمت، لن تكلف نفسك عناء السؤال ولا التبرير، ستصبح أكثر اهتماماً بنفسك، سيتساقط الأصدقاء شيئاً فشيئاً، لن تبقى حياتك مزدحمة مثل السابق لا بالأشخاص ولا بالأحداث.

سناء جديدي
مؤلفة و كاتبة صحفية تونسية
أمينة سر الاتحاد العالمي للمثقفين العرب عضوة مجلس الإدارة

سناء جديديقطار الحياة مهلاً
Comments (0)
Add Comment