قراءة في رواية “حرائق قلب ” للكاتب و الإعلامي محمد بن زيان
بوخلاط نادية
متحدثا بصيغة الراوي يطالعنا الصحفي و الكاتب محمد بن زيان في روايته “حرائق قلب” الصادرة مؤخرا عن تمزق عميق في الذات و بشحنة من الغيض و الغضب و لكن بنزعة فلسفية عميقة و بأسلوب سلس و سهل ممتنع ليخاطب فيه جمهورا عريضا من القراء ، بروح صابرة متجلدة جبلت على الخيبات المتلاحقة يجابه و يقارع كمحارب متحديا طواحين العبث التي ينصبها القدر امامه في مجارات دونكيشوتية و حرب ضروس
يستنجد الكاتب محمد بن زيان في سرديته التي تحمل ثنائية الألم و اللذة بالتراث مستحضرا مسارات الشابة الجنية ، الشيخة الريميتي ، الزهوانية و تحضر وهران بماضيها و شوارعها و احياءها في صور لأشهر مقاهيها ، لحي السكاليرا، سيدي الهواري ، و بعض من حاناتها و كذا مراسمها بكل تلك التفاصيل الجميلة معانقا ذاكرة مدينة لطالما ألهمت الشعراء و اهل الفن ، وهران يرسم لها صورة التمرد و التفرد بتلك الاحترافية و الحبكة الروائية الجميلة التي اعتدنا عليها في كتابات محمد بن زيان
تحضر الفلسفة و النسق الصوفي بقوة و حرائق مستعرة من قلب سئم الفواجع و المواجع ، قلب يعاني الظمأ و القحط ، يبحث صاحبه عن ترياق يخفف وطأة الألم ، قلب يرنو الى حبيب يحتويه و صدر حنون يلملم شضايا تلك الحرائق المستعرة في جوفه
يعزف الكاتب سيمفونية الألم كأنها منبعثة من ناي حزين عميق و متجدر في أعماق الأعماق ، رواية حرائق قلب هي نشيج انساني و صوت مخنوق يتحدى الظلم و سوء الطالع و مع ذلك يأبى ان ينحني او ينكسر .
من جهة اللغة رغم كون الأسلوب سلس و يصل للمتلقي لكنه يتسامى و يترفع عن الابتذال و الركاكة ، تحضر فيه الكلمات العامية بشكل ملحوظ في مقاطع متكررة بتلك اللذة ربما تأكيدا و اصرار على ايصال الرسالة للمتلقي ، فنجد كلمة ” كي ندير أنا” تتكرر في أكثر من صفحة و في اكثر من سطر ، الى جانب مقاطع من اغنيه “الشيخة الريميتي” أيقونة التمرد و سيدة المقام الفني التي ثارت على القيود المجتمعية و ألهمت اجيال و كذا الشيخة الجنية التي ظلت تبكي حبيبا اختطفه الموت في اغانيها و ترثيه بكلمات الشجن و الألم فصارت لسان لكل العشاق وسفيرة الغرام .
يبرز محمد بن زيان تراث وهران و معالمها و يصل ماضيها بحاضرها الذي غيبته الفوضى و بدت كامرأة طمست المساحيق جمالها و شوهت دواخلها ، فوهران الحب و السخاء و البساطة لم تعد موجودة ، انها ترتدي ثوبا غير ثوبها في زمن المسخ و الفسخ .
تتزاحم الصور في رواية ” حرائق قلب” في بنية سيميائية جميلة و معاني قوية تسافر بالقارئ إلى أزمنة و فصول متلاحقة ، ماض و حاضر و مستقبل في لعبة كر و فر ، بين رغبة ، شوق و تبرم من واقع مزري ، من مظالم متعددة الأوجه ، شخوص مستترة تلبس أقنعة الغدر تارة و تتظاهر بالود بين الفينة و الأخرى .
يبرز التحول في تموجات بين الأمل و الألم ، و يسرد الكاتب معاناته ، و تتعرى مشاعر اليأس و الوحدة ، و جدران ليالي شتوية باردة يعيشها الكاتب فيسردها بكل تلك التفاصيل المؤلمة من أعماق آهات عميقة .
في رواية حرائق قلب نستشف و نلمس روح الكاتب و روحه المصلوبة على خشبة الألم العميق ، يتسامى كالمسيح في صبره متجلدا و متمسكا بالأمل و الثقة بالخالق ، واثقا من مستقبل افصل رغم ان القدر لم يكن منصفا له .
يحاول الكاتب محمد بن زيان أن ينفلت بكل ذكاء من جبة القدر الظالم و أن يصمد في وجه أمواجه العاتية كمقاوم فذ يتصدى للمتربصين من حوله .
الرواية المشحونة و المحملة بذلك الايمان العميق بالخ
للشطحات الصوفية و الموروث الديني و التسليم لمشيئته الخالق و التي تبرز الموروث الديني الغزير للكاتب و تفصح عن شخصيته كونه سليل اسرة فقه و تقى كونه ينحدر من نسل شيخ الزاوية “سيدي عبد الباقي بن زيان الشعاعي ” من نسل الاشراف الكرام سليل سبط النبي محمد ابن عبد الله اهل الزهد و الطهر و العلم .
“حرائق قلب ” رواية ممتعة تسافر بالمخيال الغزير للكاتب الى مراسي أمل و محطات في حياة الإنسان و بنظرة فلسفية للحياة تبرز عصارة تجارب القارئ الحياتية رغم الخيبات التي تترواح بين كبوة و صحوة و صمود و استسلام يتوق فيها الكاتب إلى من يطفأ لهيب حرائقه المستعرة شوقا ، أملا و لوعة و بنظرة عميقة برع في وصف تلك الحالات المتعددة مازجا بين أناه و أناة المتلقي و “الهو” و الآخر .
بوخلاط نادية