في رحيلك

في رحيلك
سناء جديدي

 

في عيدنا الأول من دونك بدا كل شيء باهتاً، كل ركن من البيت القديم يخلد حدثاً وذكرى ومشاعر مميزة.
كنا ننتظر العيد لنمضي ليلةً في بيت جدي، وهي إحدى عاداتنا المقدسة التي لا يمكن أن نتخلى عنها في ذلك الوقت وربما تتلخص متعة العيد حينها في تلك الزيارة التي لا تتاح لنا إلا في المناسبات.
نحمل ألعابنا و نتوجه إلى هناك سيراً على الأقدام قبل أن يغير أبي رأيه ويمنعنا من الذهاب لأحد الأسباب التي يختلقها في كل مرة.
كانت قد سبقتنا بقية العائلة إلى هناك، رغم صغر مساحة البيت إلا أنه احتضن الجميع.
ازددت يقينا حينها أن هذا البيت هو ما يجمعنا وأيام العيد هي الفرصة الوحيدة القادرة على لم شملنا أمام مشاغل الحياة التي خلقت منا أناساً غرباء، الكل يركض وراء شيء ما، ربما تأسيس بيت أو اكتساب ثروة أو الحصول على منصب جيد دون أن يترك لنفسه فرصةً لأن يعيش.
لم نهب أنفسنا الفرصة في إمضاء بعض الوقت ونحن أحرار، نتجرد من جميع المسؤوليات و الالتزامات دون أن نأبه لعقارب الساعة التي تدور وتصدر صوتاً مزعجاً يخبرنا بأن الوقت يمضي دون فعل أي شيء، لا تهتم إن كان البيت غير منظم واستقبل زائرك بوجه منشرح ولا تبدي استياءك من زيارته، ستفرحه ابتسامتك العريضة أكثر من أي شيء.
جرب أن تعيش بعض لحظات حياتك بلا قيود، كن عفوياً لبعض الوقت فالوقت يمضي ونحن نسجن أنفسنا كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه طمعاً في المجد والمجد الحقيقي هو أن تضفي معنى لما تعيشه وأن تحسه وتتذوقه.
كنت على ثقة بأننا سنفترق برحيل جدي ولن يكون الفراق هذه المرة وقتياً ينتهي بقدوم العيد ولا مكانياً بل سيكون شعورياً.
هُجر البيت القديم، وبنت فيه العناكب بيوتها وعمرت هناك، ماتت شجرة التين بعد أشهر من رحيله لأنها لم تجد من يتعهدها بالعناية، وسكنت الوحوش البئر التي سقتنا الماء.
أصبح المكان مخيفاً جداً وأضحت القلوب أكثر قسوة وتنكراً لذلك الزمن الجميل.

سناء جديدي
مؤلفة و كاتبة صحفية تونسية
مديرة مكتب الاتحاد العالمي للمثقفين العرب في تونس

 

سناء جديديفي رحيلك
Comments (0)
Add Comment