بقلم : كريم عبدالله .. بغداد – العراق .. 14/4/2019
اللغة هي الجناح الذي به يحلّق الشاعر بعيداوتتشكّل القصيدة حيّة نتلمس عطرها وتلاحقنا صورها بدهشتها وعمقها وفضاء تأويلهاوالاستئناس بلذّتها الحسيّة والجمالية تملأ ارواحنا بالجمال واللذة , اللغة هيالشجرة الوارفة التي تحتها نستظلّ فيئها وتأخذنا الى عوالم بعيدة تنتشلنا من كلّهذا الضجيج الذي عمّ الافق وسدّ منافذه وانتابنا خمول في الذاكرة ونقطف ثمارهاناضجة لذيذة . اللغة هي اليقظة والنشوة والدفء والضوء الذي ينبعث من اعماق الذاتتسحبنا من نومنا العميق تستفزّ خمولنا . على الشاعر الحقيقي ان يمتلك لغة خاصة بهيحنو عليها ويشذّبها ويعمل عليها كالمونتير الذكي يقطع المشاهد التي تجعل القصيدةمترهّلة ويضيف اليها ما يوهّجها اكثر ويفتح للمتلقى أفقاً شاسعا للتاويل , يغامرالشاعر بلغته ويرتفع عن لغة الواقع كونها لا تمتلك عنصر المفاجأة والغواية يجعلمنها قطعة مشحونة تستفزّ الخيال وتمارس الانزياح الشديد حيث نهرب اليها من نهارناالمكسو بالتشتت والضياع والحيرة نتيجة ما يكتب اليوم باسم قصيدة النثر وهي براءةمن هذه التهمة .
وبعد ان حققت قصيدة النثر هذه المصالحة معالذائقة العربية بالخصوص وكسرت حاجز النفور بينها وبين القصيدة العمودية ومنحتنافسحة تنفّسنا من خلالها هواء جديدا صار لزاما للشاعر ان يمتلك لغة يشكّلهاويدمّرها كيف يشاء , لغة تفقد الحدود وتتفتّح عن عوالم تنبعث مما وراء الحلم تمتلكحضورا قويّا تلهبنا بسحرها وجماليتها . واليوم تظهر اللغة السردية التعبيرية منحتالنصّ امكانيات كبيرة , لان السرد يتطلب وبشكل ملحّ لغة عذبة سلسلة تترقرقكالينبوع تحلّق عاليا مدهشة مبهرة تنفذ الى اعماق النفس والوجدان عند كل قارىء .
وهنا نتساءل ما هي السردية التعبيرية ..؟
(مظاهر السرد التعبيري والذي يكون القصد منه ليس فقط الحكاية و الوصف و بناء الحدث ، و انما القصد الايحاءو نقل الاحساس ، و تعمد الابهار ، فيكون تجلّ لعوالم الشعور الاحساس بمعنى اخر (ان الميزة الأهم للشعر السردي الذي يميزه عن النثر وان كان شعريا هو التعبيرية فيالسرد ، فبينما في النثر السردي يكون السرد لأجل السرد ، فانه في الشعر السردييكون موظفا لأجل تعظيم طاقات اللغة التعبيرية. ) ( انور الموسوي ) .
عنطريق السردية التعبيرية اصبح بامكان الشاعر ان يرسم لنا عالم يعجّ بالجمال وتراكمجمالي مدهش , وتحقق لنا ادبا رفيعا وبنكهة عالمية حيث تتوهّج فيه اللغة وعمق نفوذيالى الذات الانسانية وموسيقى داخلية عذبة جدا .
نماذج من قصائده السردية التعبيرية
ان الملاحظ لدى الشاعر من خلال متابعتنا اليومية والمستمرة لكتاباته انهاتمتاز بالتكثيف الشديد والايجاز والتوهّج , وان اغلب قصائده جاءت على شكل مقطوعاتصغيرة كأنها غيمة حبلى بالامطار الغزيرة تلقي حملها وتذهب بعيدا وتترك المتلقييعيش تحت ظلالها متنعما منتعشا متلذذا بما تبعثه في نفسه . فمثلا نجد الرساليةالاجتماعية / البوح التوصيلي / حاضرة في قصيدته / لغة الأمل / والذي نقصدبه التوصيلية الامينة والمخلصة المحمّلة برسالة واضحة بغية الخلاص , كما في هذاالمقطع ../ .. مملوءقلبي بالألحان، تسكن سلم اضطرابي لوعة، أدونها مجلوة بالدمع، تتساقط من ألميأغنية، ترددها الحناجر ../ . فنجد هنا اللغة العذبة تتجلّى من خلال هذا التضاد اللغوي في الفقراتالنصيّة او بين المفردات , والتي كشفت لنا عن حركة تموج بها المعاني في داخلالنسيج الشعري , فنجد بان هذه الحركة حركة دائبة ومستمرة ما بين عناصر متضادة , اوصراح حركي ما بين مواقف او حالات مختلفة داخل نفس النصّ , فنحن نحسّ بحجم اللوعةوالألم في المقطع السابق الان اننا في هذا المقطع نحسّ حالة الانفراج كما في هذاالمقطع ../ مملوءقلبي بالألحان، تسكن سلم اضطرابي لوعة، أدونها مجلوة بالدمع، تتساقط من ألميأغنية، ترددها الحناجر ../ . وفي نصّ / ابناء الأرض / نجد اللغة العذبة متمثّلة باللغةالمتموّجة التي تتناوب ما بين فقرات وتراكيب توصيلية واخرى انزياحية , كما في هذاالمقطع ../ هكذانحن أبناء الأرض، نزرع الزيتون، نلوح بالغصن الأخضر إيماءة زهو في درب الشمس، نلمسأحلامنا، تتفتح أملا، نتنفسها مع الفجر حياة ../ .. فبعدان افتتح الشاعر قصيدته بهذه المقاطع التوصيلية لخبرنا عن انفسهم ومهنتهم , نجدهيمارس لعبة الانزياح اللغوي في هذه المقاطع الجميلة حين نجدهم يتلمسون أحلامهمالتي تتفتح على شكل آمالا يتنفسونها مع كل اشراقة فجر حياة زاهية . ومن الملاحظايضا هنا وفي هذا المقطع قد اختزل ضمير الجماعة وعبّر عن رؤيتها من خلال موقفهورؤيته . اما في نصّ / لطافة الريح / متمثّلة باللغة التجريدية حيث تتخلىالمفردات عن وظيفة نقل المعنى وتسعى الى نقل الاحساس المصاحب له كمركز للتعبير ,فنجد هنا المشاعر والاحاسيس أكثر مما نرى المعني , كما في هذا المقطع ../ .. لطافة الريح غضبها وأنت قوي، هل كلمت الريح يوما؟ جرب صوت هزيزها،ستنشدك الفراغات أنينا، لتعرف تفعيلات الغضب .. / ..فاللغة هنا مهمتها نقل الاحاسيس والمشاعر وليس الحكاية . فنجد هنا العنصر الخياليوالمقدرة على تصوير الاشياء تصويرا مجسّما وكأننا نتلمس هذه الصور وظلالها الرائعة, فالمفردات مشحونة بشحنات حسّية بعثت فيها كل هذه الطاقة والجمالية . أما في نصّ /النهر بريء / نجد اللغة الجميلة والعذبةمتمثّلة من خلال هذا التوافق النثروشعري , حيث اللغة تتمازج ما بين القرب والتوصيلوبين الرمز والايحياء وبين التجلّي والتعبير , اي بما يسمى وقعنة الخيال , اياظهار الخيال بلباس واقعي مما يعطي للنصّ عذوبة أكثر وقربا وألفة ويزيل عنه حالةالجفاء او الجفاف والاغتراب بفعل الرمزية والايحياء , وكما في هذا المقطع ../ الخيبات درس، كتبهُ الزمن على سبورة الأيام، الرقم السادسللأشهر حزيران، تشرين الأول رقم عاشر، عالم الأرقام دنيا متناقضة، الصفر حدٌّ فاصلبين السلبي والايجابي ../ .. فهذا النصّ يتحلّى بين الوضوح والعمق والسموّ , فالشاعر أراد ان يعبّرعن معنى معين بلفظ اخر مستخدما التشبيه , فألفاظه هنا مهذّبة مصقولة مشحونةبالمشاعر والاحاسيس . اما في نصّ / النهر يردد / نجد الرمزية التعبيريةواضحة , بحيث ينطلق كل شيء في النصّ من داخل المؤلف وبواطنه وتصوراته فمثلا ../الخيبات درس، كتبهُ الزمنعلى سبورة الأيام، الرقم السادس للأشهر حزيران، تشرين الأول رقم عاشر، عالمالأرقام دنيا متناقضة، الصفر حدٌّ فاصل بين السلبي والايجابي ../ .. فان كل التعبيراتوالرؤى ومحور الكلام يتمركز على ما في قلب الشاعر , فالمتلقي لا يرى الاشياء الاوفق ما يراه الشاعر , لقد طغت الفردية في هذا النصّ على الرؤية فاصبح الجو العاميضجّ بالانزياحات والرمزية . اما في نصّ / لحظات الشوق / نجد البوح الاقصىمتمثّلا بوضوح في لغة عذبة زاهية , فالكتابة هنا تشتمل على تعابير شديدة البوح ,كما في هذا المقطع ../ .. أتخلىعن نغمتي، لأتبع دقات قلبي، نبضي يتسارع ملهوفا، للتي ربتت على كتفي، وأنا أصغر منحلم، أكبر بعينيها، تكبر بعيني جنة، أحلم بعودتها يوما ../ .. انهذه التعابير تحمل أقصى اشكال ابراز المكنونات النفسية عن طريق كلمات تحمل أقصىدرجات البوح , فهي تتمثل في / نغمتي / قلبي / نبضي / ملهوفا / ربتت / حلم /بعينيها / جنة / احلم / وهي مفردات قادمة من اعماق الذات الشاعرة مشحونةبالعواطف النتأججة والمشاعر المرهفة . اما في نصّ / لحظات اخرى / نجد اللغةالعذبة واضحة من خلال استخدام المفردات الدالة على الرقّة والعذوبة والجمال كما فيهذا المقطع ../ .. مابيننا؛ شذا الورد، نتقاسمهُ محبة، شوقي وشوقكِ وجهانِ للحب، لنتدفأ به كثيراً،القلوبُ المحلقةُ في السماء، ستغيثنا مودة ../ .. فالمفرداتهنا رقراقة تنبع من نفس صافية نقيّة , استطاع الشاعر ان يمنحها هذه الطاقة منالشحنات التي تغور في نفس المتلقي دون عناء او جهد او مشقة . اما في نصّ / وردة/ فنجد الشاعر قد استطاع ان يمزج ما بين الصورة الشعرية الحسّية والشمّيةوالذوقية والسمعية بهذا الكمّ المشرق , وكما في هذا المقطع ../ .. أتمعنُ في بتلاتِ الورد، عطرٌ يفوح غوايةَ نحلٍ لشفاءٍ إلينا،رضابُ العشقِ، يتوهج في الشمعِ ضياء، شدَّتهُ وضوحي ../ .. فمثلا/ اتمعن – دلالة عن الصورة البصرية و / يفوح / دلالة عن صورة شمّية و / رضاب /دلالة عن صورة ذوقيّة و / يتوهج / دلالة عن صورة حسّية . هذا المقطع عبارة عن صورةعذبة مدهشة رسمها لنا الشاعر كونه ممن يكتب القصيدة السردية التعبيرية منذ أمدطويل .
لغة الأمل
مملوء قلبيبالألحان، تسكن سلم اضطرابي لوعة، أدونها مجلوة بالدمع، تتساقط من ألمي أغنية،ترددها الحناجر، وطنٌ باسمٌ رغم الموت، هنا في الساحات، في قاع النهر، على الحدود،في ظلٍّ أستعيرهُ لقراءةِ رواية، يعيرني لغة الأمل، أبجديتهُ حلُم يتوزع فيالعيون، ترونهُ يقظة، أراهُ يصحو في الفجر حياة.
نصيفالشمري
أبناء الأرض
هكذا نحنأبناء الأرض، نزرع الزيتون، نلوح بالغصن الأخضر إيماءة زهو في درب الشمس، نلمسأحلامنا، تتفتح أملا، نتنفسها مع الفجر حياة، تبدأ رحلة إيمان بالحب، لتدق في كلالقلوب نبضة فرح، حين نرمي من جزء الأرض حجارة، تفتت أفكار الغازين.
نصيفالشمري
لطافة الريح
لطافةالريح غضبها وأنت قوي، هل كلمت الريح يوما؟ جرب صوت هزيزها، ستنشدك الفراغاتأنينا، لتعرف تفعيلات الغضب، لوعة مخيم غاضب، للأرض المسلوبة، توأم الواقع خيال،وأنا أصحح بلغة الترحال مواسم الريح، حينما تعود، ستجدني أقوى، أواجه كل الصعاب،وأغير بالكلمات حياتي.
نصيفالشمري
النهر بريء
الخيباتدرس، كتبهُ الزمن على سبورة الأيام، الرقم السادس للأشهر حزيران، تشرين الأول رقمعاشر، عالم الأرقام دنيا متناقضة، الصفر حدٌّ فاصل بين السلبي والايجابي، يسارهُرقم بإشارة سالبة؛ برد قارس، أمامهُ عقود عمري الستة، فيها خمسة حروب ومشانق؛ علىعمود الكهرباء، تغرق العبارة، النهر بريء، الأرقام تعدُّ المائة؛ في القاع أكثر،الربيع يرتدي رداء الخريف خجلا، وأنا أتوارى خلف الأمنيات، أغسل كفي بدمعة من دعاء.
نصيفالشمري
النهر يردد
جزءٌ منيأنت، جزء منك أنا، اضرب وجهي بيديك، حيٌّ في جوفِك أنا، حيٌّ في جوفي أنت، ساعدنيكي أحمِلَك، كان النهر يردد، ساعدني كي أحمِلَك.
نصيفالشمري
لحظات الشوق
الحكاياتالتي رقدت على السطر، لا زالت تصحو سردا، بتعبير المشاعر رؤى، بين نقرة وأخرى،أتخلى عن نغمتي، لأتبع دقات قلبي، نبضي يتسارع ملهوفا، للتي ربتت على كتفي، وأناأصغر من حلم، أكبر بعينيها، تكبر بعيني جنة، أحلم بعودتها يوما، أرحل إليهابإيمان، تحتاج الجنة حبا، يسمو عشقا، أمي قالت ذلك يوما، مرت عليها اللحظات شوقا.
نصيفالشمري
لحظات أخرى
ما بيننا؛شذا الورد، نتقاسمهُ محبة، شوقي وشوقكِ وجهانِ للحب، لنتدفأ به كثيراً، القلوبُالمحلقةُ في السماء، ستغيثنا مودة، تلك حكاية بدأت، مذ عرف نبضي حياتهُ نغمةً،نعزفها معاً هارمونية ودادَ القلبين لكلِ القلوب، هي لحظاتٌ أخرى للحلُم؛ نرسمهُبلون الورد، اتفقنا عليه لوناً وردياً.
نصيف عليوهيب
وردة
أتمعنُ فيبتلاتِ الورد، عطرٌ يفوح غوايةَ نحلٍ لشفاءٍ إلينا، رضابُ العشقِ، يتوهج في الشمعِضياء، شدَّتهُ وضوحي ، كلمةٌ أذوبُ فيها، أكبرُ حرفاً، أصبحُ جملة، أدورُ علىالشفاهِ سعادة، من وردةٍ كانت بيدي، عاتبني شوكها؛ حين القطف.
نصيفالشمري