ولاً : التوافق النثروشعري

569

أولاً : التوافق النثروشعري

1-   أصبحتَ إيقاعَ شغفٍ.. بقلم : د. غادة علوه – لبنان

بقلم : كريم عبدالله – بغداد – 1/13/ 2019 .

يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل, الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادةالحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطنيللافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهيبالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاععلى تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه ,  وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتاباتمتميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه, وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهيحينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيعالصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعملعلى صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أنتُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميلوحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقداصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدةالسرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراساتالنقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحفالورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن علىثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنيةفيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراءالسرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولوبشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعاتالتي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا فيكتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الانفي كتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية ,  لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابها الحريةوالواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكون التعبيرأكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوع العذب ,فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلف والذي نؤمنبه وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هي قصيدةالمستقبل لقدرتها على  الصمود والتطوّرالمستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمه وتطرحه علىالساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللون الادبي الجديدوالذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذا استطاع الشاعر انيطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كل طاقاتها المخبوءة ,وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة ما يمتلكه من خيال جامحابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّ باللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة فيالسرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعريةفيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّةالتعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ )كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذاالموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غني الموسويبالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءات والقراءةالنقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها . فاصبحت هذهالقصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤى ومفعمةبالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممن عشقنالسرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافت الشاعرة الىجمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روح التنافس وحرّكتعجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأة في السردالتعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة ,بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقل الهموم وسطوةاللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , منحتالمتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرةبالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتهاالفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا علىمفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبةوممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائدتمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عنالمباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة ,كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّةلتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلهاالحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كلالصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيريونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيانالنَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمساتالحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلامنتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابةالابداعية .

التوافق النثروشعري 

مادام الشعر يعتبر مفهوما قابلا للتطوروالتغيير , ظلّت القصيدة تتطور عبر مراحل تاريخية , وكان التجديد ضرورة اسياسيةلجأ اليها الشاعر ليعبّر عن الهمّ الأنساني في هذا العصر , وظلّ يبحث عن حرّيةتمنحها له القصيدة كي يتنفس هواء التغيير والتجديد , مناخا يلائم تطلّعاته ويشبعغروره اللامحدود , فبعد الأنفتاح الهائل على التجارب العالمية وعلى ثقافات الأممالأخرى , ظهرت حركات التجديد والتمرّد في الشعر العربي . انّ مفهوم التجديد اليوملم ينحصر داخل محاولات إيجاد أبحر جديدة ولا التلاعب بالتفعلية والأوزان , ولا ضدفلسفة الغنائية في القصيدة ولا حتى عن مفهوم الصورة الشعرية , انما كان التمرّدعلى كل التجارب الماضية وما وصلت اليه القصيدة . فظهرت لنا اليوم القصيدة السرديةالتعبيرية والتي نؤمن بأنّها ستكون قصيدة الستقبل , القصيدة السردية التعبيرية ليسالقصد منها السرد الحكائي والوصف وبناء الحدث , وانما القصد الإيحاء ونقل الأحساسوتعمّد الأبهار , فتتجلّى عوالم الشعور والأحساس , فيكون السرد موظفا لأجل تعظيمطاقات اللغة التعبيرية , فكأنّ النصّ يريد الحكاية وسرد حادثة معينة , وتبرز لديناالشخصيات والحدث النصّي , لكن في النهاية تتجه جميعها نحو بوح شعري , فلا نجدالسرد الحكائي ( القصصي ) , وانما تعبير عميق وشاعرية هي غاية الكتابة برمزيةوإيحاء وبوح شعري . 

انّ ما نقصده من التوافق النثروشعري هي حالةالتوافق ما بين الشعر والنثر , حيث يتحقق الشعر الكامل في النثر الكامل وهذا ماتمتاز به السردية التعبيرية عكس الشعر الصوري فكلما زادت الشعرية في النصّ قلّتوبشكل واضح النثرية , لذا نجد حالة التوافق واضحة ما بين الشعر والنثر ومتناسبةتناسبا طرديا وممكن تحقيقها وهذا ما نجده في النصّ , ومن أوضح الأساليب التي تحققحالة التوافق النثروشعري هي اللغة التي تتموّج بين القرب والتوصيل وبين الرمزوالايحاء وبين التجلّي والتعبير / وقعنة الخيال / أي إظهار الخيال بلباس واقعي ,مما يعطي النصّ عذوبة وقربا وألفة , ويزيل عنه أي حالة جفاء أو جفاف أو إغترابيطرأ عليه بفعل الرمزية والإيحائية . نجد في عنوان نصّ الشاعرة / د.غادة علوه /أصبحتَ إيقاعَشغفٍ.. / هذه النثروشعرية حاضرة من خلال / اللغة –مابين القرب والتوصيل / والعذوبة المحببة بعدما صاغها خيال الشاعرة بهذه الرمزيةالموغلة بالإيحاء وجمالية التعبير . انّ لغة النصّ لم تعد لغة جامدة وانما تجاوزتالأنماط والقوالب القديمة , وأصبحت لغة حرّة منفلتة متشظّية غامضة ساحرة لا تعترفبالقيود هاربة منها , لغة مراوغة كلّما تقترب من الواقع تعود ترتفع وتسمو وتحاولتهزّ وجدان المتلقي بغرابتها . نجد هنا الزخم الشعوري مترافقا مع اللغة الجديدة وامكانياتهاالمفتوحة على فضاءات شاسعة كما في هذا المقطع ../ تسكنني نظراتكَ الواعدة بانجلاء الليل ../ . ونجدايضا مقدار كبير من الشعرية ينبعث من داخل هذا النسيج الشعري المتلاحم والمتراصبطريقة رائعة كما في هذا المقطع ../ يتدفق في داخلي كوثر لهفتها دافئاً ../ . يبدوبانّ لغة الشاعرة حالة انفلات لطاقات مختزنة في أعماق النفس استطاعت شحنها بطاقاتاضافية فأخرجتها عن النمطية الركيكة في اللغة وادخلتها في سلسلة علاقات لغويةمثيرة ومستفزّة وغريبة لدى المتلقي كما في هذا العنقود اللغوي المثير ../ يئد شهقات الصمت، ينتبذ جذور جسدي، يستبيح نبضي، يعانق جنونالشوق إلى الفرح ../ . لنرى هنا كيف يتحقق الشعر الكامل في النثر الكامل من خلال هذاالتجلّي والأبهار ../ أنتَمعشوقٌ، يوسّق عطر الروح، يقضم تنهدات وجعها العميق، يُطلق فصاحة عصافير حبّها منالأنامل، فتكتب معلقات الألم المشتعلة، وهي تتربّص جندول فرحك المشاغب .. / . ولنقراهنا كيف منحت السردية التعبيرية – الكتابة الأفقية – الكتلة الواحدة – هذا الأبحارفي عوالم الجمال والصعود والتحليق عاليا والنفوذ وصناعة الدهشة والصدمة عندالمتلقي ../ منقال إنّكَ حزن عقيم؟ أصبحتَ إيقاع شغف، يلد في أعماقي ألحاناً من حبّ وفرح، يوصدأبواب زمن يذوي، وترقص على أوتاره سكينة تلوّن بدويّها السماوي بصمات أناملي../ . اننا فعلا نقف عند شعرية كثيرة إنبعثت من خلال هذا النثر الكثيروالذي حافظ على متانتة وقوّته أمام هذه الشعرية , فكلما زادت الشعرية داخل النصّزاد النثر . استطاعت الشاعرة من خلال خزينها المعرفي والثقافي ان توظف كل امكانياتالسرد التعبيري في هذا النصّ فكان قطعة تتوهّج كلما اقتربنا من عوالمها الشاسعة .بالتاكيد انّ جمالية الصوت ها هنا نتلمسها من خلال هذا الزخم الشعوري المنبعث منداخل النصّ , فكان صوتا حرّا يبعث الهدوء والسكينة في النفس ويتغلغل فيها وهذا ماتسعة اليه السردية التعبيرية .

أصبحتَإيقاعَ شغفٍ.. بقلم : د. غادة علوه/لبنان

تسكنني نظراتكَالواعدة بانجلاء الليل، يتدفق في داخلي كوثر لهفتها دافئاً، يئد شهقات الصمت،ينتبذ جذور جسدي، يستبيح نبضي، يعانق جنون الشوق إلى الفرح. أنتَ معشوقٌ، يوسّق عطر الروح، يقضم تنهدات وجعها العميق، يُطلقفصاحة عصافير حبّها من الأنامل، فتكتب معلقات الألم المشتعلة، وهي تتربّص جندولفرحك المشاغب.من قال إنّكَ حزن عقيم؟ أصبحتَ إيقاع شغف، يلد في أعماقيألحاناً من حبّ وفرح، يوصد أبواب زمن يذوي، وترقص على أوتاره سكينة تلوّن بدويّهاالسماوي بصمات أناملي.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع