وأد ابتسامة(نص مفتوح)

211

كان وجهها يشع كله ابتساماً عيناها المضيئتان في الظلمة والنور في الليل والنهار المليئتان بالنجوم والأقمار وشفتاها اللتان تفتران عن ابتسامتها العذبة الخجول كلما نظر نحوها ناظر حتى قبل أن يكلمها , يكفيها النظر نحوها لترد بابتسامةٍ .. الصباح يعجز أن يصل لبعض نورها وألقها … والشمس قد برأت من أن تباريها في بعض إشراقها . هكذا كانت , لم تكن فائقة الجمال غير إن ابتسامتها تشد القلوب نحوها بقوة فلا فكاك من أسرها . وكان أن عشقها بعنف وشغف ما بعده شغف فارتبط بها على وجل من ابتسامتها وكان يمقت ابتسامتها ويحبها في آن واحد . يريد ابتسامتها غير إنه يريدها حكراً عليه فحسب ولو أمكن لوضعها مع ابتسامتها فائقة الجمال في خزانة مغلقة فمنع أن تمسها الريح أو يعرفها المطر . من أول يوم ارتباطهما بدأ يحارب الابتسامة الخجول بشتى أسلحته الماضية التي شهرها في وجهها , كلاما ورجاء وتعنيفاً وكانت تعجب من ذلك ولأنها تحبه فقد نزلت عن عرش حبها لابتسامتها وتعلقها بها ووعدته أن تحاول أن تنتزعها من وجهها البريء رويداّ رويدا فأخذت تحاول جاهدة غير إن الابتسام كان طبعاً فيها فطرت عليه فليس من السهل تغييره . لم ينتظر ولا تأنى بل أراد ذلك بسرعة فكان يؤنبها كلما ابتسمت في وجه مخلوق حتى لو كان طائراً في قفص أو فراشة فوق غصن طري هفهاف , أو بلبلاً فوق شجرة عسجدية يعزف لحن الأبدية الذي أتقنه حد الكمال  ,  وكلما أنبها كانت تحس تقلصاً طفيفاً في زاويتي شفتيها يقاس بأجزاء أعشار الشعرة ويعتري ابتسامتها شيء من يباس … كما كانت تحس كلمات التأنيب مثل مجرفة ملهوفة عجلى تنزل في لحم الأرض لتحفر قبراً , وهي ترد على تأنيبه بابتسامة خجل مما يزيد من غيظه فيعتبرها بلهاء ويقول لها ذلك في وجهها مما يخجلها أكثر فتبتسم أيضاً . ظلا على ذلك ردحاً من الزمن وكانت المجرفة تحفر جزيئاً من الشعرة بعد آخر والابتسامة تضمر تضمر تضمر وذات صباح فتحت عينيها اللتين ما زال الوسن يكحلهما لتنظر لوجهها في مرآة معلقة فوق صنبور الماء الذي تغسل به وجهها وكفيها كل يوم وبحثت عنها فلم تجدها وللوهلة الأُولى اتهمت قطعة الصابون بأنها سرقتها وحين قلّبتها بين يديها لم تجدها عالقة في أيما جانب من جوانبها لذا ظنت إن ابتسامتها سقطت في الأرض فيما حولها وبقيت تبحث وتبحث دون جدوى وحين استيقظ من نومه وجدها منحنية نحو الأرض فسألها عم تبحثين قالت : أبحث عن ابتسامتي فلم أجدها أرأيتها عرضاً ربما سقطت فوق وسادتي دون أن انتبه أجاب بوقاحة المجرم : كفاك بحثاً ..

فأنا قد أودعتها قبرها بعد أن وأدتها بيديَّ هاتين  ؟! .

 

سمية العبيدي /بغداد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع