هل يحارب الإسلام العلم و التطور ؟

261

هل يحارب الإسلام العلم و التطور ؟

محمد الدباسي/

ذكرت في مؤلفات سابقة لي بإيجاز عن حقيقة التطور الذي نراه من حولنا و عن المقصود بإعمار الأرض لكن قبل أن نخوض بالتفصيل هنا لنسأل أنفسنا :
مالذي سيخطر ببالنا عند الكلام عن التطور ؟
كيف نعرف بأن الذي نراه أمامنا هو تطور أو تقدم ؟
ما مفهوم التطور ؟
هل التطور هو الانتقال من حال إلى حال ؟
هل مواكبة الأحداث يعتبر تطوراً ؟
بل هل كل حدث يعتبر تطوراً حتى لو كان سيئاً ؟
هل يضيف التطور للإنسان أم أن الإنسان هو من يضيف إلى التطور ؟
لا بد أن نعرف جيداً بأن التطور هو التحسن و هو غالباً ناتج عن علم .
نعم فالتحسن هو أبلغ كلمة نستطيع أن نصف بها معنى التطور و على ذلك ليس التطور بأن نقول عنه أنه انتقال من حال إلى حال آخر و كذلك أن أي تغيرات تحدث ليس شرطاً أن تكون تطوراً .
إن التطور كذلك لن يكون تطوراً طالما أنه لم يحقق المقصد .
لم يحقق المقصد من وجود الإنسان على هذه الأرض أو يساعده لتحقيق ذلك أو ما يريد تحقيقه بسهولة و اتقان و أن غير ذلك ما هو إلا خدمة للأرض التي وُجد عليها .
كذلك لنعلم بأن التطور لن يكون تطوراً طالما أنه حقق السهولة و الاتقان و التحسن لفئة محددة من البشر .
إن التطور هو تحقيق السهولة و الاتقان و التحسن لكافة البشر بكافة أطيافهم أو مساعدتهم على تحقيق ذلك .
بحسب ما سبق ماذا نشاهد حولنا ؟
هل نستطيع أن نقول عنه أنه تطور ؟
هل حقق السهولة و الإتقان و التحسن لكافة البشر ؟
هل وافق فِطر الناس و مبادئها؟
لماذا هو لفئة معينة دون غيرها ؟
هل عندما تتحقق السهولة و الاتقان لفئة معينة دون غيرها نقول عن ذلك أنه تطور ؟
هل عندما تسهل لنا الحياة في أمور و تكون تلك الأمور سبباً في بعدنا عن الهدف الذي وُجدنا من أجله و الذي كذلك قد يُغضب من أوجدنا على هذه الأرض يكون ذلك تطوراً ؟
هل من التطور أن يتحكم بعض البشر في بشر آخرين ؟
هل هو في تملك بعض البشر لبعضهم البعض ؟
إن ما نشاهده الآن من حولنا من قوة في العمارة ليس تطورا ً لأنه ساهم في تطور الأرض لا الإنسان و هنا قد نسميه ما نسميه من عمارة للأرض أو نقول أنه تقدم تكنولوجي لكنه بالتأكيد ليس تطوراً بحال من الأحوال و إذا أردنا أن نعرف أن ما يحدث هو تطور أو ليس بتطور لنرى أين يقف الإنسان من هذا الأمر .
أن نعرف ماذا قدم هذا الذي نريد أن نسميه تطوراً للإنسان ؟
ماذا فعل به ؟
إن ما نراه من حولنا هو أن من الناس من أصبح خادماً لهذا التقدم التكنولوجي و بالتالي لن يستمتع به لأنه مشغول بخدمته أو محروم من الاستمتاع به بسبب أنه وُجد لغيره .
هنا قد يأتي تساؤل :
هل معنى ذلك ألا يقوم الإنسان بصناعة التطور ؟
أبداً .. ليس معنى ذلك ألا يقوم الإنسان بصناعة التطور فلن يقوم بصناعة ذلك التطور غير الإنسان لكن نقصد من ذلك بأن يكون الإنسان خادماً للتطور من أجل أن يستمتع به مجموعة أخرى و هنا قد يقول قائل بأن ما ذكرته ليس بصواب لأن تلك سنية الحياة .
نعم خلق الله البشر متفاوتين ليخدم بعضهم البعض و لو لم يكونوا متفاوتين لما وُجد أحد لبعض المهن لكن لا يعني التفاوت الحرمان .
إن ما يقول الناس عنه الآن بأنه تطوراً قام بإيجاد صنفين من البشر أحدهما مكث ليستمتع بما يقول عنه تطوراً أما الآخر فعاد إلى بيته القديم ليشعل مصباحاً ورثه عن جده بعد عناء يوم في خدمة ذلك الذي نريد أن نسميه تطوراً .
حتى لو قمت بتأمين غرفة في برج شامخ لذلك العامل و عائلته فلا يعني ذلك استمتاعه بالتطور طالما أنك تقيده لخدمة التطور فقط دون الاستمتاع به فليس معنى الاستمتاع أن تسكنني في برج شاهق لأشاهد التطور دون أن تمنحني فرصة لأن أحقق الأسباب التي تعينني لتحقيق ذلك الاستمتاع .
إن التطور لا يعني فقط استبدال بيوت الطين بناطحات السحاب .. لا .
و لا خبز التنور بوجبة برجر .
و لا اختراع آلة في المصانع ليبقى العمال في بيوتهم بلا عمل .. لا .
إن التطور هو ارتقاء بالإنسان .
هو تبسيط الحياة للإنسان .
ماذا فعل الذي يدعون أنه تطوراً بالأيدي العاملة في المصانع عندما حضرت الآلات لتعمل مكانهم ؟
و ماذا فعلوا بقيم الإنسان و أخلاقه ؟
هل يظنون أن التطور فقط في المباني و الإعمار ؟
أين هو عن قيم الإنسان ؟
عن احترام الناس لبعضهم ؟
عن عدم استغلال فقرهم لظلمهم أو التشبيح عليهم ؟
عن توفير فرص وظيفية للإنسان ؟
عن تأمين حياة كريمة للإنسان ؟
عن إعطاءه حقه في حرية ممارسة ما يريد ؟
عن الاهتمام بجوانب الإنسان الاجتماعية و الصحية ؟
بل أين ما يقولون عنه تطوراً عن الهدف الذي خُلق الإنسان من أجله ؟
إن من أهم مقومات الحياة تحقيق عدالة اجتماعية على الأرض و إن العدالة الاجتماعية لن تحققها توجهات بشرية أرادت بمسمى التطور حصر متع الحياة لمجموعة من البشر دون آخرين .
إن الحياة خلقها الله للجميع .
ليعيش فيها الجميع بكرامة و ليستمتعوا بها بكرامة .
نعم هنالك تفاوت لكنه ليس إلغاء .
نعم هنالك فروقات لكنها ليست استغلال .
ليست تملك .
إنه لمن الغباء أن نظن بأننا نستطيع أن نزيد من أرقام ثرواتنا فقط باستغلال البسطاء .
بالسيطرة عليهم .
بالقضاء على طموحاتهم و أحلامهم و جعلهم يعيشون على هامش الحياة فقط لأننا نرى أننا النخبة و ننسى أو نتناسى بأن الحياة للجميع .
إننا اليوم نشاهد الكثير من الأمم من حولنا شيدت الأبراج و ناطحات السحاب و قدمت كل شيء من أجل أن تتصدر و تكون لها حضارة لكنها و بعد سنوات من البناء المعماري فشلت ، أتدرون لماذا ؟
لأنه كما ذكرنا لم تهتم بالإنسان .
لم تبني الإنسان .
أسقطت الإنسان فسقطت و لم تستفد من تلك الناطحات لأنها بنتها لتنظر منها فقط .
إن الإسلام فقط هو من قام بتحقيق كل ذلك للإنسان و رسم له عدالة اجتماعية راقية و إن الحضارات التي أقامها لهي خير دليل على صحة ذلك و كيف أن كل إنسان عاشها في تلك الفترة و استمتع بها و شعر معها بإنسانيته بل و حتى الحيوان و أن تلك الحضارة ما ذهبت من المسلمين إلا لأنهم تخلوا عن مبادئ الإسلام الذي أقام تلك الحضارة و استبدلوها بمبادئ دخيلة على الإسلام فخرج الإسلام و سقطت حضارتهم .
إننا في الفصل القادم سنعرف كيف أن الإسلام لم يقم بإعمار الأرض فقط و إنما أوجد عدالة اجتماعية من أجل الإنسان ليعيش و ليكون و ليتطور .
سنعرف عن تلك العدالة الاجتماعية و من مِن الممكن له تحقيقها في هذا الكون لتحقق للإنسان و تساهم في بناء حضارته الحقيقية لا المزيفة كالتي جاءت بها كل الحضارات السابقة و الأنظمة الحديثة .
سنعرف كيف أن كل تلك الحضارات السابقة و الأنظمة الحديثة ما أرادت من الحضارة و التقدم إلا خدمة بقاءها .
لكن قبل أن نختم هنا هنالك تساؤل عكسي :
هل يمكن للحياة أن تطور الدين ؟
لنعلم هنا بأن الدين أنزله الله بما يناسب الحياة و الحياة ليست المقصود بها فترة نزول الدين لكن المقصود بها كل الحياة و كل الأوقات إلى أن يرث الله الأرض و من عليها و لذلك نجد الآن و نحن نأتي ببعض مسائل الحياة العصرية لإنزالها المنزل الشرعي و نظن أننا لن نجد مكاناً لها في الإسلام و بالتالي سنأتي لها بحكم دنيوي وضعي و بحكم مستجد لنتفاجأ بأن لها مكاناً في الدين و أن في الدين ما يوافقها رغم أن ذلك الحكم لم يُنزل على مسألة من قبل و ما ذلك إلا دليل على أن دين الإسلام يحيط و يتسع للكثير و الكثير من المسائل و التي لم تتضح لنا بدايةً لا لأن الدين صعب أن يفهم الواقع أو أنه من الصعب أن نجد له مكاناً في الحياة لكن لأن الحدث لم يأتي بعد و بانتظار حدوثه ليلبس الحكم الشرعي و ما ذلك إلا دليل على أن هذا الدين لكل زمان و مكان و أن الحياة هي بحاجة إلى تكامل هذا الدين ليضيف إليها لا إلى أن تضيف إليه و لن تضيف لكامل .
إنه لمن المحزن أن نجد من يريد أن يكيف الإسلام أو يجدد فيه ليوافق أنظمة معلبة أو فلسفات يونانية باطلة و ليس ذلك بسبب أنه رأى أن تلك الأنظمة أو الفلسفات هي خير من الدين فقط و لن يستطيع أن يرى ذلك لو وزن بميزان العدل لكن لأنه لم يبحر في هذا المنهج العظيم و لم يعرف أسراره و حكمه فانبهر و تأثر بثقافات دخيلة و مصطلحات غربية في زمن غَلُب فيه الهجوم على الإسلام فأصابت ذلك المريد حُمى الذُل و الهوان و الشعور بالنقص فكان كغثاء السيل .
هنا سؤال أخير قبل أن نختم :
هل يقف الدين ضد التطور العلمي ؟
في الأديان الباطلة نعم و شاهدنا كيف أن الأديان وقفت ضد العلم لأن العلم باختصار عراها و فضحها و كشف زيف تلك الأديان لأنها لم توافق الفطرة و لا الكون فكان الصراع على أشده بين الكنيسة و المعبد من جهة و بين العلم و بدا ذلك جلياً في حضارات الأمم السابقة و كيف كان ذلك أحد أسباب دعوات علماء كل تلك العلوم و ساسات تلك المجتمعات لفصل الدين عن الحياة و التي لم يستطع الدين في ذلك الوقت مواجهتها لضعف حجته لكن الإسلام لم يكن كذلك لسبب بسيط جداً و هو أنه كلما زاد علم و معرفة الإنسان و ظهرت الاكتشافات كلما وافق ذلك الإسلام و أيده و لذلك لم يخشى الإسلام من العلم كما هو حال تلك الديانات الباطلة و لذلك دعا الإسلام للعلم و للجمع بين الدين و الحياة و هو يثق أنه سيجمع الدين بالحياة لأنه دين حياة و دين يطور الحياة و يرتقي بعقل الإنسان و بالعلم .
إن العلم يكتشف في كل تقدم له من أن الإسلام هو الدين الحق لأنه يوافق ما يكتشف و لأن كل اكتشاف و تقدم يدل على الله الذي أراد الإسلام ديناً .

محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي
عضو مجلس أمناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة
maldubasi@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع