محمد الصالح يحياوي دعا إلى بناء مجتمع تتكامل فيه كل الطبقات البشرية

389

(ورقة خاصة في الذكرى الأولى لرحيل المجاهد محمد الصالح يحياوي)

كانت خطابات العقيد تحمل في مضمونها فكرةالتنوير و الإصلاح، تناول فيها قضايا معاصرة بجرأة تمثلت في تبجيل العقل و تسييدالعلم و تحرير الإنسان و تكريم المرأة و التحاور مع الآخر و غيرها من القيمالإنسانية التي هي جديرة بالدراسة و البحث، و إبراز دور النخب في الحراك الثقافي ونشر الوعي السياسي

سنة تمرعلى رحيل المجاهد محمد تاصتلح يحياوي، و برحيله خسرت الجزائر رجلا  لم يتخل عن خدمة وطنه وفق افكاره ألصلية والمبادئ التي ناضل من أجلها،  و الفقيد منالرجال الذين لم يستسلموا للإغراءات و المساومات، و من يصمد في وجه الإستعمار لهالقدرة على مواجهة الصعاب و تجاوز العقبات، لم يكن العقيد محمد الصالح يحياوي رجلكفاح فقط و هو صاحب الـ: 18 رصاصة ، و إنما كان رجل فكر و قلم، و عنصر فعال منعناصر النخبة الوطنية، ظل شامخا مستعصيا على الترويض السياسي،  و ظل وفيا لمبادئه و ثوابت الهوية الوطنية، والدليل أن من يقف على خطاباته يلتمس في كلماته المناضل الوفي المحب لوطنه، ويستنتج أن هذا الرجل رغم المهام السياسية و العسكرية التي أوكلت إليه فهو رجلثقافة بامتياز،  مثقف ملتزم بقضايا أمته،بحيث لم يترك مسألة إلا و تطرق إليها بشيئ من الوعي الفكري و النضالي،  و أعطاها ابعادها الأخلاقية و الإنسانية،  فقد تحدث عن المناضل، عن الشباب، و المرأة وإشراكها في التنمية و البناء ، عن المجاهد، و حتى عن الفلاح في أرضه، أراد أن ينقلالمواطن الجزائري من موقع التابع إلى موقع الحرّ، ليحقق ذاته، كما أعطى لأفكارهبعدا عربيا و هو يدافع عن اللغة العربية و وحدة الأمة،  و حق الشعوب في تقرير مصيرها، و هذه الرؤية لاتنبع إلا من رجل “رسالي” يحمل على عاتقه أمانة ثقيلة.

و يكفي اننتأمل في تقاسيم وجهه،  لنلمس فيه كلالصفات الحميدة، و هي طريقة انتهجها علماء النفس و هم يختبرون الشخصية من خلالالصورة، في صوره  نقرأ فيها آيات التواضع،و علامات الهيبة و الوقار، التسامح، الصدق ، الصبر على المظالم، و غير ذلك، و هذهالخصال هي من لوازم القوة في حياة الرجال و هم يحملون هذه الرسالة النبيلة، رسالةتحرك عاطفة الآخر، و تجذبه إليه، لأنها قوة روحية لا يمتلكها كل الناس، بل ملتصقةبرجال كبار، و لا شك أن العقيد محمد الصالح يحياوي واحد منهم، فعندما نقرأ خطاباتو مقالات هذا الرجل تلتصق بذهنك صور من يماثلونه في الأخلاق و الطيبة، مهما اختلفتاهتماماتهم ( الشيح سحنون رحمه الله)، و لما لا و هو الذي تربى في بيت محافظ محبللعلم، مطبقا لتعاليم الدين، ما جعل الفقيد ينشأ و يكبر على هذه المبادئ، كحب الحقو رفع الظلم  و هذا ما جعل بعض خصومهيتآمرون عليه و يكيدون له المكائد، لتصل إلى حد محاولة اغتياله.

إنهم أولئكالذين يعيبون عليه “الصمت”، و لم يدركوا أن الفقيد كان يكبت غضبه و يكظمغيظه، و هو الذي عايش الأحداث قبل و بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، والمراحل الصعبة التي مرت بها البلاد و الحزب العتيد معا، و كيف جيئ بالشاذلي بنجديد، و الظروف النتي ادخلت البلاد في دوامة، انطلاقا من أحداث أكتوبر 1988 ، أوكما سماها الدكتور العربي الزبيري باسبوع الإجهاض في كتابه “المؤامرة الكبرىأو إجهاض ثورة”، و كيف اتسعت دائرة التخريب للممتلكات العامة و لم تستطعأجهزة الدولة التحكم فيها، حيث لجات إلى استخدام القوة المسلحة للسيطرة على الوضع،ثم الماساة الوطنية التي اتسمت بالعنف و التطرف، إلا أن العقيد محمد الصالح يحياويلم يشارك في عمليات التخريب و تدمير البلاد و مؤسساتها، و لم تلمس يده المالالحرام، أو تمتد إلى خزينة الدولة و تهريبها نحو الخارج، كما لم يشارك في عملياتالتقتيل في بني جلدته، كان من المدافعين عن اللغة العربية، و الثقافة الجزائرية،في وقت كانت الثقافة في الجزائر تعيش أزمة، و وقعت أسيرة صراعات بين تيارينالعروبي و الفرنكفوني، و كان يرى أن تجاوز كل أزمة لا يكون من دون تشخيصها بمعاييرالثقافة لا بمقاليد السياسة  و في عالم مفتوحو متناقض في نفس الوقت، وضع الإيديولوجيا مقابل النتكنولوجيا دون سؤال عن المخرجالحقيقي.

يرحلالفقيد عن الدنيا دون أن يحضر الحراك الشعبي، و لم تكتب له الأقدار أن يرى شبابالصحوة الوطنية  و هو يخرج في مسيرات سلميةيطالب بالتغيير الجذري للنظام، و لا شك طبعا أن خطب و مقالات هذا الرجل بعد مرورسنوات،  ظهرت ثمارها و تجسدت في الحراكالشعبي، لأنه جعل همه الوحيد تربية النشء، و غرس فيه روح النضال و البناء، و هويخاطب الشباب عندما كان مسؤولا تنفيذيا في حزب جبهة التحرير الوطني، و هذا إن دلعلى شيئ فإنما يدل على أن “المسيرة” مستمرة، يمضي رجال و يأتي آخرون،ياتي جيل و يخلفه جيل آخر، جيل أراد أن يؤسس دولة لا تزول بزوال الرجال، لقد كانتخطابات العقيد تحمل في مضمونها فكرة التنوير و الإصلاح، تناول فيها قضايا معاصرةبجرأة تمثلت في تبجيل العقل و تسييد العلم و تحرير الإنسان و تكريم المرأة ووالتحاور مع الآخر و غيرها من القيم الإنسانسة التي هي جديرة بالدراسة و البحث، وإبراز دور النخب في الحراك الثقافي و نشر الوعي السياسي.

إن صمت العقيد ترجمه في خطبه التي تخنزن الخبراتو المعارف و التجارب، الغنية بالمعاني التربوية و الحماس النضالي، نقرأ بين سطورهافنفهم ان المعركة دائمة و لا تنتهي، و لكن لكل جيل معركته الخاصة، قد يستشهد فيهاالمئات من الرجال في سبيل الحرية المشتركة و تحقيق العدالة الإجتماعية والديمقراطية التشاركية، و من أجل التقدم من المستقبل بثقة تامة، ولا تتحقق هذهالأهداف، إلا إذا كان هناك حوار جاد و قبول الآخر، و هذا ما كان الفقيد يدعو إليهفي خطبه، بأن الحوار هو القيمة الثابتة في كل عملية تواصلية و رصد بما عند الآخرمن افكار و تبادلها و وضعها تحت المجهر للتشخيص بل تشريحها إن تطلب الأمر،رحل  المجاهد محمد الصالح يحياوي و لا شكأن رحيله يطرح تساؤلات عدة، و هو الذي حمل معه أسرار الثورة و الحزب العتيد، هذاالحزب الذي اصبح خصومه و حتى بعض أبنائه يطالبون وضعه في المتحف لما شهده من هزاتعنيفة،  رحل العقيد عن الحياة و لا شك ايضاان خصومه اليوم نادمون على ما فعلوه برفيق النضال مثلما ندم أبناء يعقوب على مافعلوه بأخيهم يوسف.

علجية عيش

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع