محطة رقم 2  الفرزة الثامنة

196

وفي عام 1949 يـتـقـدم إبن خالتي وصديقي الحميم  نصرت الى التـسـجـيل بالمدرسة

المركزية للبنين الـواقعة على دجـلـة وهي كما أتـوقع كانت ثـكـنةً عـسـكريةً للـقـوات

الانكليزية وبـجـنـبها كان مـسـتـشـفى عـسكري والمـسـتـشـفى الآن هـو مصرف الرافـديـن

أمّـا المـدرسـة فـقـد هُـدّمـتْ في أواخــــــر الـسـتـيـنات من الـقرن الـمنـصرم وقـام مكانها بـنـاءٌ

لـمـدرسـة حـديـثـة البناء إلّا أنها ليـسـت بـتـلكَ الجـمـالـية للمـدرسـةِ الـقـديـمـة أقول تقـدم

ابن خالتي نصرت وسُـجِّـلَ في الصف الاول الابتـدائي فدفعـتني الرغبة للضغط على أبي

لتسجيلي مـعـهُ فأخـذني بعـد يـوم أو يـومين الى المـدرسة ودخل الى إدارتها وكان المدير

آن ذاك السيد هاشم الخطيب وكانت معهُ مجموعةً من المعلمين فقـدّم والدي هـوية

الاحوال المدنية أي الجنسية الملكية وكان مذكوراً فيها يوم الولادة والشهر والسنة

ولمّا أجروا حساب عمري ظهر أنّي دون السن القانونيه وأنّي لم اُكملِ الخـامـسـةَ وهـذا

الـسـنُّ لا يُـؤهـلني للـدخول وبعـد إلحاح من أبـي وضعوني تحت الاختبار فأظهـرتُ براعـةً

بـحـسـابِ الارقـام من الواحـد الى العـشـرة دون تـلكُّـؤٍ أو تلعثم وطلب مني أحد المعلمين

قراءة أحـد الاناشـيد المتعارف عليها فقرأتُ وبكلّ ثقةٍ نشيد [ يا بط يا بط إسبح

بالشط ] وهـنـا أذعـن المدير وتـمَّ قبولي مُـستمعاً وواجبي الحضور والإسـتماع فـقط .

دخلـتُ الصف الاول مع ابن خالتي نصرت مـسـتبـشـرًا بعـد قـرع الجـرس وجلسنا

على نفس الرحلة وهي الرحلة الاماميه وبعد قليل دخل أحد المعلمين الـذي رأيتُه في

الادارة وهو واحدٌ مِمَنْ سألوني وكان إسمه عبد المنعم دخل علينا بكرشه وقامته

فوق المـربوعة وبوجهه الاحمر  دخل الى الصف وتوجه بالـسـؤال للطلاب بفتح

كُـتُـبِ القـراءةِ ثم سألَ مَـنْ مـنـكم يـعـرف يـقـرأ لم يرفع أحـدٌ يـدَهُ غـيري فأشار لي فأخذتُ

قـراءةَ إبـنِ خالتي وبـدأتُ أقـرأ متـهجيًـا إزْ إي زيْ ، إزْ إي إزْ زيزْ قرأتُ الصفحةَ بكاملها وأنا

لا أعـرف ما هـو الحرف الـذي أتهجاهُ ولا المعنى كل قراءتي كانتْ حفظاً على الغيب أي

عن طريق سـماعي لأختي رفيعه التي تكبرني وبعــد أن فـرغـتُ مـن القِـراءةِ قـال لي آمِـرًا

قُــمْ الى الـسـبـورة واكـتـبْ [ زيز ] أمـسـكـتُ بالطـبـاشـيـر وأنا لا أعـرف شيءً فـوقـفـتُ مُـتـحـيـراً

فـأخـرج الـمـعـلــــــم عبد المنعم لوحاً خـشـبـيًّا سـمـيـكاً مـسـقـولاً من الساج وقـــــــــــال لـي إفـتـحْ يـدكَ

فضربـني على يـدي الـيـمنى ولـم يكـتـفِ فـأتـبعها بـضرب الـيُـسرى وكانـتا ضربـتـين مُـؤلِـمَـتـيـن بـحـيـث

تـركَـتا في نـفـسي وجـسـدي ألـمًا بليغًابـقـيـتُ أتحـين الـفُـرصةَ للأخـذ بـثـأري مـن هـذا الـمـعـلـم الـظـالـم .

إتـجـه المعلم [ عـبـد المنعم ] صَـوْبَ خـزانـةٍ كانـتْ مـركـونـةً فـي زاويـة الـصـف ففـتحها وانحـنى لإخـراج

شـيئٍ لا أعـرفـهُ وهنا جاءتْ فـرصـتي  للأخـــــــــذِ بـحـقّـي مـنـه فـقُـمـتُ مُـسـرعاً وركـلـتُـهُ بـرجلي بجـــلّاق أدخَـلَـتْـهُ

الـخِـزانَـة وأنـطلـقـتُ راكـضًا بـمـا أُوتـيـتُ من قُـوّةٍ وسـرعةٍ وهـو يـركض ورائي ويصيح كـضـوه أي أمـسـكـوه .

كان لـمـدخل الـمـدرسـة الـمُـطِلِّ على شـارع الـنهر قَـمَـــــــريـةٌ يـجـلـس تـحـتـــهـا فـرّاشـوا الـمـدرسـةِ للإسـتراحـةِ

ومراقبة الـداخل والخارج منها وعـند وصولي اليه كان الفرّاش مُخـيف أبـو غانم و الفرّاش كاظم أبو جـواد

جالـسـين عـلى الـمـصـطـبـة ولـما ســمـعا صياح المعلـم لـم يـفهـما المـطلـوب منهـمـا ولكـنهـما إعـتـرضـاني

فـراوغـتُـهما وزِغـتُ من بـيـنـهما خارجـاً الى الـشـارع باتـجاه المنزل لائـذاً بأقـصر الطُرق وعند بلوغي الــمنزل

كلمتُ والـدتي بـما جــرى على يــد المعلم عبد المنعم وبهـذا الـفعل إنـقـطعـتُ عـن الدوام في الـمـدرسـة بعد

ما حصل لي مع الـمعـــلـم [ عبد المنعم ] ولقبتُه فيما بعد بـالفـقـمة وشاع هذا اللقب بين طلاب الصف  .

وأتذكـر أيضاً أن العـراق مـرّ بـشـتاءٍ قـــارسِ البرودة عام 1948 حيث تجمدتْ حتى انابيب إسـالة الـماءِ

الـمـدفـونة في الارض لكني شـاهـدتُ أختي رفيعه تُـخرج ما تجمد من ماء من الحُبِّ خِلـسـةً وفي غفلةٍ عن

والدتنا ثم ترتشـفـه بتلذذ فطلبتُ منها إعطائي شـيءً مـنـهُ فرفضتْ وكانتْ خائـفـةً من انكشاف أمرها

فصعدتُ علىكرسي حبّ الماء لأسـتخرجَ منه بعض الثلج الطافي على وجه الماء لكن أختي ذهبت

وأخبرت أمـنـا فانهزمتُ خارج البيت لكنها أخذتني الى ساقية المياه القذرة في الشارع فوجدناها

مغطاةً بـصـفائح الثلج وهـو ما أتمناهُ  وأنا في غاية الفرح فأخذتُ ألتهم الصفائح الجليدية إلّا أن

اختي عادت ووَشتْ بي ثانيةً الى والدتي ففزعت أمّـنـا خوفاً من حصول مكروهٍ جَـرّاء أكلـي الـثـلج

الملوث فاخذت تناديني من خلف الباب وتحاول اقناعي لكني لم التفت الى كلامها ولم اعد حتى

اخذتُ كفايتي وعند رجوعي أخذت تـشـرح لي ضرر هـذا الماء الآسن المتجمد  في الـسـاقـيـةِ ولـكن

بعـد فـوات الاوان وكان المطلوب من والـدتي أن تُـشـبع رغـبـتـنا من هـذا الثلج المتجمـد في الحُب

بـدلاً من أن تطردنا لـنـذهب الى ما هـو أسـوء وللأطفال تصرفات لا تخضع لمعيار الـعـقـل وعلى الآبـاء

والامهات الانـتـباه إلـيها قـبـل وقـوع الاطفال بما هو أسـوء  .

كَـثُـرتْ مـضايقات [ جاني ملكشاه وزوجته ] فيكون القرار انـتـقـالـنا الى بيت جـدي الحاج حمادي

حبيب الوائلي بـعـد مُـضيِّ زُهـاء خمـس سـنوات في مـنـزل جـاني وبهـذا تـنـتهي الـمـحطة الـثـانية  .

 

الدنمارك / كوبنهاجن

الخميس 19 / أيلول / 2019

 

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع