محطة رقم 10 الفرزة الحادية عشرة

112

محطة رقم 10 الفرزة الحادية عشرة

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

ركبتُ القطار متوجهًا الى برلين الشرقية وأخي نافع في غاية السعادة والفرح يبدوان على وجهه وهذا ما لم أرهما عليه في اول يوم لقائي به عند محسن.
كان الزمن الفاصل بين براغ وبرلين الشرقية 6 ساعات وكان سفري بحدود الحادية عشرة ليلًا حاملًا معي أملًا برسالتين/ واحدة الى القيادي الشيوعي غانم حمدون من صديقه الوثيق عبد الجبار العلي والأخرى من المهندس الجيكي بافل الى صديقته في برلين الغربية وتُدعى برجيت باثك.
سار القطار ودخلتُ الى المقصورة لأستلقي على الكرسي المخصص حسب رقمه في البطاقة ودخل بعدي شخص اخر شعرتُ بأنّه كان غير مرتاحٍ لي وهذا شعوري قد يكون غير صحيح انطوت الساعات وعند وصول القطار الى الحدود الجيكية الألمانية وقف القطار وبعد ما يقارب ربع الساعة دخل المفتش للتفتيش بطاقات السفر فبدأ بصاحبي ثم تحول نحوي وطلب مني البطاقة فأعطيتُهُ إياها وطلب بعدها جواز سفري فأعطيتُهُ اياهُ أيضًا متوقعًا انها إجراءاتٍ شكليةً وبعد الفحص الاوراق طلب مني أن أنزول معه فقلتُ في نفسي هذا أول الغيث فما هو سبب نزولي ؟. دخلنا الى قبو المحطة وأشار لي بالجلوس ودخل هو في مكتب داخل القبو وقد مضى وطال الوقت فقمتُ برصف عدّة كراسي استلقيتُ عليها لحين ما تنكشف الأمور التي لم أفهم سببها تركتُ الموضوع ورحتُ في غفوةٍ فأيقظني المفتش نفسه ليسألني عن أول يوم دخولي للمطار الجيكي هل كان صباحًا أم كان ليلًا؟ فكان جوابي صباحًا وهذا أسخف ما عرفتُهُ في دولة لا تعرف متى كان دخولي لها والحقيقة اني نزلتُ في مطار
براغ مساءً وقمتُ بالتصريف وكنتُ أُصَرّفُ حسب القانون وليس هناك من مخالفة.
على كل حال هذه قسمتي كما نقول وبعد سؤالي أعطاني المفتش جوازي وأشار لي أن اركب قطارًا آخرًا كان واقفًا وقد تبدّى ضوء الفجر.
ركبتُ ولا أدري أي مقصورةٍ أدخلها فكلما أمرُّ من مقصورة أجدها مشغولةً بالركّاب فقررتُ دخول أي مقصورة دخلتُ احداهن وفرضتُ نفسي على ركّابها.
وصلتُ لبرلين الشرقية صباحًا وجاء المفتش للكشف على البطاقات فأعطيتُهُ بطاقتي فأخبرني أنها منتهية وعليَّ ان اشتري غيرها فأخرجتُ لة ورقةً بعشرة باوندات فأخذ يُقلبها وهو يطالبني بعملة أقل فأخبرتُهُ ليس عندي أقل منها فأعادها لي وخرج.
وقف القطار في محطة برلين الشرقية عند الضحى وعليَّ يتوجب ان أواصل الطريق مشيًا للوصول الى غانم حمدون وقد أضاف لي عبد الجبار العلي عنوانًا آخرًا لعائلة تتكون من رجل مُسِن وزوجته ابنهما ضابط معدوم في الجيش العراقي لا أعرف سبب ولا زمان إعدامه وقال هما أقرب لك وقد يساعدانك في شيء وأكد واثقًا على غانم حمدون من تحقيق غرضي وهو حصولي على الكرسي الدراسي.
خرجتُ من المحطة بعد أن وضعتُ حقيبتي في صندوق الامانات داخل المحطة وعلى موجب الخريطة التي رسمها خرجتُ اقصد مسكن الرجل المُسن وبعد مسير حثيث في الشارع وبحدود نصف ساعة وصلتُ الى عمارة وشقة الرجل المُسن وقرعتُ الجرس فخرج رجل كما وصفه لي عبد الجبار وبعد السلام اخبرتُهُ اني قادم من طرف صديقهم فلان فأدخلني في صالة الشقة ونوّهتُ له عن موضوعي وكوني متعب فاعتذر بأدب وهو محق في اعتذاره.
خرجتُ من شقة الرجل المُسن قاصدًا الرجل المهم في موضوعي وهو غانم حمدون مشيتُ اليه أطوي الشوارع الى أن وصلتُ الى عمارته قرابة الساعة الثانية عصرًا قرعتُ الجرس من باب العمارة فأجابني من هاتف داخل شقته مرتبط بباب العمارة أوضحتُ له بعد السلام أني أحمل له رسالةً من صديقه الوثيق الضابط عبد الجبار فأجابني أن أنتظره حتى ينزل لي وبعد دقائق نزل هو وزوجتُهُ فسلّمتُهُ الرسالة وقال لي أنه على موعد وعليَّ ان انتظره لعدّة ساعات.
ذهبتُ الى مقعد عام قريبٍ على رصيف الشارع وقد بلغ بي الجهد والتعب مبلغه مع الجوع وكنتُ احسب الدقائق تمرُّ كالساعات.
قعدتُ على المقعد وبدأ سلطان النوم معي يُصارعني والى الان أتذكر ذلك الطفل الذي وقف أمامي ولما فتحتُ عيني ولّى هاربًا لا أدري ما أرعبه أهو شكلي أم نومي في الشارع بحيث اعتبرني واحدًا من المُشرّدين لا ادري والجواب عند الطفل.
قارب الوقتُ الخامسة عصرًا فقلتُ في نفسي دعني اجرب الذهاب الى شقة غانم حمدون وقرعتُ الجرس فأجابني بالدخول وصعدتُ الى شقته وأدخلني الصالة وجلس معي هو وزوجتُهُ وأو ضحتُ له دوافع خروجي فسمعها باذن من طين واذن من عجين واعتذرعن مساعدتي لأنه مسافر وقد أكرمتني زوجتُهُ بعشاء عراقي وهو الكباب.
جلستُ بعد العشاء على جانب الاريكة الأقرب الى باب الصالة وجلس هو الى الجانب الاخر منها وزوجتُهُ الى جانب الشباك على اريكة أخرى.
ثم أخذ يقلب القنوات التلفزيونية وتوقف على مسلسل بقيتُ أتابع ما يُتابعه الى أن عاد النعاس يُغالبني وفي حالتي التي هي ما بين اليقظة والنوم سمعتها تكلمُ زوجها وتطلب منه مساعدتي وهو يرفض الى أن وصل الامر بها أن قالتْ له / زين أطفي التلفزيون وخليه ينام / فأجابها هذه هي الحلقة الأخيرة من مسلسله المحبب اليه الذي يتابعه.
بقيتُ اغالب النعاس حتّى انهى الحلقة الأخيرة بعدها قلب الاريكة التي بجانبي فصارت سريرًا فألقيتُ نفسي عليها الى أن أصبح الصباحُ فاستيقظت وأعدتُ السرير لسابق عهده وقد سمعتُ دخول مفتاح باب الصالة يفتحها فعلمتُ أنّهُ كان مغلقًا بالمفتاح.
تناولنا الفطور وتشكّرتُ من زوجته ثم خرجتُ معه الى محطة القطار لترتيب أموري ودخول برلين الغربية فساعدني بقطع تذكرة القطار وإخراج الحقيبة وقد دفعتُ له ما ترتب عليها من مصاريف ووقفنا في الخط.
جاء القطار بعد دقائق وتحرك طابور الركّاب وقال لي أترى الشخص الواقف امامك ذا الشعر الأسود فقلتُ له نعم فقال اتبعه واجلس معه فإنّهُ عربي ثم ودّعني.
هنا لا بدّ من وقفة لأقول للقراء لا خير في المَرْءِ اذا لم يُقدّم العون والمساعدة الى الاخرين وهو قادرٌ عليها اذا ما كانت لا تضر به أو تُلحق به أذى أو تأتي بتبعاتٍ.
وقد قال الشاعر: خيرُ الورى مَنْ فِعلُهُ للخيرِ …. ما لم يكنْ من ضررٍ أو ضيرِ. وهنا انتهت جولتي الأولى مع الشيوعي القيادي غانم حمدون القادر على مساعدتي بالفشل رغم تزكيتي من صديقه الثقة عبد الجبار العلي.
***************
الدنمارك / كوبنهاجن الثلاثاء في 28 شباط 2023
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع