لماذا يريد الدين أن يقود العالم ؟

170

محمد الدباسي/

لماذا يريد الدين أن يقود العالم ؟
ليبقى الأقوى و هذا بالتأكيد هو حلم كل منظومة أن تكون في القمة لتبقى الأقوى لكن السؤال لماذا تريد أن تبقى الأقوى ؟
ليست العبرة بأنك تريد أن تصبح الأقوى لكن لماذا تريد أن تصبح كذلك ؟
هل من أجل أن تسيطر ؟
لماذا تريد السيطرة ؟
من هي الفئة المستهدفة ؟
كل البشر ؟
ما هو المكان المستهدف ؟
الأرض ؟
كل الأرض ؟
لو كان الأمر كذلك فليست هي قيادة .
ليست إدارة بل هي حاكمية للكون .
هي إرادة أن تحكم العالم .
إن الكثير من دول العالم أرادت أن تحكم العالم فأقامت المستعمرات في دول العالم الثالث و حاربت بعضها بعضاً لكنها في النهاية اتفقت على وضع حدود بين الدول .
حدوداً فيما بينها و كذلك بين مناطق العالم الثالث لأنها رأت أن الاستعمار لن يجدي .
نعم هم لم يخرجوا من دول العالم الثالث و إن خرجوا شكلياً من الدول التي استعمروها لأنهم رأوا أنه من الصعب على دولة ما أن تقود بشكل كامل جزءاً كبيراً من العالم و لم أقل كل العالم فالقوة لم تمكنهم من فعل ذلك .
إنهم تعرضوا لخسائر جعلتهم يخرجون ليس من دول الشرق الأوسط فحسب بل حتى من دول الشرق الأقصى و إفريقيا .
جعلتهم يخرجون و إن عادوا بثوب آخر .
إنها مهمة مستحيلة لأنهم ببساطة ما استطاعوا أن يستعمروا كل العقول في تلك البلدان و إن استعمروا الأرض .
لكن لماذا الإسلام يريد أن يقود العالم ؟
ألا يعتبر من أن غيره لم ينجح ؟
إن أي قوة في العالم لم تستطع أن تسيطر على العالم لأنها باختصار لم تستطع أن تسيطر على العقول .
على روح الإنسان لأن الإنسان مرتبط بحب أرضه و بعقيدته و هو ما دفعه لرفض الاستعمار فما كان من المستعمر إلا أن عاد إليه بثوب آخر كما ذكرنا .
إن الدين هو العقيدة التي تستطيع أن تحكم و تدخل إلى عقول الناس و قلوبهم أكثر من أي شيء آخر كان وطنياً أو قبلياً خاصة لو كان هذا الدين هو دين الفطرة و دين الصانع الحقيقي للكون و بما أن كل دين باطل و دين الصانع هو الإسلام فإن العالم ينظر إليه على أنه الخطر الذي لا بد من محاربته حتى لا يسود لكن ماذا عن الإسلام ؟
إن الله عز وجل خلق الكون و أوجد الدين و أرسل الرسل ، كل رسول إلى قومه ثم ختم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون رسولاً لكل العالم و أنزل عليه شريعةً و منهاجاً لا ليعلم بها من دخل إلى الإسلام تفاصيل هذا الدين فحسب .. لا .
لكن ليكون دستوراً يحكم به كل الوجود .
ليكون الدين كله لله و بعد ذلك من أراد أن يسلم فله ذلك و من أراد غير ذلك فله ما يريد لكن الأهم أن يكون كل الكون خاضعاً لله فلا يؤثر أحد على أحد أو يمنع الناس بعضهم البعض من اتباع الحق و لا كذلك يضعف أحد من الثبات على طريق الحق .
يريد الإسلام أن يكون كل الكون خاضعاً لله و بحكم الله لا من أجل التسلط و لا لفرض القوة بل لتزول كل المؤثرات التي تشوش على الناس في عقيدتهم وإن حكم الله المقصود به هنا هو حكم الله الحقيقي لا مثل الذي يدعي بعض ممن يدعي انتسابه إلى الإسلام تطبيقه .
يريد الإسلام ذلك حتى يزيل عبودية الناس للناس و تفتح مساحات من الحرية و الأمان الروحي الفطري لهم .
يريد الإسلام ذلك حتى ينعم الجميع بعدالة اجتماعية راقية تشعرهم بإنسانيتهم و لا تجعل العالم بيد نخبة معينة و لذلك فحاكمية الإسلام للكون ليست من أجل الإسلام و المسلمين بل من أجل البشرية جمعاء .
نعم هي من أجل كل البشر لأن الإسلام كما ذكرنا هو من سيشعر البشر بإنسانيتهم دون كل تلك الأنظمة و إن ذلك لهو دليل دامغ لكل من يقول بأن الدين إذا دخل في السياسة فإن ذلك سَيُنتج استبداداً لا محالة .
نعم إن ذلك هراء .
هو هراء بالتأكيد و لو كان استبداداً لما قامت حضارة حقيقية بعدالة اجتماعية راقية .
لو كان استبداداً لما جاء بمبدأ الشورى في الاختيار و لا بمبدأ الإنكار عند الطغيان .. نعم .
إن الاستبداد يكون عندما تكون للنخبة السلطة المطلقة .
عندما تكون لها الدساتير فتغير بها متى تشاء و كيفما تشاء و بما يخدم مصالحها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و لا مبالاة بباقي البشر و إن ماتوا جوعاً أو حرموا من حياتهم و أبسط حقوقهم .
يكون الاستبداد عندما يرفضون دستور الله الذي ينظم العلاقة بين الجميع بعدالة و يضبطها ليظهر أثرها على الأرض و ينظم للناس حياتهم .
إن ما نشاهده اليوم من تأثر بعض المسلمين بعقيدة غيرهم لهو بسبب ذلك .
بسبب تلك المؤثرات التي ما كانت لتكون لولا غياب حاكمية الإسلام على الكون .
إنهم يطالبون بإسلام لا يقود الأرض .
يريدونه إسلاماً في المساجد فقط لا يخرج منها و لتُترك الحياة لآخرين يقودوا الأرض و هذا من الصعب أن يتحقق .
من الصعب أن يتحقق لأن الإسلام عندما تكون فوقه سلطة دنيوية لا بد لها من أن تقيده لأنها لا تريد أن تصطدم معه في ميادين الحياة فتسيره كيفما تشاء و لذلك فهي لا تريده إلا داخل المعبد و هذا ما فعلته أوروبا مع النصارى فكان أن قيدت الدين في المعبد فكان ما كان من السقوط هذا و رغم أن دينهم باطل فكيف بالإسلام الدين الحق الذي أراده الله أن يكون .
إن المسلمين ينبغي لهم أن ينتبهوا لذلك و يسعوا إلى نشر دين الله في كل الأرض حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله و حتى تستنير الأرض بنور الله و لا يرضون بغير ذلك و كيف لهم أن يرضوا فليس ذلك خياراً لهم لأنها سنة الله في الأرض فلا يظلموا أنفسهم بترك ذلك و لا يظلموا غيرهم بحرمانهم من العيش في ظل ذلك
محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي
نائب الأمين العام لاتحاد الكتاب و المثقفين العرب و مدير مكتب اليمن بالاتحاد و مدير التطوير
عضو مجلس أمناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة
maldubasi@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع