مدينة العزيزية والجيش الشعبي
كتاب(مَوسُوعَةُ مَدِينَةِ العَزِيزِيَّةِ)
تَأليفُ وإعِدادُ مَحمُودٍ دَاوود برغل
تم تأسيس الجيش الشعبي عام (١٩٧٠م) ، تنازل صدام حسين عن قيادته لطه ياسين رمضان في الرابع من نيسان عام (١٩٧٤م) وبقي تشكيل الجيش الشعبي حتى صدور قرار حَلّه في ٢٤ نيسان عام (١٩٩١م ) وتصفية ممتلكاته بعد قرارات الامم المتحدة اثر الانسحاب من الكويت.
الجيش الشعبي هو منظمة شبه عسكرية تتألف من متطوعين مدنيين ، الا انها في الحرب العراقية _ الايرانية (١٩٨٠_١٩٨٨م) أخذت على عاتقها سوق الناس عنوة وبالقوة الى قواطع الجيش الشعبي في جبهات القتال ! ولم يستثنى من ذلك شباب بعمر الزهور لم يبلغوا سن المكلفية وشيوخ بلغوا من العمر عتياً ! اضافة الى اصحاب العاهات البدنية ممن اعفوا من الخدمة العسكرية المسلحة وغير المسلحة .
في العام (١٩٧٤م) جرى استعراض لكراديس من المتطوعين في الشارع الرئيس الداخلي لمدينة العزيزية بعد الانطلاق من ساحة التدريب التي تم اختيارها بالقرب من بناية مقر حزب البعث(المُنْحَلّ) وتحديدا ساحة المكتبة العامة (البطاقة الوطنية اليوم) والعودة اليها اذ كانت هناك ساحات دائرية موطرة بحصى الجلمود ومليئة بالرمل ، ومن التدريبات التي شاهدتها تمرين الدفاع عن النفس حيث يصدر المدرب كلمة :
أعداد _ أستعد .
ثم يعطي الايعاز _لإداء حركات محددة
مثل _ الرمي من فوق الكتف _يهاجم المقاتل _المقاتل الذي امامه ويرفعه على كتفه ويلقيه على الرمل ارضا.
ويصرخ بصوت المنتصر
(هاااا_ هاااا_هاااا).
يعود المدرب وهو في العادة من منتسبي الجيش العراقي ليعطي ايعازا اخر بقوله :
انهض_ وفي هذا الفعالية تعرض احد المتطوعين وهو الاستاذ المرحوم (صفاء احمد شكر العزاوي) رحمه الله ، الى اصابات وجروح في وجهه نتيجة الرمي الجانبي اثناء اداء تمرين الزحف وسط اسلاك شائكة.
في العام (١٩٧٧م) جرى استعراض للجيش الشعبي وتنفيذ تمرين بالذخيرة في الساحة الرياضية الممتدة من بناية المركز الصحي حتى المحكمة و تم تشيد جدار قبل هذا التمرين خلف مديرية البلدية الحالية ليتسلق عليه مقاتلو الجيش الشعبي وهو بارتفاع مترين وطول(٤) م .
كما كانت هناك اسلاك شائكة يتم اجتيازها بوضع الانبطاح والزحف واطلاق النار على الجانبين بقرب المتدربين تم وضعها قرب ( جملون مقهى ارزوقي رحمه الله) .اضافة الى اجتياز الاطارات المشتعلة واختراق المشاعل النارية الدائرية كتلك التي يتم الاستعراض بها في السيرك . كما تم انشاء ثلاث عوارض خشبية بارتفاعات متفاوتة يجتازها المتدرب بالتدريج ثم يقفز الى الارض وهو يطلق اصوات حماسية ..
قبل انطلاق الاستعراض بيومين حضرت المكان عدد محدود من سيارات عسكرية تابعة للجيش العراقي وقام الجنود والمراتب بنصب خيمتين عسكريتين على حافة الساحة الرياضية من جهة السراي ، الخيمة الأولى قرب دائرة البريد والأخرى قرب دائرة الإطفاء التي لم تكن مشيدة وقت ذاك
تأسس الجيش الشعبي في العراق في بداية الأمر على تطوع الجهاز الحزبي في كافة تنظيمات الحزب في المحافظات ، اذ التحق المتطوعون بدورات تدريبية على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ودورات المغاوير والصاعقة وكان يشرف على هذه الدورات آنذاك ضباط متخصصون من الجيش العراقي تتم اعارتهم وفق سياقات إدارية وعسكرية.
اقتصرت واجبات هذا الجيش منذ تأسيسه على الساحة العراقية حتى العام ١٩٧٥م . وإبان اندلاع الحرب الأهلية في لبنان تطوع العديد من قيادات الكادر الوسطي الحزبي و القواعد الاخرى في التنظيم من المنتمين للجيش الشعبي وقد اطلق على عملية التطوع تلك ب (الواجب القومي) وكان من بين المتطوعين الحاج حازم قماري الشمري (رحمه الله) وهو موظف ضمن ملاك دائرة صحة الكوت بعنوان سائق اسعاف في ذلك الحين..
وقد راجعت قيادة الحزب ( المُنْحَلّ ) بيانات سجلات المتطوعين للواجب القومي التي تم تنظيمها عام ١٩٧٥م
بعد ان فتحت باب التطوع للانخراط في صفوف الجيش الشعبي للقتال على ( البوابة الشرقية سنة ١٩٨٠م ) ومن وجد اسمه متطوعا في الواجب القومي ولم يظهر اسمه في سجلات التطوع في (قادسية صدام) يتم فصله من الحزب اذ ان قيادة هذا الحزب عدت ذلك السلوك تخاذلا من اي رفيق تطوع في واجب قومي ولم يتطوع للدفاع عن وطنه بحسب ادبيات حزب البعث العربي الاشتراكي ( المُنْحَلّ ) الذي تم اجتثاثه بقرار من سلطة الائتلاف المؤقته بعد احداث نيسان ٢٠٠٣م. بموجب الأمر رقم (١) الصادر عن سلطة التحالف المؤقتة والذي دخل حيز التنفيذ في (١٦ايار٢٠٠٣م ) .
وفي الأعوام التالية أخذت تشكيلات الجيش الشعبي في العاصمة وبقية المحافظات العراقية تأخذ شكل التنظيم المشابه للتشكيلات العسكرية بمسميات خاصة فتم تشكيل قيادات المناطق التي تنتسب لها عدد من القواطع موزعة على الواقع الجغرافي لكل فرقة حزبية ضمن التنظيم وقد تطوع عدد من شباب العزيزية في تشكيلات الجيش الشعبي بشكل دائم بصفة مراتب وضباط صف من عوائل يتم تزكيتها من قبل قيادة الفرقة الحزبية ومن الذين تطوعوا في هذا التشكيل الشاب الساخر المرحوم (ع.ح.م ) الذي غيب ولم يعثر له على خبر اذ كان مدربا في مقر قيادة الجيش الشعبي في واسط وهي بناية كبيرة جدا على شاطيء دجلة ويقال ان هذا الشاب قد القى نكته على مسامع زملائه سخر فيها من القائد العام للجيش الشعبي طه ياسين رمضان الذي كان يضع يديه خلف ظهره وهو يتحدث الى قواطع المتدربين المتطوعين في احتفالية سوقهم الى جبهات القتال وهي نكته كانت متداولة على نطاق واسع في الكواليس .
بقي الانتساب لهذه القواطع مقتصراً على التنظيم الحزبي ، حتى العام ١٩٨٠ م . ومع بدأ الحرب العراقية الايرانية ١٩٨٠_١٩٨٨م تم فتح باب التطوع للمواطنين من غير البعثيين للالتحاق في قواطع الجيش الشعبي التي شاركت جميعها الى جانب القوات المسلحة ، من كافة المحافظات وقد كان لقواطع العزيزية المتعاقبة نصيب في الضحايا والاسرى والمفقودين وقد كان ثاني هذه القواطع صيدا سهلا لقوة إيرانية هاجمت القاطع الذي التحقوا به في الحدود المتاخمة لبدرة وزرباطية والحقت بالقاطع الملتحق حديثا خسائر جسيمة بالارواح والمعدات وأسرت بعضهم بسبب قلة التدريب والافتقار الى الخبرة القتالية في مثل هذه المعارك وكان من القيادات الحزبية المحلية التي فقدت المرحوم (ع .ي.م ) .وهو من موظفي دائرة الاصلاح الزراعي في العزيزية ( رحمه الله).
وأثناء الحرب التي استمرت لثمان سنوات ظهر البعد القومي لهذا الجيش جلياً اذ تطوعت أعداد غفيرة من العرب المتواجدين في العراق أو من خارجه للقتال تحت أمرته وتم تشكيل قواطع عديدة سميت في حينها قواطع المتطوعين العرب أو قواطع الطلبة العرب و تمت مساواتهم بالحقوق التي يتمتع بها افراد الجيش الشعبي من العراقيين وقد زار الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح احدى معسكرات تطوع اليمنيين وظهر ذلك في شريط مصور عرضه تلفزيون العراق القناة الأولى في صدر نشرتها الإخبارية .
في العام ١٩٨٧م كان تعداد الجيش الشعبي قد وصل الى ثلاثة ارباع المليون تقريباً وكانت مهمته هي مسك الأرض في الخلفيات تحت أمرة قيادات الجيش العراقي .
وفي العام ١٩٩٠_١٩٩١م كان للجيش الشعبي مشاركة في قاطع الكويت وكانت قيادة شعبة حزب البعث في العزيزية السباقة في ارسال المتطوعين وكان من ضمن المتطوعين المرحوم حقي اسماعيل الخزعلي وهو من ظرفاء العزيزية الذي جلس على كرسي أمير الكوت في احدى القصور الاميرية التي كانت تعلوه عبارة
(لو دامت لغيرك … لما وصلت اليك ).
في فترة الحصار المفروض على العراق بقي الجيش الشعبي مسؤولاً عن حماية الأمن الداخلي حتى احتلال العراق في العام ٢٠٠٣م فشارك مقاتلو الجيش الشعبي في معارك في المحافظات الجنوبية في المدن التي مرت بها القوات البرية للتحالف الدولي. كما ان الجيش الشعبي كان يمتلك معسكرا كبيرا للتدريب في مدينة العزيزية في المكان الذي المسمى في الوقت الحاضر (منطقة القدس) وكان يضم مباني وإدارة وغرف. للضباط والكادر المتقدم للحزب وسجن وساحة كبيرة للتدريب و سياج محصن بالاسلاك الشائكة مصنوع من ال ( BRC) . وقد جرت في هذا المكان حملة اعدام جنود هاربين من الخدمة العسكرية اثناء الحرب العراقية _ الايرانية تم تنفيذ حكم الاعدام بهم رميا بالرصاص وسط تجمع جماهيري كبير ضم كوادر الحزب من ضمن قيادة تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي ( المُنْحَلّ).
كم ان السجن الخاص بهذا المعسكر قد تم اعتقال عدد من عوائل العزيزية فيه لاسباب أمنية تتعلق بشبابهم المعارضين لنظام صدام حسين وحزب البعث ومنهم الاستاذ هادي والحاج مهدي اولاد الحاج أحمد الحلي التميمي اضافة الى توقيف عدد من المعلمين والمدرسين ممن لم يلتزموا بالحضور الى الخفارات الليلية في الفرق الحزبية اضافة الى توقيف هاربين عن الخدمة ومتخلفين عن السوق عن الخدمة الالزامبة يجري التحقق من موقفهم الرسمي وعوائل اخرى يتم البحث عن ابنائها المطلوبين من الذين يناهضون حكم البعث وصدام حسين.
وتتحفظ موسوعة مدينة العزيزية عن ذكر اسماء العوائل التي تم حجزها أو اعتقال الاباء في السجن المذكور الا بعد حالة الحصول على موافقتهم في نشرها وهي موثقة في ارشيف المكتبة .
الى اللقاء مع الحلقة الثانية