قضية الإعلامي الجزائري “أنيس رحماني”

114
ارتبط اسمه إعلاميا بكتاب “الأفغان الجزائريون” من الجماعة إلى القاعدة
قضية الإعلامي الجزائري “أنيس رحماني” تعيد إلى السطح إشكالية “المثقف و السلطة”
علجية عيش

بغض النظر عن الإتهامات الموجهة إليه في قضايا الفساد، و المتهم لا يعتبر متهما حتى تثبت إدانته خاصة و أنيس رحماني لم يحاكم بعد عن التهم الموجهة إليه، و ليست هذه الورقة دفاعا عنه فالقانون وحده من يفصل إن كان هذا الرجل مدانا فعلا أو بريئا، ما يراد في هذه الورقة هي تسليط الضوء على فكرة من زاوية إعلامية و جرأة الرجل في الكتابة عن الأحداث التي عاشتها الجزائر في مرحلة اتسمت بالعنف و التطرف ، في وقت استعصت على آخرين الخوض فيها و تجنيب اقلامهم في الكتابة عنها، هكذا ارتبط اسم محمد مقدم مدير مجمع النهار المعروف في الوسط الإعلامي باسم أنيس رحماني بهذه الأحداث و أصبح مؤرخها إن جاز التعبير، و لعل جرأته و شجاعته في الكتابة لكونه ينحدر من أسرة ثورية خاضت حربا شرسة ضد اقوى امبراطورية في العالم ( فرنسا) ، و لعل هذه الصفة مكنته من تسخين قلمه و التأريخ لأحداث قد تعود جذورها إلى ايام الإحتلال الفرنسي في الجزائر ، الذي زرع عيونه و نشر عملاءه لضرب الهوية الوطنية و محاربة الإسلام و فرض الثقافة التغريبية على الجزائريين.
فالفساد لا يتعلق بنهب االمال فقط و إنما له مفاهيم كثيرة و مختلفة، فالسلطة ما فتئت على أن تفرض فكرها على النخبة في إطار ما يسمى بالتبعية الفكرية، و لا تقبل من يجادلها أو يعرض/ يفرض عليها منطقه، فالظروف التي عاشتها البلاد منذ بداية التسعينيات و خروج الحركات الإسلامية إلى العلن و مطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية قلبت الموازين و أخلطت كل الأوراق خاصة و أن الجزائر كانت حديثة الخروج من نظام الحزب الواحد و تبنيها النظام التعددي، وصعب على الحزب العتيد أن يتكيف مع الوضع الجديد الذي اصبحت عليه الجزائر، فحدث ما حدث، و قد تجددت الأحداث مع العودة المسلحة بين المغرب والصحراء الغربية و أحداث أخرى، اثرت على الدبلوماسية الجزائرية خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، و سبقتها مرحلة تميزت بفتح العلبة السوداء التي كانت تخفي حقائق مخيفة عن حالات الفساد التي عششت في مؤسسات الدولة بمختلف قطاعاتها.
و لولا الحراك الشعبي السلمي الذي انطلق في الجزائر في فيفري 2019 فكان ثورة سلمية حركت مشاعر الجماهير التي التفت حوله و سارت خلف محركيه الذين طالبوا بالتغيير الجذري للنظام، و فصل المؤسسة العسكرية عن السياسة، و محاربة الفساد و إرجاع الحقوق لأصحابها لما تحركت السلطة في الشروع في المحاكمات مست كبار الشخصيات من وزراء و قيادات عسكرية و رجال أعمال كما مست إعلاميين أيضا و منهم صاحب الكتاب الأستاذ محمد مقدم الذي كان من أوائل الإعلاميين الذين كانت لهم الجرأة و الشجاعة في توثيق أحداث العشرية السوداء و مسيرة الحركات الإسلامية في الجزئر و انخراطها في الحرب مع الأفغان ضد الإتحاد السوفياتي.

فبالرغم من العلاقة التي تربط الجزائر بروسيا التي تعتبر الدولة الشيوعية التي أيدت حركات التحرر و وقفت إلى جانب الجزائر في حربها مع فرنسا، لكن انقلبت الأمور و كانت كفة الجزائر مع الأفغان في حربها مع روسيا قبل أن تعيد المياه إلى مجاريها الطبيعية اليوم في وقوفها مع روسيا ضد الأوكرانيين، و عودة هذه العلاقات شكلت تناقضات وطرحت كثير من الأسئلة لدى الرأي العام، و كما جاء ذكره لا يراد من هذه الورقة التطرق إلى قضية أنيس رحماني المتابع فيها قضائيا بقدر ما يراد منها ارتباط هذا الرجل إعلاميا بقضية الأفغان الجزاريون و دورهم في تحريك الساحة الجزائرية و التأثير في الجماهير لدرجة وقوفهم وجها لوجه أمام النظام الجزائري، بعدما تلقوا تدريبا عسكريا محكما على يد أفغانيين متمرسين عسكريا.
لقد شارك رجال و شباب جزائريون بمختلف أعمارهم و مستوياتهم منهم قادة أحزاب و آخرون أئمة من داخل و خارج الجزائر، كان من الممكن أن يطلع الشباب الجزائري من الجيل الحالي على جهاد الجزائريين في فلسطين، كما اطلع من سبقوه على جهاد الجزائيين في الهند الصينية و جهادهم في حرب أكتوبر 1967 ثم جهادهم في أفغانستان، خاصة و أن البعض من الشباب لا يزال غير مطلع على كتاب انيس رحماني و ما جاء فيه من حقائق و أحداث من الصعوبة بمكان هضمها و استيعابها، لأن الأدوار كانت مختلفة و لكنها مضبوطة و مُحَكَّمَة، و الشخصيات التي لعبت هذه الأدوار كانت متعددة الأوجه و الأسماء، فلكل شخص له أدوار متعددة لأنهم كانوا ينشطون بأسماء مستعارة فنجد شخصا بعشرة أسماء وبالتالي يصعب فرزهم أو تحديدهم و التعرف عليهم إلا إذا كحانت هناك متابعة دقيقة لنشاطاتهم، ما يؤكد أن “الجيش الإسلامي” أكثر تمرسا و خطرا من الجيوش التي عرفتها الشعوب عبر التاريخ.
البداية كما جاء في كتاب أنيس رحماني انطلقت بمجموعة من الإسلاميين يمثلون شريحة واسعة من الأئمة شكلوا ائتلافا إسلاميا يقودهم إمام فلسطيني اسمه عبد الله عزام و قد وطد هذا الأخير الصلة بين الجزائريين و الشخص الثاني هو شاه مسعود أحمد و هو طاجيكي يزعم الجماعة الإسلامية في إقليم بيشاور، و شكلت الجماعة المتحالفة كتيبة الجزائريين تنشط تحت إشراف شاه أحمد مسعود الطاجيكي بدعم من أموال الخليج، و كانت هذه الجماعة قد مهدت الطريق للتيار السلفي و التحاقهم بالجماعات الإسلامية المسلحة، و يلاحظ هنا الدور الذي كانت تلعبه الخليج قي دعم العنف و التطرف، كان عبد الله عزام يروج فكرة الجهاد في أفغانستان عبر الصحف و المجلات و منها مجلة المجتمع التي كان ينشر فيها فتاوى على أن الجهاد في أفغانستان فرض عين على الأمة الإسلامية، و شجع علماء آخرين و دفعهم إلى تبني فتاويه.
السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هل يعقل أن يفتي إمام فلسطيني بشرعية الجهاد في أفغانستان و بلاده فلسطين و ابناء جلدته يعيشون تحت تير الإستعمار الإسرائيلي و المسجد الأقصى مهدد؟، المشكلة أن العلماء المسلمين سواء علماء الأزهر أو الزيتونة أو علماء القيروان بما فيهم علماء الجزائر لزم بعضهم الصمت و لا نقول جميعهم، و لم يحركوا ساكنا، بل صادقوا على فتوى عبد الله عزام بأن الجهاد في افغانستان واجب شرعي و كل مسلم ملزم به، ولم يدعوهم إلى الجهاد في فلسطين و كما جاء في الصفحة 23 من الكتاب، من العلماء الذين أيدوا الفتوى الشيخ القرضاوي و ابن باز و ابن عثيمين و عبد الله ناصع و كان الذهاب إلى أفغانستان عن طريق المملكة السعودية، حسبما جاء في الكتاب فإن عبد الله عزام ارتبطت معه علاقة مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن المهووس بنصرة الشعب الأفغاني، لم يكن في المجموعة التي شدت رحالها إلى أفغانستان جزائريون فقط بل من مختلف الجنسيات منهم عراقيون ( ابو الجود و شقيقه) و هذه الرواية ذكرها أحد الجزائريين الملقب بـ: عبد الله أنس و هو اسم مستعار أطلقه عليه عبد الله عزام بدلا من اسمه الحقيقي بوجمعة.
من هو الأب الأفغاني للجماعة؟

قد يتفاجأ البعض الذين لا زالوا يجهلون الأحداث بكل تفاصيلها من هو الأب الأفغاني للجماعة أو “عرّابها ” إن صحّ القول، ما هو اسمه الحقيقي و من أي منطقة ينحدر؟، الجواب و كما ورد في كتاب الأفغان الجزئريون إنه المدعو ( ق س) ( الإسم الحقيقي كاملا مذكور في الكتاب) ابن مدينة قسنطينة المعروفة باسمها القديم سيرتا (700 كلم عن العاصمة الجزائرية) و هو من بين أخطر عناصر “الجماعة الإسلامية المسلحة” و مؤسسها الحقيقي في باكستان سنة 1991، و ذلك بمعية الملقب أحمد الود و ابو ليث المسيلي و غيرهم، كان ( ق.س) متأثر بأفكار الهجرة و التكفير التي أطلقتها الجماعة الإسلامية في مصر، التحق بالقاعدة التي يقودها ابن لادن و أعلن حربه على “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” FIS، بسبب تحزبها (أي تاسيسها حزب سياسي) ، لأنه كان يرى أن التحزب كُفْرٌ و الديمقراطية كُفْرٌ أيضا، و في نفس الكتاب نقرأ أن كل الروايات التي ذكرها عبد الله أنس ( بوجمعة) تؤكد أن الحرب لم تكن ضد الإتحاد السوفياتي و إنما كانت ضد جماعات التصقت بها تهمة الكفر و الخروج عن الإسلام من الأفغانيين أنفسهم، و يبدوا أن الأجهزة الإستخباراتية قد اندست في صفوف الجماعات الإسلامية، و بالتالي كيف لشخص أردني فلسطيني وهو المدعو ( م.حمدي) كما جاء في الكتاب يعلن عن تنظيم “جيش محمد” و يدعو الناس للجهاد ، ثم يُمْنَحُ له منصب وكيل وزارة ( اصفحة 30 من الكتاب) .
الغريب ان هذه الجماعة سرعان ما انقلبت على نفسها و دخلت في صراعات داخلية بسبب قضية التعيينات حيث ظهرت عملية التصفيات بحجة عدم التحكم في التكتيكات العسكرية و بالإضافة إلى المحاكمات التي جرت في بداية سنة 1993 ضد 40 عنصرا من جماعة الهجرة و التكفير بقيادة ( ع. عبد النور) الملقب بالأمير نوح و الذي يعتبر العقل المدبر و المنفذ لسلسلة العمليات التي عرفتها الجزائر منذ 1989 ، و أحداث الرعب و القتل و الخطف و التفجيرات التي وقعت في كل القطر الوطني لاسيما أحداث قمار و ورقلة جنوب البلاد و البليدة و في كل ولايات الوطن منهم من صدر ضدهم بالإعدام ( ص46) ، كما تطرق أنيس رحماني بشكل من التفصيل لتحركات الجماعة الإسلامية المسلحة و تنقلات ابن لادن و خلافه مع المدعو جمال زيتوني أمير الجماعة الإسلامية المسلحة، ثم الخلافات التي برزت بين زيتوني و أبو قتادة الفلسطيني. قد يرى المطلعون على هذه الأحداث و متتبعيها بأنها مجرد تحصيل حاصل، لكن الكتاب تطرق إلى كل صغيرة و كبيرة و بالتفصيل كاشفا عن أحداث يجهلها الكثير داخل و خارج الجزائر، خاصة ما تعلق بنشاط الشبكات السرية في العالم فرنسا بريطانيا و في باقي اوروبا وكيف انتقلت الحرب الى الخارج و حتى في دول المغرب العربي ، وهي تحتاج كما يقال إلى إعادة فرز الأوراق من جديد، خاصة ما تعلق بقضية الطائرات الإنتحارية التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11 سبتمبر 2001 و هي كما جاء في الكتاب ( الصفحة 145 ) فكرة جزائرية، وضم الكتاب روايات عن قضية اغتيال الفنان الأمازيغي معطوب الوناس و منها رواية حركة الضباط الأحرار التي تضم عددا كبيرا من الضباط السابقين في الجيش الجزائري و رواية سيد علي بن حجر أمير الرابطة الإسلامية للدعوة و القتال و غير ها من الشهادات، حول الأحداث التي وقعت خاصة مقتل الوناس و موقف الجبهة الإسلامية للإنقاد من “الجيا” ، حيث كانت الجبهة افسلامية للإنقا رافضة العمل المسلح و ممارسة العنف، ليس من السهل طبعا التطرق إلى الأحداث التي وردت في الكتاب لأنه كما أسلفنا كل الشخصيات المذكورة كانت تنشط بأسماء مستعارة و لعبت أدوارا متعددة ، فكل نشاط قامت به كان باسم مستعار يختلف عن الأسماء المستعارة الأخرى التي نشطت بها في مختلف المواقع، لاسيما و بعض هذه الشخصيات كانت لها علاقة بحركة الطالبان الجزائرية التي انشقت عن الجماعة الإسلامية المسلحة و التي تضم عدة كتائب منها كتيبة حماة الدعوة السلفية و هي من قدماء الأفغان الجزائريين الذين أسسوا كتيبة الأهوال ، و كتيبة الحق، و كان عناصر هذه الكتائب يتجاوز عددهم 300 عنصرا مسلحا، مما دفع بأمير التنظيم المسلح إلى توسيع الكتائب فظهرت كتيبة الطلبة، و هنا يلاحظ كيف تمكنت الجماعة الإسلامية المسلحة من التأثير في الطلبة ثم ظهور جماعة حطاب ..الخما يمكن الإشارة إليه هو أن متابعة أنيس رحماني قضائيا حسب ملاحظين ليس قضية فساد اقتصادي فقط، بل هي مرتبطة بعلاقة المثقف و السلطة ، بدليل أن كثير من الإعلاميين في الجزائر توبعوا قضائيا و آخرون اعتقلوا و بعضهم اغتيل ايام العشرية السوداء و بعدها بسبب مواقفهم الجريئة، و استمرت الإعتقالات السياسية أيام الحراك الشعبي في 2019 ، فنحن إذن أمام إشكالية تتعلق بعلاقة المثقف و السلطة ، فكثير من المثقفين من تضعهم مواقفهم تحت رحمة خصومهم في المؤسسة السياسية الحاكمة و ما يلاقونه في السجن من ممارسات تعسفية لا ترقى إلى مستوى الإنسانية، فقمع السلطة لأفراد معدودين يبث الرعب في باقي أفراد المجتمع، السبب هو أن هذه الفئة تساهم بشكل كبير جدا في صناعة الرأي العام و في صناعة القرارات الحاسمة ما يجعلها في تواصل دائم مع الجماهير و قد استطاع المثقفون أن يمارسوا أشكالا متنوعة من السلطة بصفتهم أعضاء في احزابا سياسية موالون للسلطة و آخرون محسويون على حركات تيارية فكرية معارضة، و ه الفئة طبعا تقلق السلطة الحاكمة.
علجية عيش بتصرف

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع