قراءة أولية في رواية:الخبز الحافي للكاتب المغربي محمد شكري

781

السؤال الذي طرحته على نفسي عندما نظرتُ إلى العنوان ” الخبز الحافي “
العنوان فقط جعلني أشعر بالمأساة التي عاشها بالتفصيل محمد شكري وبعد و أثناء
قراءتي للكتاب.عرفت معنى الفقر الذي يجر صاحبه إلى الحضيض فعلاً!
والى أي حد يرتكب الفقر من ظلم تجاه الأبرياء؟
والى حد تكون الأسرة هي الملامة في الدرجة الاولى تجاه ما يكون عليه
الأبناء؟!.
وهل الضياع سبب أم نتيجة لحياة قاسية ومعذبة؟!.
فكاتب القصة لم يتعلم القراءة والكتابة حتى سن العشرين من عمره, وزمن طفولته
ومراهقته أمضاها في عالم غريب يجمع بين الناس المتهالكين سعياً وراء لقمة
العيش انجرافاً في عالم البؤس حيث العنف وحده هو الحاكم لرغيف الخبز .
محمد شكري كاتب تلك السيرة الذاتية هرب من أب يكره أولاده (فقد قتل أحد أبنائه
في لحظة غضب), تشرد في أزقة مظلمة وخطرة بحثاً عن الطعام القليل, أو عن زاوية
لينام فيها, واكتشافٍ لدنيا السارقين والمدمنين على السكر, تلك هي حياة من
عاشرهم و التقى بهم بتلك الشوارع الضيقة والأزقة العفنة .
على هامش الحياة ، وُلد محمد شكري وعاش ، تلاطمته الأمواج تلقيه كل موجة
للأخرى باحثا عن شط النجاة و متمنيا في كل لحظة أن يموت ويبتلع البحر جسده لا
أن يلفظه. في كل يوم نشاهده مستلقيا على الرصيف نائما أو مستلقيا و ماداً يده
من العوز جائعاً أو تارة أخرى نراه في الجريدة مقبوضا عليه بتهمة التشرد أو
التحرش أو الجرائم الصغيرة المروعة التي لا يرتكبها إلا الفقراء وليس
باستطاعته التسترعليهاإ
فكيف يستتر على بلواه وهوغير مستور؟!
إذا إبتليتم بالمعاصي فاستتروا…
وكيف يكون الصمت والجوع ينهش بأحشائي حتى بت لاأعرف معنى الشبع مهما امتلأ
بطني؟
وكيف أتستر وقد كساني العري حتى بت لا أعرف الدفء ..
مهما كسوني بحرير الثياب—-؟ فقدعمل حمالاً للبضائع المهربة وقام ببيع بعض
ماتحصل عليه في السفن التي تتجه في طريقها لإسرائيل محملة باليهود والمتجهة
لجنوب أفريقيا تعامل مع أراذل الناس شرب الخمر والحشيش ومارس الرذيلة مع
الغواني ذلك هو مجتمعه الذي عاش فيه طفولته ومراهقته .
قال محمد شكري : “أخي الصغير مات صارَ ملاكاً. و أنـا.. سأكون شيطاناً، هذا لا
ريب فيه. الصغار إذا ماتوا يصيرون ملائكة و الكبار شياطين.”
برغم تلك البذاءات التي احتوتها الرواية لكنني احترمت في محمد شكري صراحته
وتغاضيت عن كثير من تلك الكلمات البديئة في ألفاظه وعباراته عن الجنس ومسمياته
ووصفه للعلاقات الجنسية التي استخدم فيها اللهجة المغربية بشكل مكشوف وفاضح
للدعارة وأنواعها.فهو حتما لم يرد سوى أن يكون موضوعيا وصريحا في كل ما يحكيه
عن سيرته الذاتية والواقع الذي كان يعيشه أغلب المغاربة آنذاك…ولست أعتقد أن
لأحد الشجاعة في تعرية نفسه كما فعل محمد شكري .
وهنا أقتبس فقرة من الرواية تلخص كل شئ حيث يقول فيها ” لقد علمتني الحياة أن
أنتظر، أن أعي لعبة الزمن بدون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته : قل كلمتك قبل
أن تموت فإنها ستعرف حتما طريقها.ولا يهم ما ستؤول إليه، الأهم هو أن تشعل
عاطفة أو حزنا أو نزوة غافية ..”
الخبز الحافي هو الجزء اﻷول من السيرة الذاتية للكاتب المغربي محمد شكري. يحكي
الكتاب طفولة شكري إبان الخمسينيات حين أندلعت شرارة الإحتجاجات ضد الإستعمار
الفرنسي. ينطلق شكري ليروي عن طفولته في ظل مجاعة وتشرد وعنف أسري، قضى معظمها
في اﻷزقة والمواخير والمقاهي. لن تتخيل أن الكاتب الذي ترجم كتابه إلى 38 لغة
هو نفسه محدثك الذي بلغ العشرين ولما يعرف اﻷلف من كوز الذرة، ومارس أشكال
الإنحراف وتغذى على المزابل.
– الأحداث مؤلمة، ولا يمكن لمن لم يعش الجوع ان يعرف كنه هذا الشعور جيداً
مهما حاول وقرأ… أن لا تجد ما تأكله، ان تكون محاصراً، ان يكون لديك عائلة
ولا تقدر ان تطعمها، ان تقتل في لحظة غضب فلذة كبدك… فهذا شيء مروع ويجعلك
تؤمن بمقولة علي ٌ بن أبي طالب “لوكان الفقر رجلاً لقتلته ” فالجوع كافر وليس
بعد الكفر ذنب.

ماجدة تقي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع