في الجدل الاجتماعي والقانوني بين عقل الدولة وضمير الشعب

662

*ما الذي جعل من خير الدين مصلحا، ودفع ب**علي بن غذاهم لكي يصير ثائرا؟*

د زهير الخويلدي

” إذا اعتبرنا تسابق الأمم في ميادين التمدن وتحزب عزائمهم على فعل ما هو أعود
نفعا وأعون لا يتهيأ لنا أن نميز ما يليق بنا على قاعدة محكمة البناء إلا
بمعرفة أحوال من حف بنا وحل بقربنا”1[1] <#_ftn1>

غني عن البيان أن لكل الدول مؤسسيها وحكامها الذين مهدوا لها درب التمدن
وأقاموا البنيان وشيدوا الأسس والمعالم الرئيسية التي ظلت تسير عليها وترتقي
من التبعية إلى السيادة وتقفز من الفوضى إلى التنظم. ولكل الشعوب أيضا ثوارها
ومقاوميها الذين يستيقظون قبل غيرهم عند الشدائد ويحلمون في الأزمات فيعملون
على إيقاظ العقول وحفز الهمم ويعبرون عن ضمير المجتمع ويتكلمون بلسان
المغلوبين وينتصرون للصابرين.

إذا كان خير الدين التونسي صاحب كتاب أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك من
النوع الأول الذين ذهبوا رأسا إلى التأسيس وحاولوا البناء وسارعوا إلى الإصلاح
بالتركيز على  المسألة الوطنية والاستقلال الذاتي فإن علي بن غذاهم مفجر
الثورة الشعبية ضد الجباية هو من النوع الثاني الذين تمردوا على الحكم المركزي
وعبروا بصدق عن انتظارات الفئات الاجتماعية التي يمثلونها وعجلوا بمقاومة
الأجنبي وتصدوا إلى المظالم.

من المعلوم أن الشخصين تواجدا في نفس العصر بالمعنى التاريخي وخاضوا تجارب
سياسية وازنة في عين الظرفية الاجتماعية وقاموا بأفعال جليلة في نفس الحقل
السياسي وأثروا في أبناء جيلهم تأثيرا كبيرا وتركوا بصمات لا تمحى في الذاكرة
الوطنية وارتبطت سيرتهم الذاتية ومصيرهم بالحراك الدستوري والحقوقي. بيد أن
الفرق بينهما قائم الذات والمسافة التي تفصل الفاعلين لا يمكن إنكارها جملة
وتفصيلا وردمها بسهولة، فخير الدين هو حاكم منفذ وفاعل سياسي ومشرع بارع ومصلح
مدني بينما علي بن غذاهم هو ثائر شعبي وشاعر حالم ومقاوم صادق ومنقذ مجتمعي
وشخصية عامة وضمير حي ومؤذن باكر على صبح موعود للوطن.فكيف يمكن الجمع بين
الكائن الأثقل والكائن الأخف؟ وما الذي يبرر المقارنة بين ما لا يقبلا
المقارنة؟ هل الصلة بينهما هي من نوع السبب والنتيجة أم من طبيعة العلاقة بين
الفعل ورد الفعل؟ ماذا لو أنهما كانا قد اشتركا في نفس الفعل الحصيف ألا وهو
إرادة الحياة والرغبة في التقدم بالبلاد ، احدهما من أعلى بإصلاح الدولة
والآخر من الأعماق بالثورة على الفساد؟ ألا يتكاملان عندئذ؟ لكن من يمثل الوجه
ومن يرمز إلى القفا؟

ما نراهن عليه في هذا المبحث ليس معرفة شروط الإصلاح *وضبط *عوامل النهوض *التي
نظر لها خير الدين في كتابه الهام أو طالب بها علي بن غذاهم من خلال ثورته
الشعبية وإنما استكشاف *أسباب التراجع
عندما تم احتلال فرنسا لتونس وانتصاب
الحماية وتفكيك إيالات الرجل المريض وبيع أملاك الصدر الأعظم في تونس. لهذا
انقسم منهج البحث في هذا الميدان إلى طريقين: الطريق الموجب الذي يثبت سلامة
المقصد وصحة النية ويتتبع الإضافة ويرصد الابتكار ويسلط الضوء على مواطن الجدة
ويقارن بين عقم القديم وخصوبة المحدث.

أما الطريق الثاني فهو الذي يبحث في عوامل الإخفاق وأسباب التعثر وظروف الوقوع
في الكبوة ويعمل على تشخيص العلل ووصف الآفات ويركز على مظاهر الفساد وأماكن
التقصير وأزمنة الفوات وأشكال الضياع.  إن فرضية البحث التي نسعى إلى امتحانها
تستند إلى القول بأن أقوم المسالك إلى الاسترجاع الحضاري لا تتمثل في معرفة
أحوال المدنية الغربية وإتباعها وإنما تعتمد بالأساس على معرفة أحوال الحاضرة
الشعبية. فمن أين استمد خير الدين تجربته الإصلاحية؟ وماهي مقاصده الأساسية
منها؟

*1-   **حزمة الإجراءات الإصلاحية لخير الدين باشا:*

“الناس إذا تعاضدوا على شيء توصلوا إلى المقصود منه ولو كان من أصعب الأمور”2
[2] <#_ftn2>

لقد أكد خير الدين على ضرورة الاقتباس من الغرب من أجل التدارك بالرجوع إلى
التمدن الأوروبي وذلك لجواز الاقتباس من الآخر من وجهة نظر الشريعة الإسلامية
التي لا تنافي عملية تأسيس التنظيمات المدنية. كما  جدد حرصه على إصلاح نظام
الحكم بالكف عن الظلم وإلغاء الحكم المطلق والتزام الحكم المقيد بقانون وإتباع
السياسة الشرعية وتفعيل مبدأ الشورى عن طريق مجلس الحل والعقد أو البرلمان
واعتماد نصيحة العلماء وتحميل الوزراء والموظفين وأعوان الدولة مسؤولية توزيع
العمل حسب الكفاءة وتنظيم شؤون الناس. لقد سعى خير الدين إلى بناء مجتمع عصري
أصيل على قاعدة الحرية والعدل والمساواة واحترام القانون. فأقام التنظيمات
الإدارية والخيرية ودعا العلماء إلى مؤازرة هذه التنظيمات وحث على إلغاء
الامتيازات الممنوحة للأجانب وكراهية الحكام لأبناء الشعب ونبه من خطورة
المعارف غير الكافية للحكام بالحكم وناشد بالكف عن معارضة الموظفين الإداريين
وبوجوب التعاون بين رجال السياسة ورجال الدين ورجال المال. في هذا الإطار نجده
يصرح :” من لوازم تأسيس الحرية تساوي الرعايا في سائر الحقوق السياسية التي
منها الخطط السامية”3[3] <#_ftn3>. لأن:” إسناد الشيء إلى عهدة متمني زواله من
أقوى موجبات اختلاله واضمحلاله”4[4] <#_ftn4>.  لقد بحث عن سر تقدم الغرب بعد
انحطاط فوجد ثورة علمية أنتجت ثورات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأحصى كمية
المكتشفات ونوعية المخترعات التي حدثت بين القرن 14 والقرن 18 فوجدها كثيرة
وهامة. كما انتبه إلى نقاط قوة الدول الغربية فاستنتج الاعتناء بالتعليم
والتثقيف والجانب الأكاديمي وتطوير الطيران وكثرة المطابع ونمو حركة التأليف
والنشر وتنظيم المعارض الثقافية والعناية بالمهرجانات الفنية وحسن إدارة
المكتبات وتزايد عدد البنوك وتطور الشركات الاقتصادية والغرف التجارية وإقامة
معارض تجارية دورية.

لقد دعا إلى” التماس ما يمكنهم من الوسائل الموصلة إلى حسن حال الأمة وتنمية
أسباب تمدنها بمثل توسيع دوائر العلوم العرفان وتمهيد طرق الثروة من الزراعة
والتجارة وترويج سائر المصنوعات ونفي أسباب البطالة وأساس جميع ذلك حسن
الإمارة المتولد منه الأمن، المتولد منه الأمل، المتولد عنه إتقان العمل”5[5] <#_ftn5>. لقد طالب خير الدين بأن تمتلك تونس القوة المالية والعسكرية وأن
تفصل بين السلطات وتشكيل المجالس القضائية والبلدية لتشريع الحقوق ووضع
القوانين وإدارة الأحكام وامتلاك قوة التنفيذ والاحتساب والمراقبة. كما نادي
باحترام الحريات العامة والخاصة على غرار الحرية الشخصية وحرية الاجتماع وحرية
الصحافة والطباعة ونصص على اختيار نظام إدارة يكون ناجعا ومتوازن ويحد من
الاقتراض ويقلل من المديونية. لقد اتبع خير الدين جملة من الخطوات الجريئة في
زمانه وتتمثل في الأخذ عن الغرب أسرار التقدم وترك الأسباب إلى أبقت الشرق في
حالة تخلف وأغرى رجال السياسة باقتباس ما يوافق الشريعة الإسلامية وحاجج
المناهضين بأن جوهر القضية هي وجوب اعتماد التنظيمات المدنية وبأن الحكمة ضالة
المؤمن أنا وجدها أخذها سواء من القريب أو من البعيد وسواء من الصديق أو من
العدو وبأن المنقول لا يستشهد إلا بالمعقول. لقد وجد أن التقدم الغربي حديثا
وأن أساسه العدل والعلوم وأن ما كانت عليه الأمة الإسلامية من شوكة وثروة
ومعارف كان نتيجة تأسيس العدل في القضاء والإنصاف في الجباية والمساواة في
توزيع المنفعة على الناس.

لقد اعتبر النفس مجبولة على الحرية وتفطن إلى أن الحكم يضعف عندما تكون معارف
الحكام بتسيير شؤون الرعية ناقصة وعندما تزيد الشهوات الخصوصية وينفرد البعض
بمقاليد التسيير ويتم إقصاء الأغلبية من المشاركة وانتبه إلى أن نظام الحكم
العادل يتحقق بحسن التصرف في السلطة والثروة والمعرفة وفي رعاية المصالح
العامة وحفظ الأعراض وأن يكون الحاكم كامل المعرفة والمحبة لخير الوطن ومجريا
للأصلح.

يمكن أن نذكر أهم الإجراءات والقرارات التي اتخذها خير الدين والتي مثلت الأسس
لقيام الدولة التونسية:

  • ترتيب الوزارات وتنظيم الإدارة وانتحاء منحى الشورى وإنشاء جمعية الأوقاف.

  • إحكام التنظيم المالي وبيان مداخيل الحكومة و حصر أجر ما يكتب من التسجيلات.

  • ضبط راتب للحكام الشرعيين والموظفين وأهل المجلس الشرعي.

-تحرير المكاييل والموازين وإبدال سكة الفضة الناقصة في الوزن.

  • ترتيب مجلس لمحاسبة العمال ووضع قانون العمل في الفلاحة: الخمّاسة

  • إبطال الضرائب والتخفيف في الخراج على السلع المصدرة والزيادة في الأداء على
    السلع المستوردة

  • ترتيب مجلس للتحفظ العمومي وتأمين الأهالي في المال والعرض والنفس.

  • إنشاء مجلس مختلط للحكم المعاملات مع الأجانب وإنشاء مراكز للقمرق في جهات
    الحدود.

  • إنشاء مجلس عموميين للرجال والنساء وتركيز صندوق لرفع المظالم.

-جعل وكلاء للعاجزين عن الخصام أمام المحاكم.

  • إصلاح القضاء وإصلاح التعليم وإصلاح الدين.

  • إنشاء المصانع ومد الطرقات وتحسين الساحات في المدن.

  • تحسين حالة المطبعة الرسمية ورفع مستوى جريدة الرائد الرسمي.

  • إقامة خزائن للمحفوظات والوثائق: الأرشيف.

  • بعث مجلس للمحاسبة وإمكانية الاعتراض على قرارات الوزراء.

لقد بحث خير الدين عن شروط القوة التي يمكن اكتسابها بالنسبة للدولة فوجدها في
القوانين السياسية والتنظيمات الإدارية والمجالس المدنية وفي الربط بين حقوق
العامة وحقوق الحكومة وحسن التصرف في الجانب المالي وتنمية الثروات والجانب
العسكري بتجهيز الجيوش وتطوير المعدات البحرية والجوية.

لقد رأى المصلح التونسي أنه من أكثر و”من أهم الواجبات على أمراء الإسلام
ووزرائهم وعلماء الشريعة الاتحاد في ترتيب تنظيمات مؤسسة على دعائم العمل
والمشورة كافلة بتهذيب الرعايا وتحسين أحوالهم على وجه يزرع حب الوطن في
صدروهم ويعرفهم مقدار المصالح العائدة على مفردهم وجمهورهم”6[6] <#_ftn6>.

لقد قاوم خير الدين الفساد المنتشر في البلاد وخاصة الرشوة والمحسوبية والغش
وحرص على رد المظالم وإرجاع المغتربين والتنقيص من فائض الديون وناهض الحكم
المطلق والانفراد بالرأي وناصر إنشاء مجلس شورى لمصالح القطر وتصدى للجهل
والأمية بإنشاء المدرسة الصادقية سنة 1875 وترتيب التدريس بجامع الزيتونة
وإنشاء المكتبة الصادقية بالجامع والزيادة في مرتب المدرسين وانتبه إلى
الأمراض التي يعاني منها النشاط الاقتصادي واختلال في الموازين بين التصدير
والتوريد وبين المعروض والمطلوب وقام بتقويم العملة المتداولة وترتيب استخلاص
الأداءات والضرائب واتجه نحو إحياء الصناعات وتشجيع الحرف والمهن الأصيلة.

بهذا المعنى انتبه خير الدين إلى مواطن الخلل في المعرفة والعمران والسياسة
والاقتصاد ونبه من الوقوع في الخراب إذا كان الاتكال على مساعدة الأجنبي
بقوله” إذا نظرنا إلى مجموع ما يخرج من المملكة وقايسناه بما يدخلها فإن
وجدناهما متقاربين خف الضرر، وأما إذا زادت قيمة الداخل على قيمة الخارج
فحينئذ يتوقع الخراب لا محالة. وأما الخلل السياسي فإن احتياج المملكة لغيرها
مانع لاستقلالها وموهن لقوتها…”7[7] <#_ftn7>.

لقد أدرج المؤرخون إصلاحات خير الدين في خانة النظرية اللبيرالية وتعامل معه
البعض بوصفه الممثل الإصلاحي للبرجوازية الوطنية التي عرفت في وقته وعيا
بذاتها وصعودا لافتا من أجل أن تلعب دورا رياديا في الحكم والمجتمع على السواء
بإمساك السلطة وإنتاج الثروة وتوزيعها ولكن حضور الجانب الاجتماعي في هذه
الإصلاحات والتركيز على قيمة العدل وإنصاف الشرائح الفقيرة يدرجه في زاوية
النظرية الاجتماعية. لقد توقع خير الدين بمآل البلاد التونسية والسلطنة
العثمانية عند تعثر التحديث فيهما بقوله:”الإنسان إذا انقطع أمله من حماية
شريعة الوطن لنفسه وعرضه وماله يسهب عبيه الاحتماء بمن يراه قادرا على حمايته”8
[8] <#_ftn8>. ولقد اتجهت الأحداث نحو انهيار البرنامج الوطني الذي تم
الاستنجاد به للإنقاذ من الوقوع في التبعية وتم التعجيل بطلب العون من الخارج
واستقدام الأساطيل الأجنبية بعد تصاعد المعارضة الداخلية وقلق دول الجوار،
ولكن لماذا فشلت هذه الجهود الإصلاحية؟ أين الخلل الذي وقعت فيه هذه المحاولة
التحديثية الوطنية؟ وكيف أدت إلى تبعية للغرب مهدت لقدوم جحافل الاستعمار
وقيام انتفاضة شعبية من الداخل ضد سلطة المركز؟ ولماذا كانت الثورة الشعبية
حربا داخلية لازمة من أجل مقاومة الظلم؟

*2-   **مطالب الثورة الشعبية حسب علي بن غذاهم:*

” السور الذي يقينا هو أننا مظلومين…وهذا المال الذي بأيدي هؤلاء أصله مالنا
فهو في الحقيقة لنا”9[9] <#_ftn9>

لقد فجر علي بن غذاهم المولود في معتمدية تالة من ولاية القصرين عام 1814
والمنحدر من عرش أولاد مساهل المتفرع عن قبيلة ماجر انتفاضة شعبية ضد الحكم
المركزي في العاصمة وضد استبداد نظام البايات. لقد كان طالبا زيتونيا حيث تلقى
نصيبه من العلوم والمعارف التي توفرها المدرسة التقليدية ولكنه إضافة إلى ذلك
نهل الكثير من الأفكار الحديثة واطلع على عدد من النظريات السياسية والمواد
القانونية من أبيه الطبيب. لقد أدى فساد منظومة الحكم أنذاك وتحكم الحاشية في
دواليب الدولة وإغراق البلاد في الاقتراض من الخارج وبيع العقارات والأراضي
للأجانب واليهود إلى تزايد المديونية وعجز الميزانية عن تحمل النفقات العمومية
وخلاص الرواتب وبالتالي تشكلت نقمة عامة وظهر تفاوت صارخ بين حكام أغنياء
وعامة فقيرة من الشعب وتمركزت الثروة والسلطة في يد الانتهازيين والسماسرة وتم
استعباد وجهاء المجتمع من العلماء المخلصين.

بيد أن السبب المباشر للنهوض الاجتماعي هو مضاعفة الضريبة التي فرضت على
الأهالي وسكان الأعماق وتسليط سيف العقاب على الدواخل واستثناء بعض التابعين
والموالين للحكم وتمكينهم من الارتزاق والانتفاع. لقد اندلعت الثورة التي
قادها علي بن غذاهم يوم العاشر من آذار سنة 1864 وذلك حينما امتنعت بعض
القبائل عن دفع الضرائب وكانت البداية بقبائل ماجر وبوغانم والفراشيش ولكنها
شملت كل المدن التونسية واستمرت لسنتين كاملتين وعرفت احتدام بين إرادتين:
تمثلت الأولى في إرادة التسلط والقهر والإخضاع التي عُرِف بها الحاكم ، بينما
قامت الإرادة الثانية على قيم الحرية والكرامة والمروءة والعزة التي عُرِف بها
الشعب الكريم ودافع بها عن مطالبه وعن سيادته الذاتية على أرضه وممتلكاته رغم
معاناته من الضيم والعوز والحاجة10[10] <#_ftn10>.

والحق أن تزايد الظلم والمحسوبية وتفشي الفساد والرشوة والمجاهرة بالتبعية
للقوى الأجنبية المتربصة أنذاك بالوطن هي التي أفضت إلى تشكل حس وطني وتصاعد
الغضب الشعبي على السياسات الخاطئة التي وقعت فيها الحكومة المركزية ولقد
ساهمت الإصلاحات التي نادى بها خير الدين وساندها صاحب الطابع والتي تم التخلي
عنها واستبدالها بجملة من الإجراءات الترقيعية من طرف خزندار وبن سماعيل في
تفشي حالة من اليأس من المراهنة على الدولة والإحباط والعزوف لدى النخب
الحضرية والريفية من جهة ومراكمة وعي حقوقي وانتباه ضمير جمعي إلى المخاطر
المحدقة بالبلاد في المستقبل وتم التوجه إلى التعويل على الذات.

في الواقع لم يحلم علي بن غذاهم بان يكون بايا على الشعب كما يردد غالبية
المؤرخين وإنما كان ذلك نعت أطلق عليه في إطار حملة التشويه التي تعرض لها هو
ورفيقه فرج بن داحر وإنما كان ضمير الثورة وروح الشعب وصوت الجهات الداخلية
التي ظلت مطمع الغزاة والطغاة ولقد كان صيحة مدوية ضدهم ومفزعة لهم. من هذا
المنطلق توجد عوامل ذاتية للانتفاضة تتوزع بين الإحساس بالقهر والحالة
الاجتماعية المزرية والتفاوت بين الأغنياء الفقراء وعوامل خارجية وكثرة
الطامعين في ثروات البلاد من الأجانب وتزايد تحرشاتهم وتهديدهم بالغزو
والاستيلاء مثل الأتراك من الشرق والفرنسيين من الغرب.

من المعلوم أن الماجد علي بن غذاهم الماجري ينتمي إلى سلالة من الثوار الذين
انحدروا من صلب الشعب وجادت بهم تونس الفتية مثل فرج بن داحر (ناحية رياح
بباجة)  علي بن عمار العياري (مكثر) وعلي بن خليفة النفاتي (قابس) وعلي بن
عمارة الجلاصي (القيروان) ومحمد صالح الأطرش (الجبل الأبيض) وغومة المحمودي
ومحمد الطاهر الكبلوتي الحناشي وكل الذين تصدوا للظلم ونصروا الحق وخلدوا في
التاريخ ببطولاتهم وانتفاضاتهم من أجل الدفاع على أوطانهم والتصدي للغزاة
والسلطة11[11] <#_ftn11>.

لقد كانت إصلاحات خير الدين هي السبب الذي أدى إلى اشتعال الاحتجاجات لما
خلقته من الحاجة إلى الإنقاذ ولما زرعته في الوطن من استنهاض للهمم ولما بثته
في النفوس من رغبة في الارتقاء من اجل اللحاق بركب الأمم المتقدمة ولما نبهت
إليه من مفاسد السلطة المطلقة ومن خيبات التبعية للقوى المهيمنة والتفويت في
البلد. لقد قوي شأنه لما ساندته قبائل كبيرة من الوسط مثل جلاص ولما بارك شيوخ
التصوف من الطريقة التيجانية خروجه وترتب عن ذلك بسط نفوذه على العديد من
المدن الكبيرة من البلاد مثل القيروان وصفاقس والساحل. غير أن حكومة المركز ما
لبثت أن استعادت زمام المبادرة واستعانت بحلفائه في الخارج ومعاونيه في الداخل
والتفت على المسار الثوري وشجعت القبائل المنتفضة على الابتعاد عن علي بن
غذاهم بالترغيب والترهيب وكان لها ما أرادت سنة 1866 لما قبضت على الثائر
القبلي كما وضفته وأودعته سجن الكراكة بحلق الوادي بعد أن فر رفيق دربه فرج بن
داحر للجزائر في حين لقي الخالد مصرعه هناك عام67 دون بلوغ مراميه12[12] <#_ftn12>. لقد حدد الثائر الاجتماعي علي بن غذاهم ثلاثة مطالب كبرى تسعى
الثورة التي قادها إلى انجازها على أرض الواقع بمطالبته إلغاء الجباية وحكم
البايات ومراجعة الدستور بقوله:”كفانا مجبى ومماليك وكفانا دستورا”13[13] <#_ftn13>.

من المهم الإشارة إلى موقف النخبة التونسية من حزمة الإصلاحات التي تبنتها
الدولة في ذلك الوقت ورفضها قبول وصاية المركز على الجهات الداخلية والتحكم في
القرار حول الاقتصاد المحلي وإلحاق عموم العملة في مختلف ميادين الإنتاج
بالسلطة القانونية وكذلك معارضتهم للسير في اتجاه الخيارات الرأسمالية
والبرجوازية وتمسكهم بالدور الاجتماعي للدولة ومطالبتهم بسن قوانين تضاعف من
المساعدات المالية للفئات الهشة وتزيد من هامش الحرية عند التجار والحرفيين
والمزارعين وتسهل عليهم بيع المنتوج وتحقيق مردود مالي مقبول. لقد تفطن بن
غذاهم إلى أهمية المدونة القانونية في تغيير أنماط الإنتاج وأحوال العاملين
نحو الأحسن وطالب بالكف عن تفقير الجهات الداخلية واستغلال ثرواتها ونهب
خيراتها ووجه الثورة نحو القطع مع المتخاذلين. لقد خلفت الانتفاضة اندلاع فوضى
عارمة ولدت حالة احتراب بين القبائل نتج عنها السلب والنهب والإغارة وانعدام
الأمن وضياع الممتلكات والمدخرات وهجرة سكان السهول والمنخفضات إلى الجبال
والمرتفعات واضطرت الحكومة إلى الاستنجاد بالقوة والحيلة تارة وبالأعراف
الجارية والشيم بغية الصلح والسلم طورا. ” موجب ذلك التفرق تعارض الأغراض
والشهوات بين الأمراء والثوار الذين لم يعتبروا ما في الانقسام من المضار على
الجميع”14[14] <#_ftn14>،  فماهي أسباب إخفاق علي بن غذاهم؟ وهل قدر كل ثورة
شعبية أن تقضي عليها حكومة بالمركز بإتّباع سياسة فرق تسد؟ وأليس المطلوب هو
تقوية الشعور الوطني لدى الجهاز الحاكم وزيادة منسوب الولاء لدى الداخل؟ وهل
من الممكن تطهير تجربة الإصلاح على صعيد النظر والثورة على صعيد الممارسة؟

*3-   **إعادة بناء المسألة الوطنية وتكثيف الاستقلال الذاتي:*

“أما جماعة المصلحين كخير الدين وبيرم الخامس وابن أبي الضياف فيتفقون في
ايجاد المبررات لانتفاضة ابن غذاهم، لأنها رد فعل طبيعي ضد الاستبداد والقهر
والاكثار من الضرائب.”15[15] <#_ftn15>

لعل أهم الدروس المستفادة من تعاقب التجربة الإصلاحية عند خير الدين والثورة
الشعبية عند بن غذاهم هي تخليص كل تجربة من عناصرها الرجعية وخاصة العودة إلى
العبودية تنظيرا وممارسة وطلب المشروعية من النص الديني وفق رؤية اجتهادية
محافظة وتبرير النظام الاقتصادي الإقطاعي المتخلف.

على هذا الأساس يمكن اجراء جملة الاستخلاصات التالية ما يلي:

–         ضرورة عقلنة العلاقة بين الدولة الراعية والمجتمع الأهلي.

–         حاجة الحكم المركزي إلى اللامركزية وتركيز الحكم المحلي.

–         قيام الثورة مطلب شعبي ضد الظلم والتفاوت وضد التهميش.

–         بناء المسألة الوطنية على تلازم بين عقل الدولة وروح الشعب.

–         تكثيف الاستقلال الذاتي للدولة والمجتمع يقترن بتقاطع السيادة مع
المواطنة.

–         قد يفضي الاستعانة بالخارج درءا للفتنة الداخلية إلى جلب للاستعمار
الخارجي.

–         الازدراء الموجه إلى الداخل صونا للهيبة يولد النقمة الاجتماعية
والانفجار الشعبي.

–         تحوز الدولة على السؤدد والعزة عندما تفك التبعية وتتصالح مع
مواطنيها.

–         كل حركة إصلاحية جزئية تكتفي بالترقيع تكون نتيجتها ثورة شعبية
جذرية.

–         النظام السياسي الجيد للدولة العصرية يقوم على حكم الشعب بالقانون
من خلال دستور ومؤسسات.

–         كل مراهنة على الخارج من أجل الأمن والتطور تؤدي إلى التبعية والضعف.

–         أهمية تغيير المحاور الحضاري والابتعاد قدر الإمكان عن الوصاية
الإمبراطورية.

–         الاعتماد على سياسة حضارية منفتحة على محاور متعددة وذات سيادة
وطنية.

–         الإصغاء إلى الإرادة الشعبية وتمتين التلاحم الذاتي للمجتمع الأهلي
واحترام مكوناته.

–         إتباع منهجية عمل مترامية الأهداف ومتعددة الحقول ومرنة في الأسلوب
وصلبة في المبادئ.

غني عن البيان أن الحرص على هيبة الدولة من جهة تقوية مؤسساتها وإلزامية
قوانينها وقراراتها قد يفضي إلى الاستبداد والقمع وأن استعمال الحرية من أجل
المطالبة بالحقوق قد يؤدي إلى ثورة هوجاء تغرق البلاد في الفوضى وتهلك العباد
والثروات، فما السبيل إلى دولة لا تقضي على الحرية والى ثورة لا تصادر الحق؟
وكيف يسمح الإصلاح الجذري في ثقافة الدولة بقيام ثورة شاملة من صلب ضمير الشعب؟

لم تكن ثورة علي بن غذاهم مجرد تمرد قبلي بسيط على ظلم الحكم المركزي ولا
انقلابا تاما من الهوامش بواسطة القوة على السلطة الرسمية بل انتفاضة شعبية
نادت بمطالب ثورية ضمن رؤية اجتماعية عادلة.

إحقاق للحق لا يمكن بلوغ السؤدد الحضاري إلا من خلال جدلية قانونية اجتماعية
طالما أنه ” لم يعد بمقدور السياسة الطموح إلى الشمولية التي كانت تدين بها
للرغبة في توفير بديل للتبعية. وهي لم يعد بمقدورها أن تقدم نفسها كجواب في حد
ذاته على سؤال معنى الوجود على المستوى الجماعي”16[16] <#_ftn16>.

لذا تظل شهادة ملكية الثورات في حوزة الشعوب في ذاكرتها الحية وتبقى ضمائرها
ساهرة حتى ترى الوعود الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والسيادة والتنمية
والازدهار والتقدم المادي والحضاري تتحقق بأم عينها وتستمر الصيرورة التحررية
في الاشتغال وتمضي الأفعال التفكيكية في اتجاه التخلص من أبنية الظلم وقصور
الاستبداد وتشريح عظام الشمولية وتجفيف منابع التسلط واقتلاع بذور الالتفاف.

من جهة أخرى الثورة ملك الشعب ولا يمكن المساومة على ذلك ولا مجال للتردد
والهروب إلى الأمام وبدء إعادة إنتاج منظومة متعفنة وتبييض عقلية أكل عليها
الدهر وشرب، ولا يجوز الجلوس على الربوة واغتنام المنافع والركوب على الحراك
الاحتجاجي واستغلال التقاليد من أجل النفوذ. إضافة إلى ذلك تبدو مقاومة التخلف
عملية ثقافية مستمرة حتى في ظل نقص الواردات وضعف الإنتاج واستفحال الأزمة
الاقتصادية ومجابهة التعصب واللاّتسامح متواصلة عن طريق التنوير الراديكالي
والثورة الثقافية.

هكذا لا وجود لنظام ديمقراطي مكتمل بصورة ملموسة إلا إذا احترم إرادة الحياة
المشتركة لدى المواطنين وسهر على تأمين سيادة الشعب على مقدراتها الحيوية
ورفعه درجة أمله في نحت مشروع مستقبلي واعد.    ” نصل هنا إلى هذا التناقض
الأصلي لمجتمع يعرف نفسه بشكل لا يضاهي في التفاصيل ولكنه لا يفهم نفسه
مجملا…وهو باسم الديمقراطية ، يدير ظهره لشرطها الأسمى وهو أنه عليه أن يحكم
نفسه بنفسه”17[17] <#_ftn17> فكيف نجعل من الدفاع عن استكمال الدمقراطية تمسكا
بالاستحقاق الذي قامت من أجله الثورة؟ والى أي مدى يتلازم مسار تطوير المجتمع
مع شروط استمرار الدولة في أدائها لمهامها ؟

خاتمة:

” من الواجب على مؤسس أصول الحرية السياسية اعتبار حال السكان ومقدار تقدمهم
في المعارف”18[18] <#_ftn18>

لقد أكد خير الدين على إجراء التنظيمات وسوغ إعطاء الحرية إلى الناس بمقدار
تعلمهم وجعل موجة البناء تتفوق على موجة التخريب وقام بتقديم دلاء المفاسد على
جلب المصالح من أجل أن تكون حركة الصعود أسرع من حركة السقوط ولكي يستمد الناس
فنون التهذيب والكياسة من الشريعة والهمة وغريزة الحرية. في نهاية المطاف
يعترف خير الدين بأن العرب هم أساتذة العالم وأن التمدن العربي حمل عن طريق
الإسلام إلى الشعوب الأخرى وربطه باختصاصهم بالعلوم والاجتهاد العقلي والعناية
بالصناعات والتنظيم الإداري والمالي وفسر تراجع الحضارة عند المسلمين
بالانقسام والتشتت وتكثر الحروب الأهلية والفتن الداخلية والتفرق نتيجة تعارض
الأغراض وتزايد الشهوات في الانفراد بالحكم والتفاخر بالفوز بالمغانم وتحقيق
المآرب الضيقة.

كما نبه من خطورة تدخل العسكر في شؤون الحكم وتقويض النظام الملكي الوراثي
أساس النظام العادل وأقر بإمكانية تلافي هذا التراجع بالانتفاع بإقامة دولة
القانون وتركيز التنظيمات الخيرية وإدارة الحكم بالمجالس ومؤازرة العلماء
للتنظيمات وزرع المحبة بدل الكره وإلغاء الامتيازات للأقارب وللأجانب وتنمية
العمران. لقد خيّر المصلح التونسي إخماد نار الغضب باجتماع الآراء في مواضع
الصواب ونظر إلى إمكانية تخفيف الأضرار بالتعاضد على حماية الوطن وصدق النية
وإتباع كنه الحق ودرء الاختلال بغية تجنب الاضمحلال. حول هذا الموضوع نجده
يتوقع الضرر والخراب عندما يغيب العمل والأمل بقوله:” لا شك أن العدوان على
الأموال يقطع الآمال وبقدر انقطاع الآمال تنقطع الأعمال الى أن يعم الاختلال
المفضي إلى الاضمحلال”19[19] <#_ftn19>.

لقد آمن خير الدين بأن وجوب المشورة أصل من أصول الشريعة الإسلامية وأقر
بضرورة الوازع قصد إخراج الجماعة البشرية من حالة التوحش إلى حالة التمدن
وأوجب حق أهل الحل والعقد المتمثل في مجلس الشورى بتغيير المنكر المتمثل في
الوزير الظالم والحاكم الضعيف والأمير الفاسد لأن العمل بالرأي الواحد هو حكم
مطلق مفضي إلى الاستبداد والعواقب من النظام المتسلط هو القهر والتنازع
والضياع والخراب. لقد وضع خير الدين الملامح الأساسية للعقل السياسي الذي
يفترض أن تسير وفقه الدولة العصرية ويقوم على جملة من الترتيبات التي تنظم عمل
الإدارة الجيدة ومجموعة من القواعد تحدد طرق اشتغال النظام السياسي.علاوة على
ذلك مازال  النضال الاجتماعي من أجل الحرية الديمقراطية يدور في طريقه الصحيح
ويصارع من أجل بناء ركائز دولة العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون
ومحاربة التمييز وكل أشكال الازدراء والنزعات العنصرية وينهل من الفلسفة
العقلانية والدين المدني والثقافة الوطنية والتعليم العمومي الشعبي. لكن ” كيف
يكون للإصلاح باب وللعدل منفذ مع فساد من نوع فساد الباي محمد الصادق وفساد من
لون فساد رئيس دولته وخزندارها المملوك مصطفى؟ وكيف تنجح ثورة وان كانت عارمة
وان كانت الدولة على حالها وذلك من الفساد اذا كان لها بالمرصاد ثلاث دول
استعمارية متنافسة كل منهما تريد البلاد لنفسها ولا سبيل لها أن تتفق إذاك الا
على أمر واحد هو إبقاء دار لفمان على حالها؟ أي على انحطاطها.”20[20] <#_ftn20>

بطبيعة الحال ليس الفعل الديمقراطي تمييع الديمقراطية عن طريق ممارسة
الاستبداد الناعم وتدعيم ديمقراطية الواجهات وتركيز معارضة كرتونية وتعددية
شكلية وتوافقات مغشوشة والوقوع في النزعة الشعوبية وآفة الهمجية وإنما تمكين
عموم الشعب الكريم من ممارسة المبادئ الديمقراطية بكل حرية واقتناع واعتزاز
وفي مناخ هادئ بتركيز آليات للفعل التواصلي ضمن مؤسسات عادلة تمنح حياة جيدة
للذات مع ومن أجل الآخرين. كما لا يمكن استكمال المسار الاحتجاجي على الصعيد
السياسي إلا إذا وقع تغيير جذري في المدونة القانونية وتم التنصيص عليه في
المرجعية الدستورية ووقع ترسيخ تلك القيم التشاورية في نسق العادات الاجتماعية
والممارسات المؤسساتية على الصعيد الإداري وفي الميدان الثقافي وحرصت معظم
الأجهزة الرسمية للدولة على التسيير الوظيفي وفقها وتغيير عقلية المواطنين
ومحاربة الفساد وتسرب الثروة.

من هذا المنطلق يشهد مسار الديمقراطي الانخراط في حرب كلامية ومعركة ميدانية
ضد قلاع الاستبداد والممارسات التسلطية والتصدي للانفراد بالرأي والحكم الشخصي
وتوكل مهمة تدريب الناس على القيم الديمقراطية إلى مؤسسات التعليم وهياكل
المجتمع المدني والهيئات الحقوقية والى الأحزاب المعارضة.

كما أن السير في طريق الديمقراطية لا يتوقف عند فتح الأسواق وتشجيع الاستثمار
وتسهيل التبادل والاستهلاك وتمكين غالبية الناس من التنقل والترفيه بل إحراز
الشعب النصر التام على الظلم والمساواة الكاملة دون تمييز والقضاء النهائي على
التفاوت وبلوغ مستوى من التنمية العادلة التي تكفل كرامة الناس.

بهذا المعنى لا تعبر الديمقراطية عن تغيير في النظام السياسي للدولة وذلك
بالانتقال من سلطة الحزب الواحد وتحكم الفرد الواحد في القرار والاقتصار على
عدد قليل من الحكام في تنظيم الشأن العام إلى تعددية حزبية تداولية ترسخ سلطة
مشتركة تقوم على التمثيل النسبي لإرادة الشعب وتعزز قيم السلم والتعايش.كما يترتب
عن ذلك أن فعل الدمقرطة يفضي إلى وضع الأفراد والجماعات والأحزاب والهيئات
والجمعيات والدول والمجتمعات والثقافات إلى الانفتاح وتبني منظومة ديمقراطية
في اتخاذ القرار والتسيير والتنفيذ والقطع مع الممارسة الكليانية والتقاليد
الشمولية والقيم الديكتاتورية والنزعة التسلطية والروح الانغلاقية. غني عن
البيان أن فعل الدمقرطة لا يعني التعميم الفارغ واستبلاه العقول وتعويم
المطالب وتأجيل الاستحقاقات والتحرك عند الحاجة والعمل عند الضرورة والاشتغال
على المواسم والمناسبات وإنما تكافؤ الفرص وتتساوي الحظوظ وتدعيم التربية على
المبادئ الديمقراطية وتدريب الفاعلين على التنوير الراديكالي وعلى التثقيف
المدني. فهل أراد خير الدين ببناء نظام حكم يرتكز على الجمع بين القانون
والقوة أن يجمع أيضا بين الحكم الدستوري والحكم الملكي وذلك بالاقتداء
بالسياسة العقلية عند ابن خلدون والتعويل على السياسة الواقعية للمصلحين؟ والى
أي حد يفضي تفضيل الله لنوع الإنسان بالعقل إلى التعاون على البر وحسن تدبير
العمران بإقامة العدل؟

الاحالات والهوامش:

[1] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref1>  التونسي خير الدين،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*
، تحقيق المنصف الشنوفي، مجمع بيت الحكمةـ قرطاج، تونس، طبعة أولى، 2013، ص94.

[2] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref2>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور،ص211.

[3] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref3>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور، ص145

[4] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref4>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور، ص163

[5] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref5>  التونسي خير الدين،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*. مصدر مذكور، ص98.

[6] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref6>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور، ص156

[7] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref7>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور،ص.101.

[8] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref8>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور، ص139

[9] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref9>
قول مأثور للخالد علي بن غذاهم. أنظر
*الانتفاضات الشعبية والحركات التحررية في تونس*
بين 1800 و1952، ملتقى علي بن غذاهم بالقصرين،  الدار التونسية للنشر،
أفريل، 1983، ص85.

[10] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref10>
أنظر كتاب البشروش ( توفيق)،
*ربيع العربان، أضواء عن أسباب ثورة علي بن غذاهم سنة 1864*
، مجمع بيت الحكمة، قرطاج، تونس، طبعة أولى،1991.

[11] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref11>  أنظر
*الانتفاضات الشعبية والحركات التحررية في تونس*
بين 1800 و1952، ملتقى علي بن غذاهم بالقصرين،  الدار التونسية للنشر،
أفريل، 1983،

[12] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref12>   البشروش ( توفيق)،
*ربيع العربان، أضواء عن أسباب ثورة علي بن غذاهم سنة 1864*
، مجمع بيت الحكمة، قرطاج، تونس، طبعة أولى،1991.

[13] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref13>  غانياج (جان)،
*ثورة علي بن غذاهم، 1864، وهو الباب الخامس من كتاب أصول الحماية
الفرنسية للايالة التونسية،*
ترجمة لجنة من كتابة الدولة للشؤون الثقافية ، الدار التونسية للنشر،
طبعة أولى، 1965،
ص12.

[14] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref14>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور، ص134.

[15] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref15>  أنظر
*الانتفاضات الشعبية والحركات التحررية في تونس*
بين 1800 و1952، ملتقى علي بن غذاهم بالقصرين،  الدار التونسية للنشر،
أفريل، 1983،ص96

[16] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref16>  غوشيه (مارسيل)،
*الدين في الديمقراطية*
، ترجمة شفيق محسن، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، طبعة 2007، ص130.

[17] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref17>  غوشيه (مارسيل)،
*الدين في الديمقراطية*، مرجع مذكور، ص153.

[18] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref18>  التونسي (خير الدين)،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور، ص158.

[19] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref19>  التونسي خير الدين،
*أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك*، مصدر مذكور، ص210.

[20] <https://mail.google.com/mail/u/0/#_ftnref20>  أنظر
*الانتفاضات الشعبية والحركات التحررية في تونس*
بين 1800 و1952، ملتقى علي بن غذاهم بالقصرين،  الدار التونسية للنشر،
أفريل، 1983،ص71.

المصادر والمراجع:

التونسي (خير الدين)، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق المنصف
الشنوفي، مجمع بيت الحكمةـ قرطاج، تونس، طبعة أولى، 2013،

الانتفاضات الشعبية والحركات التحررية في تونس بين 1800 و1952، ملتقى علي بن
غذاهم بالقصرين،  الدار التونسية للنشر، أفريل، 1983،

البشروش ( توفيق)، ربيع العربان، أضواء عن أسباب ثورة علي بن غذاهم سنة 1864،
مجمع بيت الحكمة، قرطاج، تونس، طبعة أولى، 1991.

غانياج (جان)، ثورة علي بن غذاهم، 1864، وهو الباب الخامس من كتاب أصول
الحماية الفرنسية للايالة التونسية،
ترجمة لجنة من كتابة الدولة للشؤون
الثقافية ، الدار التونسية للنشر، طبعة أولى، 1965،

غوشيه (مارسيل)، الدين في الديمقراطية، ترجمة شفيق محسن، المنظمة العربية
للترجمة، بيروت، طبعة 2007،

كاتب فلسفي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع