غصن على متن السراب ورحلة توثيق الوجع للكاتبة نوجين قدو

454
غصن على متن السراب ورحلة توثيق الوجع للكاتبة نوجين قدو
ريبر هبون

فيما لا شك فيه فإن التفاصيل المؤلمة والذكريات التي تتضمنها صفحات الرواية، تضعنا في حالة شجون متواصلة، حيث برزت لغة الروائية منسابة، سلسة وواضحة أشبه بتخاطرات تمس كوامن الإنسان الشرق أوسطي عموماً لما عاشه أو يعيشه من أحداث مقاربة والإنسان الكردي بصورة خاصة كونه من شخوص رواية الفجيعة المتكررة والتي يكتبها الزمن والتاريخ المكرر لنفسه، فجاءت اللغة هنا تخاطرية ، تقريرية تميل إلى الرتابة منها إلى الإدهاش، وقد غلب حس التوثيق لدى نوجين قدو على حس التخييل، وقلّت الحوارات في متن الرواية بالمقارنة مع السرد التقريري التسجيلي الذي هيمن على غالب مفاصل الرواية، لتعبر عن قصص مختلطة متعددة ومتشعبة في تداخلها على هيئة تراكب النفسي مع المعاناة الجمعية ، أما عن اللغة فقد بدت واضحة فصيحة، وإن استولى عليها تعبير كان، الذي يشير إلى الماضي، فالواقعية السردية هنا حالت دون بروز عنصر التخييل الذي يشير للماضي، وقد حالت دون بروز عنصر التخييل الذي بدوره يشد القارئ، نظراً لاستبداد كارثة عفرين ووقوعها بيد المرتزقة على نفسية المبدع الكردي، فلم تأبه نوجين قدو لتقاليد الرواية وراحت توثق وتدين وتشجب علّ روحها تهدأ، أو لتشعر أنها قدّمت للتاريخ الحي والبعيد صورة الفظائع المرتكبة على أرض الزيتون وبأبناءها الميامين، فقامت بوصف الأحداث دون الدخول للأفكار، تاركاً للمتلقي حرية أكبر في تقييم حيوات الشخوص، كون الكاتبة اتخذت مساراً مغايراً يتسم بالتركيز على الحدث وهوله وقد غاب التساؤل
. عن الرواية وكثر الوجع بلا هوادة ليخيم على لغة النص من مبتداه إلى منتهاه
ركزت نوجين على الشخصيات المتحلقة حول بطلة الرواية تيا بمحاذاة استغراقها في تجسيد الحرب، ص35 : < كانت الغارات متواصلة والقذائف ترمى من كل حدب وصوب ، نحو المقرات العسكرية والتجمعات المدنية، فيتعالى صخب الموت كل يوم وتعلو زغاريد أمهات الشهداء قهراً وتعذيباً ، تلوك الأكفان أجساد الصغار
< .والكبار أينما اتفق
تماماً تضعنا الكاتبة أمام مشاهد الهول والويل، فكان الحس الدرامي متبايناً ما بين الدخول في مضافة الذكريات والخروج منها لما يجري على أرض التين
. والزيتون
حيث يقول الروائي الأمريكي ستيفن كينغ :< إن لم يكن لديك وقت للقراءة، يعني
< . أنك لا تملك الوقت وأدوات الكتابة،
وقد استغنت الروائية عن تلك الأدوات لتأثرها المفرط بواقع اضطرها لقراءته ملياً على نحو يبعث على الألم واليأس، لسان حالها وجعها وشجونها وغربتها، وقد جسدت مقولي الروائي الروسي أنطون تشيخوف حين قال : <لا تقل لي إن
< . القمر مضيء، بل أرني بريق ضوئه على زجاج مهشم
وقد أطلت الكاتبة من ذلك الزجاج المهشم ، لتخبرنا بأثر أن يفقد المرء مسقط رأسه حينما تسقط مدينته بيد حفنة من شذّاذ الآفاق ترعاهم تركيا التي بنت
. وجودها الأساس على الدم والغزو وإزهاق الأرواح
لقد سجلت نوجين قدو الأحداث معتمدة على حصيلة من تجارب ذاتية وأخرى متعلقة بالمحيط، وبغياب الترابط على مستوى تسلسل الأحداث فإن ذلك يعزى إلى هيمنة الجانب النفسي على العملية الفنية، إثر فرط الوجع وتشعب الأفكار بما أنها تجربة أولى للكاتبة نوجين قدو فإن المستقبل القريب سيرتب لها في دفتيه. طرائق أخرى من السرد والحوار تتخطى بهما مرحلة البداية بلا ريب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع