غروبٌ أم شروقٌ

452

شئتَ أم ابيتَ هناك أمورٌ لا تمرّ بسهولة، مهما حاولتَ، تبقى تجترّ داخلك
بقاياها، تلك الأشياءُ او المواقفُ قد تذهبُ ولكن تجرّ ذيولاً طويلةً
لفساتينها التي احتفلت وأعْرستْ في نفسك، غير ان الصّعب قد يمرّ ويتاح له
أن يذوبَ أو يتسربَ ولكن الأصعب قد لا يجد نفس الفرصة الا بالقصِّ او
البتر مثل جرح الصُّرة تماماً، أثرٌ يندملُ ولكن لا يزول.
يشقُّ عليّ نسيان تلك الأيام الصّعبة على رأس الثمانينات ونحن أطفال قلة،
مع معلمينا الشبان الذين يعدون على رؤوس الأصابع، نتقاسم شَغَفَ العيش في
تلك المباني الطّينية التي شرعنا في تلقى اولى دروسنا الابتدائية فيها
ولبنات بعض جدرانها لم تجف بعد خضراء لينة مثلنا، في سباق محموم بين بناء
الجدران وتأسيس انسان الغد، في تلك الأرض الجرداء “الحمادة”، بمدرستنا
“تسعة يونيو” التي سميت على تاريخ فقدان قائد ثورتنا الشاب المثالي الذي
رحل شهيدا مضرجا بدمائه وهو لا يزال في عشرينات العمر.
ذاكرتي ما تزال مبللة بتلك الصور لملابسنا الموحدة الضارب لونها الى
السواد، في حين لا تختلف زميلاتنا عنّا فيها سوى بنقط بيضاء صغيرة كنجوم
على الفستان، ولا يزال طعم الماء المالح المرّ في فمي الى اليوم، الذي
يفقد الصابون رغوته ربما من فرط تركيز الاملاح فيه.
صارت الدروس الاولى مثل رؤيا السراب مشوشة في ذهني قليلا غير ان ملكة
اللغة والكتابة الصحيحة والقراءة المتأنية قد شهد بها أغلب زملائي انهم
لم يزدادوا في القراءة والكتابة والصرف الا النزر القليل حتى الدخول الى
الجامعات.
التحدي فرض على شعبنا ككل، فكان مثل طير بط يفقس لاول مرة، مع فراخ دجاج،
يتجه فراخ الدجاج الى النبش في الارض للبحث عن خشاشها، بينما تتجه الفطرة
التي فطر عليها فرخ البط الى النهر كي يسبح في الماء.
كل لما قدر له نحن قسم لنا ان نعيش التحدي من أجل البقاء، وكان لزاما ان
نتعلم كيف نسبح وكيف نغطس وأخيرا كيف نطير.
كانت اللعبة حقيقية كحلبات المصارعة بالسيوف حتى الموت، لقد اعطي
المتآمرون أدوات القتل واسلحته الفتاكة
وأحاطوا بشعبنا وكان هو الوحيد الاعزل في تلك المجزرة.
كان الناجون من القتل هم الذين وصلوا الى ارض اللجوء بل الى جزيرة النجاة
بتعبير أدق.
اليوم يبدو أن مشروع الغروب الذي اريد لطمس شمس الشعب الصحراوي تحول
بالارادة والتخطيط لدولة العلم بغرسها بأيد مخلصة واعية في ثلة الاطفال
الى شروق لصبح جديد، فؤلئك أطفال الامس هم آباء وأمهات لمئات الخرجين من
الجامعات اليوم من كل بقاع العالم
ولم تعد مدرسة تسعة يونيو الا ذكرى في ذهن الآباء ورمز للتحدي، أما جزيرة
النجاة فتحولت الى معقل المقاومة وقلعة النصر والدولة الصحراوية تنبت
الآن في الارض المحررة لتثبت السيادة على الجزء المحرر بدماء الشهداء.
أما المتآمرون فكسرت ادواتهم الحادة ولم يعد الشعب الصحراوي بلا سلاح بل
صار يعض وعضته تسيل الدم ويهابها الجميع غير ان المعركة لا تزال متواصلة
رغم انسحاب البعض وتغير بعض اساليب وتكتيكات النزال.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع