عودة بعد فوات الأوان

261
عودة بعد فوات الأوان
وعد فايز موسى

بعد عناءٍ استمرَ لأربعِ محطاتٍ من الموتِ الحيّ عادت لي، بدموعٍ منهمرة من قلبِها :أعتذر جدًا لم يكُن لدي الرغبة لترككَ في أصعب مراحل العُمر؛ سرقتني الدّنيا منك وحرمني من مجابهتِي لحروبِك، إن كانَ قلبكَ يحمُل خصلًا من وداد سامِحني فالشوقُ غلبَني والروحُ أبَت أن تتغربَ.

-أعُدتِ يا نوال! بعدَ ماذا وماذا أُسامِحُكِ؟ أتعلمين! في أولِ يومٍ غادرتِ ظننتُ أنّها استراحةُ محاربٍ كما كنتِ تفعلين بعض الوقت، أو أنكِ من شدّة حزنكِ وانفجاعكِ بمرضي لا تستطيعين التكلّم، لم أفكّر أبدًا أنّه من المُمكن أن تترُكيني في منتصفِ الطّريقِ وترحلي، أرسلتُ لكِ “لا تقلقي يا نَوال سأكونُ بخير، سنتجاوَز هذا سويًّا، لن يكون نهايةَ الأمرِ الموت صدقيني! نعم سأموت هذا مُقدّر ولكن ليس بالمرض، اللهُ معي، ومن ثمّ أنتِ هُنا”، انتظرتُ في اليوم التّالي عسى أن يأتيني ردٌّ منكِ ولكن لم يصل! أنتظرتُ أيامًا تتلوها أيام، وأصبحت الأيامُ شهور واذ بي أنهي آخرَ جرعةٍ من الكيماوي المميت، ولكن لم أكُن حينها أنتظِرُكِ؛ لأنّكِ انتهيتِ معها، انتهيتِ بداخلي كما ينتهي أيُّ شيءٍ، أتدركينَ حجمَ الخيبةِ التي وضعتِني بها؟ بأي وجهٍ اتيتِ بعد أن عادت لي صحّتي لتقولي سامحني، من أنتِ بالنسبةِ لي بعدَ الآن؟ لا شيء، اوَ حتّى اللاشيء قليلٌ بحقكِ، صنعتِ بقلبي حفرةٌ لا قاعَ لها وأرمي بها كلّ ذكرياتنا.

قَد تجرعتُ العلقمَ يا أُسامة، أرجوك لا تتركنا للمآسي التي رحلَت، دعنا نعودُ من جديد، لنتعرف الآن، لأُخبركَ باسمي، وما أحب وأبغضُ من الأمور، لأقول لكَ عن حياتِي، وكيفَ أنّني أهوى تفاصيلكَ بسرٍ ودعوتُ سنينَ لتُصبِحَ بعالمي.

– العلقمُ أنا من كنتُ أصبّهُ بوريدي مع كلِّ جرعةٍ تُبيدُ أعضائي، لا تَزيدي وتغويني، وتضعِفي مقاوماتي، هجَرنَا الهوى وباع كلّ تفاصيلي المحبّبة لديكِ، ما عدتّ أنا أسامة الذي تعرفِيه، فلتنسي وجودي، ولتركني بمجالٍ بعيدٍ لا يوصلني بكِ البتّة، فقد سئمتُ أن أنتظركِ ولن أنتظر مرّاتٍ أخرى، كانَ هناكَ وتينٌ معقودٌ بيننا وقطعتيهِ ببعدكِ عندَ موتي..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع