عن الأيديولوجيا

270

ان كل عصر من العصور يخضع لأسلوب خاص من الحياة ونمط معين من السلوك كما يتميز بسيادة بعض التيارات العقلية وبوجود اتجاهات عقائدية او فلسفية او مذهبية.. فالايدولوجيا هي “محرك الجماعات” وهي كذالك ما يرسخ في اذهان الناس من فلسفات ومذاهب وعقائد تلك التي تخلق بين جموع الناس تيارا شعوريا واحد او حسب فهم اميل دوركايم “الضمير الجمعي “, بمعنى ان الأيديولوجيات على العموم هي مواجهة السلوك الذي يدفع الناس دفعا.. فهي كل ما يواجه الرأي العام ويؤثر على مخيال الناس ومداركهم وأذواقهم وأهمها الدين بعتباه اهم العوامل الأيديولوجية والثورية التي أحدثت طوال العصور تغيرات جذرية وحاسمة .

وحتى نتتبع الخيط الناظم لمصدر الأيديولوجيا و أصلها وجب التجوال في سماء الفكر الفرنسي وخاصة في مقدمات كوندياك وإسهامات باسكال وجرعات روسو.. كما ينبغي أيضا ان نشاهد وان نتابع ونسجل كيف هاجرت تلك المقدمات الفرنسية الى المانيا حيث اختمرت ونضجت في باطن الفلسفة الألمانية فتمخض العقل الألماني الخصب عن صدور فلسفات كانط وهيغل تلك التي تبعتها دراسات ماركس وكارل مانهايم , والايدولوجيا كمقولة إجتماعية هي محاولة ربط الفكر بالواقع ووصل العقل بالحياة ودمج المنطق بالوجود الاجتماعي لتوصل الى ما يسميه اندريه لاموش “سوسيولوجيا العقل”  .اما علما الاجتماع فينظرون الى الأيديولوجيات على انها وقائع وجب دراسة ماضيها ونشأتها وتطورها ثم محاولة تقنين القوانين التي تتحكم في مسارها , على إعتبار ان الأيديولوجيات هي ظواهر خاضعة لشروط الاجتماعية بمعنى انها مشروطة اجتماعيا. وبالإضافة الى ذلك فان تلك الأيديولوجيات انما تتباين وتتصارع حين تتداخل في البناءات والتنظيمات فتؤدي الى صراع بين الأفكار حين تعتبر الأفكار كأسلحة وتنظر اليها من خلال التحامها الايديولوجي إلا انها تقوم في نفس الوقت ببعض الوظائف الاجتماعية ..

وإذا كان الفكر الألماني يمتاز بالصورية والصرامة والتجريد, فان الفكر الفرنسي يتصف بالخصوبة والسخاء .. وبين المانيا وفرنسا حارت كلمة الأيديولوجيا كنتاج لفلسفة كوندياك تماما كما صدرت كلمة سوسيولوجيا لمنتج الفلسفة الوضعية اوغيست كونت ومن ناحية الأصل التاريخي واللغوي تعني كلمة أيديولوجيا “علم دراسة الأفكار” إلا انها كانت تستخدم في البداية للدلالة على كل فلسفة من الفلسفات المضادة فيزيقيا تلك التي كانت تفسر صدور الأفكار باشتقاقها عن الحس. وكوندياك هو اشهر فيلسوف فرنسي يعبر عن الاتجاه الحسي اصدق تعبير اذ تربى ما بين أحضان الفكر الإنجليزي التجريبي حيث اكدت المدرسة الإنجليزية ذالك المبدأ التجريبي القديم القائل( لا شيء في العقل ما لم يكن من قبل الحس .. ) وما يعنينا من كل هذا ان كلمة أيديولوجيا من الكلمات الفرنسية المصدر التي استقرت في مهدها فرنسا قبل ان تكتسب الأصل الألماني بهجرتها وانتقالها الى كتابات كانط وهيغل وهنا طرا عليها الكثير من التغيير بحيث استخدمت كي تشير الى عدد متكامل من الأفكار والمعتقدات او مجموع السمات والاتجاهات السائدة “جماعة او طبقة” .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع