صراع الدين و الحياة

322
صراع الدين و الحياة
محمد الدباسي

 

بعد أن تكلمنا عن فلسفة العبادة و ذكرنا بأن الذين يعبدون رباً مزيفاً لا يعانون مع آلهتهم بمعنى أنهم ليسوا في صراع أو اختلاف مع ربهم الذي يعبدونه و قد بينا أسباب ذلك و ذكرنا كذلك أنهم يواجهون صراعاً مع أنفسهم بعكس الذين ينتمون إلى الإسلام و الذين يقصرون مع ربهم فهم في صراع و الصراع هنا سببه هم لا من عند الله تعالى فهل يدلنا ذلك على أن هنالك صراعاً بين الله الرب الحقيقي و عباده ؟
بمعنى :
هل هنالك صراعاً بين الدين و الحياة ؟
و هل الصراع هنا بسبب عدم تناسب الدين مع الحياة ؟
هل لأن فرائض الدين لا تناسب الإنسان و لا الحياة ؟
هل يعطل الدين بهذا الصراع الحياة عن التطور ؟
تحدثنا من أن الله هو الخالق المستحق للعبادة و عندما تكلمنا في الفصل السابق عن فلسفة العبادة علمنا من أن الإسلام هو الدين الحق لأنه دين الصانع الحقيقي للكون .
لنعلم بداية بأن الدين هو المظلة التي ينتمي إليها أتباع رب ما للعبادة و أن هذه المظلة عبارة عن عقائد و معتقدات قد يكون تحتها أوامر و الأوامر هنا تكون خاصة بطقوس عبادات هذه الديانة و قد تخرج لتشمل خصوصيات البشر و خروجها هنا هو مكمن الصراع الذي يقولون عنه .
إن الدين هنا عندما يخرج من المعبد إلى حياة و خصوصيات البشر و يفرض الأوامر فهذا يدل على قوته و شموليته فقط عندما تتوافق تعاليم هذا الدين و أوامره مع الحياة و التوافق هنا ليس معناه أن نتوافق نحن و إن كان سيوافقنا لو كنا محايدين في تنفيذ هذه الأوامر لكن أن نترك الهوى و نرى تأثيره على الحياة لأن نتيجة التوافق هنا سينعكس أثره علينا بتوفير حياة طيبة نعيشها و هذه الحياة الطيبة قد يحققها لنا تلقائياً إن اتبعنا أوامره و قد نتعرض لابتلاءات و الابتلاءات في حقيقتها لا بد منها طالما أننا في الحياة الدنيا و طالما أننا سننال من الله خير الجزاء إن صبرنا عليها و هنا يكون السؤال :
هل صحيح أن هنالك جزاءً إن اتبعنا الأديان ؟
بمعنى أين ينتهي الصراع بين الدين و الحياة ؟
هنالك أديان ليس عندها جزاء فقط أوامر و معتقدات و عندما يموت الإنسان يفنى أو تنتقل روحه إلى مكان آخر و أجساد أخرى و لا يكون هنالك عقاب و هذا معتقد باطل في تصوره و ما بني على باطل فهو باطل و لو كان الأمر كذلك فأين العدل ؟
لماذا لم يكن كل البشر على مستوى واحد ؟
لماذا يموت البعض و لم تتحقق لهم السعادة ؟
أين من ظَلم و مات و لم تؤخذ منه الحقوق ؟
هل أنتهى كل شيء بموته ؟
هل فاز بأنه طوال حياته لم يُكتشف أمره ؟
قد يقولون أنه عوقب بأن أصبحت روحه شريرة و هنا لنتعرف على من تسبب هو في ظلمه ؟
كيف سيحصل على حقوقه ؟
كيف ستقر عينيه و هو لم يرى انتصاره على من ظلمه ؟
من سيعوضه عن أيام بؤسه ؟
أما من يقولون بأن هنالك جزاءً إن اتبعنا الأديان بعد الموت فلا بد لقولهم من اثبات و الاثبات هنا كيف تعود روحه إلى جسده بعد الفناء ؟
من سيعيد ذلك ؟
لن يعيد ذلك إلا من استطاع أن يخلقها أول مره و ليس هنالك إلا الله عز وجل الرب الوحيد الذي اثبت قدرته على خلق الكون و ما فيه و هذا الأمر يعيدنا إلى أن الله عز وجل هو الرب الحق الذي خلق الكائنات أول مرة و بالتالي هو من سيعيد لتلك الكائنات تلك الروح و على ذلك فدينه دين الحق .
كذلك لا بد لمن قال بأن هنالك جزاءً و أن هنالك رباً يجازي و هو الله مثل اليهود و النصارى لا بد أن يوافق دينهم ما يقولون بالاتباع الصحيح لهذا الرب و إلا فليس لما يقولونه قيمة فكيف يعترفون بالجزاء و لا يستعدون له بالطريقة الصحيحة ؟
كيف يدعون بأنهم يتبعون الله الحق و يخالفون منهجه الذي يأمرهم باتباع آخر أنبياءه ؟
و لذلك لن يكون الدين الحق إلا باتباع الرب الحق و قبول منهجه سبحانه .
بقبول كل ما جاء به الله عز و جل .
بالإيمان بكل كتبه و رسله .
لنترك الحديث عن الجزاء للفصول القادمة و لنعد للصراع و هنا سؤال :
طالما أننا مع الدين الحق و الذي هو من الله الحق الذي جاء بدين يناسب الحياة فلماذا الصراع إذاً ؟
هل هو بسبب البشر الذين دخلوا الدين و اتبعوه بإرادتهم و هنا نسأل :
إذاً فلماذا خالفوه ؟
أم هو من الدين الذي لم يتغير مع الحياة و هنا قد نقول لماذا أوجد الله هذا الصراع ؟
بداية لنعلم أن الصراع بين الدين و الحياة هو صراع باطل في حقيقته لأن الصراع لا يكون إلا بين قوتين متضادين و لا تضاد هنا بين الدين و الحياة .
نعم .. لا تضاد و لو قلنا بالتضاد هنا فإننا نقدح في الله عز وجل الذي آمنا و أقررنا بأنه صانع هذا الكون فالله أوجد هذا الكون و هو المكان و كذلك أوجد هذا الدين و الذي هو القانون الذي يدير ذلك المكان و لو كان للكون صانع و للدين موجد آخر لقلنا بعدم التناسق لكن طالما أن الصانع و الموجد واحد فاحتمالية التناسق كبيرة جداً و لذلك نقول بأن الدين يناسب الحياة التي نعيشها لا كما يسوق البعض من أن الدين لا يناسب الحياة بل أن الحياة لن تستقيم بعيداً عن الدين .
إن الذي أوجد الصراع بين الدين و الحياة هم العباد .
هم البشر .
هو الهوى .
نعم !
إن النفس البشرية لا تحب أن تتقيد بطبيعتها و لا تريد أن تتلقى الأوامر حتى لو كانت تلك الأوامر فيها من الخير العظيم لها .
إن النفس البشرية عندما وجدت إله لا يأمرها و لا تشعر أن حياتها و كل سكناتها مراقبة من قبل ذلك الرب فلن تكون في خلاف معه و هذا ما توفره كل الديانات الباطلة و إن كانت لها أوامر فإنها على استحياء .
نعم .. فهي مجرد ديانات لا تقيم حياة و لا ترتقي بمجتمع بل هي ديانات و أرباب مزيفة كما ذكرنا سابقاً .
كيف لرب لم يخلق كوناً أن يهتم بهذا الكون ؟
إنها أرباب و ديانات تهتم بأنفسها فقط و بما يحمي بقائها و سطوتها لا بمن يعبدها هذا إن كانت تشعر بهذه العبادة أصلاً .
ماذا فعلت البقر لمن يعبدها و هل طورت من حالهم ؟
هل اهتمت الأصنام ببناء المجتمعات ؟
هل اهتم بوذا ببناء الإنسان البوذي و اهتمت بعلاقاته مع من حوله من بشر و طور الحياة ؟
هل وضع شرائعه أم وضعها له اتباعه ؟
بل هل الطواغيت التي تشعر و تملك روحاً فعلت شيئاً مما ذكر مع من يعبدها ؟
ثم أين اليهود و النصارى و اتباع الأديان السماوية الذين رفضوا اتباع خاتم الأنبياء و بالتالي رفضوا الاستمرار في الإسلام ؟
هل ارتقوا بالحياة الاجتماعية لمن ينتمي إليهم ؟
كيف حال مجتمعاتهم الآن ؟
إنها علاقة قائمة فقط على انتماء عابد لدين ، صحيح أن هنالك أوامر تفرض من بعض الديانات لكنها على استحياء كما ذكرنا و قد لا تكون مجبرة و ليس لها مكان في سباق الحياة و إن حاولت بل و حتى و إن كانت مجبِرة فهي لفئة دون غيرها و هي كذلك لمصلحة المعبد لا العابد .
إنها علاقة تنتهي حال الخروج من المعبد أتدرون لماذا ؟
لأنها لا تستطيع حماية عابدها .
لأنها باختصار لا تمتلك أسرار و مفاتيح هذا الكون و لذلك في كل الأديان الباطلة تراهم في تفاصيل العبادة يهتمون بالعزلة و يفضلونها على مخالطة الناس فهل سألتم لماذا ؟
لأن هذه العزلة باختصار تمنعه من مواجه الحياة و استكشافها .
لأن المخالطة تفضح دينهم و تعريه .
نعم تعريه و أنه لو كان باستطاعتهم بسط نفوذهم لفعلوا و لكن لأن دينهم كجرف هار لا يستطيع مواجهة الحياة و لا بنائها كما فعل الإسلام في الجزيرة العربية و آسيا و إفريقيا الأندلس و كل مكان بسط نفوذه فيه .
نعم في الأندلس تلك البلد التي نقل منها الإسلام حضارته إلى أوروبا فحاربوه ليس لأنه عدو لهم فقط .
لا ..
لكن لأن الإسلام أثبت للعالم بأنه ليس هنالك دين يستطيع أن يعيش الحياة مع البشر أو أن يقيم حضارة كتلك التي أقامها و لذلك حاربوه و قالوا علمانية و ليبرالية و إن كانوا حاربوه بعقيدة دينية باطلة .
إن الإسلام دين حياة .
صحيح أن الدين الإسلامي يدعوا للاعتكاف و يضع الأجور العظيمة لذلك لكنه جعل الأعظم منها لمن يواجه الحياة .
دعى للاعتكاف أيام معدودة و أمر بالخروج للحياة كل أيام السنة .
إن البشر هم من يحمون آلهتهم خارج المعبد فيدخلونها لمخبئها أو لداخل المعبد حتى لا يؤذيها أحد أو حتى لا تحطمها الرياح أو من أن تسرق فكيف تحمي من يعبدها خارج المعبد ففاقد الشيء لا يعطيه .
إن العَالَم عندما يترك ربه و أوامره في المعبد ليخرج إلى الحياة فيجد أن المسلم قد أحضر دينه معه و استخدمه في كل أفعاله و تصرفاته .
يرى دين المسلم يشاركه السوق و الشارع .
يرى كل ذلك و هو لا يستطيع أن يأتي بدينه لأنه باختصار لم يوجد للحياة و لذلك لن يستفيد باستخدام دينه الباطل في الحياة فعندها سيكون الصدام لا محاله و يكون الصراع لا محالة .
صدام بين العَالَم و بين هذا الدين .
و صراع كذلك مع هذا المسلم الذي يحمل هذا الدين معه للحياة لإخراج الدين منه أو اتهامه بتخريب العالم .
إنه صدام لإخراج الدين من الحياة كما خرجت كل الأديان قبل ذلك إن كانت دخلت للحياة أصلاً .
إن الأديان عندما تُترك في المعابد فلن تستطيع الإحاطة بما هو خارج المعبد و لذلك ترضى بذلك القعود لكن الإسلام لم يوجد ليُترك في المساجد إنه دين حياة و الحياة هنا ليست كما يظن البعض من أنها حياة مقيدة و أنها عطلت التطور و هذا بالضبط ما يروجون له عن الإسلام .
إنها إشاعات مغرضة يطلقها من لم يستطع مجاراة الإسلام في هذه الحياة فكانت تلك الأقاويل .
إنه دين خرج للحياة ليرتقي بها و بكل من فيها .
قد يقول قائل بأن العالم عاش حضارة كبيرة في اليونان و فارس و الروم و غير ذلك بعيداً عن الإسلام فكيف تقولون بأن الإسلام وحده من يبني الحضارة ؟
كيف تقولون بأن الأديان التي كانت منتشرة في تلك الفترة لم تحقق تلك النقلات لأبنائها ؟
سنجيب على ذلك في مقال قادم بعنوان :
هل يحارب الإسلام العلم و التطور ؟ .

محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي يمني
رئيس الاتحاد العالمي للمثقفين العرب
عضو مجلس أمناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة و عضو بعدة كيانات
maldubasi@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات