شبكة الإعلام بلا عراقي ؟!!

173

محمد حسن الساعدي

منذ تأسست شبكة الإعلام في العراق ، ولم تكن يوماً تحمل شراع المهنية ، فمنذ
تسلمها حزب الدعوة وتحولت الشبكة إلى مقر لهم ، ونشر فكرهم وتوجيه الرأي العام
لهم ، وقوبل الكاتب الذي يختلف بالتوجه بالطرد ، وأمست مجيرة لهذا الحزب ، ولم
تكتفي بهذا الأمر بل تعتده إلى منع ونشر أي فكر يختلف مع توجهاتهم ، بل
والترويج لأي شخصية علمائية وسياسية ومهما كان دورها في العراق ، والتي كان
لها الأثر الكبير والمهم على الساحة العراقية، بل حتى تعدى إلى محاولة تهميش
دور المرجعية الدينية العليا سواءً قبل نظام صدام أو ما بعده ، ومحاولة
التغاضي عن دور مراجع الدين الكبار والذين كان لهم دوراً كبيراً وبارزاً في
حفظ كيان الأمة الإسلامية ووحدة العراق ارضاً وشعباً .

الإعلام ما هو إلا عين تراقب الحدث أينما كان وأينما حل لتقرأه وتعكسه على
القارئ أو المشاهد ، لتكون هي العين التي ترى الأحداث ، فبفضل وسائل الاتصال
المتنوعة، أصبح الناس أفرادا وجماعات يعرفون بعضهم بعضا على نحو أوسع وأدق،
وهذا ما قاد إلى تقليل الفوارق والفجوات الواسعة في التفكير والسلوك بين
الفرقاء، في الدين او المعتقد أو الآراء السياسية وسواها، لذا فإن الإعلام كما
يذهب بعض المعنيين، هو وسيلة عرض الحقائق ،، وهو وسيلة ترويج للفكر أو الرأي،
ويتدخل الإعلام في مختلف أنواع الصراعات، لاسيما بين الدول، لكنْ ثمة صراع
دائم وقائم، بين الفرد الموجود، وبين السلطة التي تضع الدستور خلف ظهرها،
فلهذا يمارس الإعلام دوراً في إدارة هذا الصراع، ويمارس وسيلة ضغط على
الحكومات المستبدة ، والنظام البعثي القمعي وأنظمته القمعية، سخر الإعلامَ
لخدمة هواه وبما يتلاءم وفكره وتوجهاته، فقد كان الإعلام ومؤسساته على مدار
عهد النظام البائد إعلامًا يهدف إلى شخصنة العراق في صدام، والأصل في المؤسسة
الإعلامية أنها ملك للأمة، فلا يجوز أن تستخدم أموال الشعب في صناعة جهاز يكذب
عليهم.

فضائيه العراقية وتشكيلاتها مثال حي على ما نقول ، فهي تمارس شكلا من أشكال
البوق الحزبي وتعكس حالة من يسيطر على أدارتها ، مع العلم أن هناك هيئه أمناء
مشكله من الجميع ، ومن أهل الخبرة والاختصاص ، ورغم ذلك فهي موجهه كلياً نحو
تلميع  الكتل السياسية المتنفذة على السلطة وشخصوها في العراق ، مع تهميش كامل
لكل خبر أو تقرير لسياسي أو كتله ربما تختلف أو تعارض سياسة الحاكم .

أن أي تقاطع بين الديمقراطية والإعلام ، فإن تجربتنا ستقع في فخ الإعلام
الحكومي الموجّه، وتبدأ بوادر تسييس وسائل الاتصال ودمجها بصوت الحكومة،
بخطوات قد لا تجلب الانتباه من الجمهور ، وقد لا تثير لغطا، أو ردود أفعال
قوية، كونها ليست ذات تأثير قوي، أو واضح في الساحة السياسية وغيرها، (ودائما
تبدأ الحرائق الكبيرة بشرارة صغيرة كما يُقال)، فالخطوة الصغيرة في هذا
الاتجاه، ستنمو وتتكاثر، لتصبح منهجا يُعمل به، بغض النظر عن مساؤه .

أعتقد من الضروري على الحكومة أن لا تخطئ فيجعلون من الإعلام تابعا ومهمشا
وضعيفا، لأن ضعف الإعلام وتهميشه، وسحبه إلى ساحة الصوت الحزبي ، هو مؤشر على
سيطرة هذه الأحزاب على السلطات الأخرى، وهذا ما يشكل فشلا ذريعا لتجربة العراق
الديمقراطية الحديثة، بل يشكل رجوعا إلى المربع الأول، حيث الدكتاتورية،
والشمولية، والنهج الأحادي الذي يسيطر على الحياة برمتها، ولهذا أيضا لاينبغي
للحكومة أن تتخذ أسلوب المراقبة والمتابعة لتقف على سلبياتها وأخطائها وتحاول
معالجه هذه الأخطاء ، وان تكون حياديه في التعامل مع الإعلام، ولا يصح استخدام
المنهج الانغلاقي والمصادرة وما شابه، إلا في حدود القانون وبما نص عليه
الدستور العراقي، الذي كفل الحريات جميعها ومنها حرية الصحافة ، وان تكون
للأعلام حرية التعبير عن الواقع السياسي بصديقه عاليه بعيداً عن التأثيرات
الحزبية أو التأثير الحكومي ، والذي أصبح واضحا وملموساً ، لأننا نسيء إلى
تجربتنا الفتية ، وهذا ما لا يجب أن يسمح به الشعب العراقي ، وذلك بتعاون
الجميع من أجل بناء الدولة الدستورية التي نحلم بها ونسعى إلى تحقيقها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع