سنوات ألحب والدموع
بقلم: الروائية ھدى حجاجي
مصر
الفصل الثالث (مشاهد داخل المخيم)
: حين يعانق الرماد الحلم
—
المشهد الأول: الطريق إلى المجهول
كانت السماء ملبدة برماد الغبار، والطريق يبتلع السيارة الصغيرة التي تقلّها نحو المخيم. تتشبث أسيل بمقبض الباب، تحدّق في الأفق حيث الخيام تنتشر كندوب على جسد الأرض. كلما اقتربت، ازدادت ضربات قلبها… لم تعد تعرف إن كان الخوف من هذا المكان أم من يوسف الذي ستراه بعد سنوات من الصمت.
(مونولوج داخلي)
“لماذا أتيتُ إلى هنا؟ أبحث عن إنقاذ الآخرين أم عن إنقاذ نفسي من بقايا حياة تقتلني كل يوم؟”
المشهد الثاني: اللقاء الذي لم يكن في الحسبان
صوت أطفال يركضون حفاة، نساء يحملن قدورًا فارغة، ورجال يجلسون في صمت يقتل. فجأة، لمحتْه… يوسف، بوجهه الذي ازدادت ملامحه خشونة، يرتدي سترة بيضاء تحمل شعار المنظمة. كان ينحني ليساعد طفلًا جريحًا، وعيناه مرهقتان كسماء الشتاء.
التقت عيناها بعينيه. لحظة واحدة كانت كافية لنسف كل جدران المسافة بينهما. شعرَ بها، لكنه تظاهر بالانشغال. اقترب بخطوات بطيئة، وعيناه تفرّان منها إلى الأرض.
يوسف (بصوت خافت وهو يمد يده):
– أهلاً… لم أتوقع أن أراك هنا.
أسيل (بابتسامة باهتة):
– وأنا أيضًا… لم أتوقع أن ألتقيك في قلب الخراب.
المشهد الثالث: خيمة الاحتمالات
بعد ساعات من العمل التطوعي، جلست أسيل داخل خيمة صغيرة تحتمي من الريح. كان الليل قد بدأ يزحف، والبرد يتسلل إلى عظامها. دخل يوسف، يحمل كوبين من الشاي الساخن.
يوسف (يضع الكوب أمامها):
– ما زلتِ تحبين الشاي بالنعناع؟
أسيل (تأخذ الكوب بارتباك):
– وما زلتَ تتذكر التفاصيل… غريب.
صمت طويل، لا يقطعه سوى صفير الريح. ثم قال يوسف، وعيناه تحترقان بشيء يشبه الغضب والحنين:
– لماذا أغلقتِ كل الأبواب؟ لماذا لم تمنحيني فرصة؟
أسيل (تنظر إلى الخارج، صوتها متماسك):
– لأنني كنتُ أغرق يا يوسف… وأنت لم تكن شاطئي.
Hoda
الفصل الرابع: أوتار معلّقة
الليل كان أطول من المعتاد، والريح تعزف موسيقاها الحزينة بين الخيام. أسيل جلست على حافة السرير الحديدي في خيمتها، تحدق في شاشة هاتفها الصغير الذي التقط إشارات ضعيفة من شبكة متقطعة. رسالة جديدة ظهرت فجأة، عنوانها مألوف…
“زوجك”.
ارتجفت أصابعها وهي تفتح الرسالة:
“أقسم بالله يا أسيل، لو لم تعودي خلال 48 ساعة، سأجعلك عبرة لكل امرأة تظن أن بوسعها الهروب من زوجها. طفلك ليس لك وحدك. عودي… قبل أن تندمي.”
سقط الهاتف من يدها، وارتطم بالأرض، صوتها اختنق في صدرها. وضعت كفيها على وجهها، وصوت يوسف ما زال يتردد في رأسها من لقاء الأمس:
“أحيانًا الموت يمنحنا سببًا للحياة.”
أحست أن الموت يحيط بها فعلًا… ليس من القذائف، بل من الحياة نفسها.
—
المشهد الثاني: صوت في العاصفة
دوّى انفجار بعيد، جعل الأرض ترتجف، فاندفعت أسيل خارج الخيمة. المخيم تحوّل إلى دوامة من الصراخ، رجال يركضون، نساء تحتضن الأطفال. رأته وسط الظلام، يوسف يوزّع التعليمات على الشباب:
– أسرعوا! إلى الجهة الشرقية!
حين لمحها، ركض نحوها:
يوسف (يمسك ذراعها بقوة):
– ماذا تفعلين هنا؟ ابقي داخل الخيمة!
أسيل (بعينين دامعتين):
– لا أستطيع… يوسف، الأمور تتعقد!
لكن يوسف لم يترك لها فرصة، دفعها برفق نحو السيارة المصفحة القريبة:
– اركبي… لن أسمح أن يصيبك أذى.
المشهد الثالث: الهجوم
قبل أن تفتح أسيل باب السيارة، اخترق المكان صوت رصاص قريب. أزيز الرصاص شقّ الهواء، وسقط شاب متطوع على الأرض مضرجًا بدمائه. تجمّدت أسيل في مكانها، لكن يوسف أمسك بها بقوة أكبر، جذبها خلف ساتر ترابي.
كان صدره يعلو ويهبط بسرعة، وجهه ملطخ بالغبار، وعيناه تحترقان:
يوسف (بصوت منخفض لكنه حاد):
– اسمعيني… قد نموت في أي لحظة، لكنني لن أسامح نفسي إن متِّ من أجلي.
نظرت إليه، والدموع تختلط بالغبار على وجهها. كل الأصوات من حولها تلاشت. لم يبقَ إلا نبض قلبها، وصوت يوسف وهو يضيف:
– لم أتوقف عن حبك يا أسيل… ولا يوم.
—
المشهد الرابع: قبلة على حافة الموت
ارتجفت شفتاها، أرادت أن تقول شيئًا، لكن قذيفة سقطت على بعد أمتار، فاهتز الساتر، وانحنت فوقه بفعل الموجة. انقلب يوسف فوقها يحميها بجسده، والغبار يملأ الأفق.
حين هدأ الصدى، فتحت عينيها، فوجدته قريبًا جدًا، يلهث، وجهه على بعد أنفاس منها. تلك اللحظة كسرت كل أوتار الصمت التي شدّتها السنين. استسلمت للحظة، وهمست:
– يوسف… لا أريد أن أموت قبل أن أقول لك…
لم تكمل، فقد التصقت شفتاه بشفتيها قبلة قصيرة، كصرخة وسط العاصفة، قبل أن ينتفض واقفًا:
– قومي! يجب أن نخرج من هنا!
المشهد الخامس: النهاية المعلقة
هربا معًا نحو سيارة الإسعاف، والأصوات تتعالى خلفهما. ركب يوسف مقعد السائق، وانطلقت السيارة في طريق ترابي ضيق، يبتلعها الظلام.
كانت أسيل ترتجف، تحمل في يدها دفترها الصغير، وفي قلبها قبلة لم تكتمل… وقنبلة موقوتة اسمها: الرسالة.
“هل أعود لبيتي، أم أعود ليوسف؟ أم أهرب من الجميع؟”
في الخلفية، كان الهاتف يضيء بإشعار جديد…
“الوقت ينفد يا أسيل.”
التهديد من الزوج.
القبلة التي ستقلب حياة أسيل رأسًا على عقب.
الخطر المستمر في المخيم.