سليم علولو، والمرتحلون في الذاكرة..

437

بقلم محمد أمين المكشاح

ما من نهاية…

يقول ألكسندر اليوت في كتابه آفاق الفن ” أما الرائعة فالمقصود بها أن يختبرها المرء، أن تنفذ إلى قلبه. فالرائعة يجب أن تؤخذ كاملة إلى أعماق الوعي ويعاد خلقها هناك من جديد. فهي تسطع في حجرات القلب المظلمة.”

اكتشفت لعبة النرد سنة 2009، شدت اللعبة انتباهي وأثارت شغفي في فترة ضقت فيها ذرعا بعديد التفاصيل، تلك السنة رسبت أول مرة منذ بدأت الدراسة، بكالوريا 2008- 2009، فكرت حينها أن الحصول على المراتب المتقدمة في خضم المنافسة هو مفتاح الفوز باللعبة، وأعترف أني كنت مخطئا.

سنة 1944 ومع إصدار كتاب “نظرية الألعاب والتصرف الاقتصادي” من تأليف عالمي الرياضيات “جون فون نيومان” و “أوسكار مورغن شتيرن” بدأ النقاش فعليا في مبادئ ومخرجات “نظرية الألعاب” التي أثرت في علم الاقتصاد بالإضافة إلى علوم أخرى، حتى السياسية والعسكرية منها. اشتهرت النظرية في خمسينيات القرن العشرين مع “جون فوربس ناش” الذي عمل على تطوير التطبيقات العملية للمبادئ المؤسسة.

على الأغلب يتذكر عشاق السينما “جون ناش”، الشخصية التي تدور حولها أحداث فيلم “عقل جميل” أو “A Beautiful Mind”، الرجل الذي تظهر عبقريته بالرغم من تأرجحه بين العقلانية والجنون، بين الحب والوسواس القهري: بين الحياة والفناء.

وسط هذا التخبط الصارخ في البناء الدلالي للمقال في تجسيده للشخوص الزماني النفسي والذي يحيلنا الى الملامح الأساسية لمشهد انساني فريد قائم على عدد من الثنائيات المتداخلة، يظهر ظل في أهم أجزاء اللوحة حسب قاعدة الثلث، يتعاظم شيئا فشيئا ثم يظهر، ، جليا وعميقا في الكمال: تماما مثل احدى الروائع الفنية التي تحدث عنها “ألكسندر اليوت” التي تسطع في حجرات القلب المظلمة.

ولد سليم علولو فيفري 1942 في العاصمة الاقتصادية التونسية صفاقس لواحدة من أعرق عائلات المدينة.

بدأ دراسته الثانوية في معهد قرطاج في تونس العاصمة وأكملها في فرنسا أين تحصل على شهادة بكالوريا رياضيات سنة 1960.

تحصل على الاجازة في القانون سنة 1963 ثم استقر في باريس أين واصل دراساته العليا في اختصاص علم الجريمة.

سنة 1967 عاد سليم علولو الى أرض الوطن وانتخب رئيسا للاتحاد العام لطلبة تونس، وقع تعيينه في منصب والي القيروان سنة 1970 ثم في نفس المنصب بنزرت 1973.

شغل منصب مدير الإدارة المركزية والإقليمية في وزارة الداخلية من سنة 1975 حتى 1979.

يؤكد المتابعون للشأن الرياضي الوطني خاصة منهم معاصري فترة بناء الدولة التونسية الحديثة الدور الرئيسي الذي أداه المرحوم سليم علولو في النهوض بالقطاع الرياضي، الأمر الذي يظهر جليا من خلال سيرته الذاتية الحافلة بالعديد من الإنجازات، فإلى جانب توليه رئاسة الجامعة التونسية لكرة القدم لفترتين من 1976 الى 1980 ثم من 1986 الى 1989، ساهم بشكل رئيسي في تنظيم كأس العالم للشبان التي أقيمت في تونس سنة 1977 من موقعه كعضو في اللجنة المحلية المنظمة.

هذا الدور الذي اضطلع به الفقيد تجاوز المستوى المحلي الوطني إلى القاري والدولي وذلك من خلال عضويته في اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم CAF لفترتين، الأولى من 1988 إلى 1996 والثانية من 2000 إلى حدود 2004، ثم في لجنة الفيفا التنفيذية في الفترة الممتدة من 1988 حتى 2004 خبيرا معترفا به خاصة في المسائل القانونية إذ مثل انتخابه رئيسًا لدائرة حل النزاعات في الفيفا محطة رئيسية في مسيرته الثرية، كما مارس مهامه في صلب اللجنة التنفيذية للكاف كعضو مختار حتى تاريخ وفاته في 14 جانفي 2015.

قال “جون فوربس ناش” في كلمة ألقاها بمناسبة فوزه بجائزة نوبل سنة 1994 “حققت أهم اكتشاف في حياتي: في معادلة الحب الغامضة وحدها نستطيع إيجاد الأسباب المنطقية، أنا هنا الليلة فقط بفضلك، أنت كل أسبابي.”

سنة 1904 ألف الموسيقار الإيطالي “فيتوريو مونتي” مقطوعته الشهيرة “سيزارداس”، مضى على ذلك أكثر من قرن وهذه القطعة الفنية تتجذر في ذاكرة الانسان أكثر فأكثر، لماذا؟ ربما لأن “مونتي” تمكن من تصوير مشاهد كاملة في مخيلة الانسان الجمعية بواسطة الموسيقى وحدها: سقوط حاد، خوف، حزن ثم فجأة نهوض فركض، تصور الموسيقى في ثواني معدودات بعد ذلك لامبالاة تثير الاطمئنان بل وربما الضحك أيضا، يعود النسق للتسارع بعد ذلك ثم تنتهي المقطوعة في لهجة حاسمة، مصرة على السير نحو الخلود والبقاء.

لا يتوقف الرهان حتى إذا عبرت جميع القطع من نفس اللون إلى ما وراء قطع المنافس، حينها يرتبط الفوز بما يظهر النرد من أرقام: ربما تكون متأخرا فتتقدم إلى الواجهة، ربما تكون متقدما فتتأخر وربما لا يتغير موقفك بتاتا فتتواصل الأحداث في نسقها العادي…

لماذا لعبة النرد؟ لماذا الفن؟ لماذا الفكر؟ وما الفائدة من البحث المتواصل عن الألق والمعنى؟

لأن قدواتنا ومثلنا العليا أخذوا على عاتقهم تلقيننا كيفية اقتفاء خطاهم، تلك الرغبة في إضافة شيء جميل للإنسان حتى إذا كان بسيطا، لأنه ما من نهاية للنور في البشر…
هكذا نحن، نسامر القمر ونحتفظ به في دواخلنا، حتى لوكان بعيدا…

الى ألق ومعنى قادم…

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع