سرقة الإنسان
محمد الدباسي
دأبت الدول المحتلة على سرقة ثروات و خيرات الدول التي تقوم باحتلالها و هذا متوقع و قذر فالمحتل لا يريد الخير أبداً للبلد الذي يقوم باحتلال أراضيه و إن ادعى غير ذلك فالاحتلال يبقى احتلالاً مهما حاول المحتل أن يلبس ثوب الطبيب فلن يكون الثعلب طبيباً كما تعلمنا ذلك و نحن صغاراً في قصة الثعلب الذي لبس ثوب الطب يوم أن مرضت الدجاجة .
من المؤسف جداً كذلك أن نجد من يشرعن للاحتلال من أبناء البلد و يصفه بالمنقذ أو قوات سلام أو حفظ أمن و يتناسى متعمداً أو غباءً بأنهم في حقيقتهم لصوص و محتلين لا أكثر فكم من ثروات نهبوها و كم من آثار تم تهريبها و كم من مصادر دخل أغلقوها و كم من أبناء للبلد الذين قاوموهم أو حذروا منهم تم اعتقالهم بمسمى محاربة الإرهاب أو مكافحة الشغب أو غير ذلك فكيف لهؤلاء أن يبرروا للمحتلين احتلالهم و لا تفسير لذلك إلا أنهم قد ألفوا العبودية أو أنهم يبحثون عن المال لا الكرامة .
نشاهد كل ذلك بألم للكثير من دولنا العربية التي زارها الاحتلال الذي أنكره العالم ظاهراً و دعمه باطناً من جار قريب أو غربي بعيد لكن الأكثر إيلاماً هو ما نشاهده الآن و نحن نرى المحتل الأمريكي يخرج ذليلاً من أفغانستان لكن ليس لوحده بل و حاملاً معه ما سرقه و السرقة هذه المرة واضحة و صريحة و إن كانت غير واضحة للعيان في احتلالات أخرى فهو يقوم بأخذ مجموعة كبيرة من أبناء البلاد الأفغان لبلاده و لدول أخرى بحجة أنهم نازحين أو لاجئين أو ضحايا الغد كما يصورهم .
إن أقسى ما يسرقه الاحتلال من الشعوب هو الإنسان .
هو ذلك العقل بحجة حمايته من أولئك الذين قاوموا الاحتلال أو من قوانين جردتهم من حقوقهم كما يزعمون و هم في الحقيقة يستوردون ذلك الإنسان لإعادة برمجة عقله و عاداته ليصبح خادماً لهم ليعود جاسوساً بثوب الحنين للوطن أو معارضاً يحقق مصالهم أو يصبح آلة هناك تخدم تطورهم المزعوم .
من المؤسف أن نرى ذلك و كيف أن ذلك الإنسان يرضى بأن تتم سرقته بفرح كبير ظناً منه بأن المستقبل ينتظره ليبني العالم و هو الذي ساهم في هدم وطنه و كيف لمن ساهم بتدمير ماضيه أن ينتظر من يصنع له مستقبله ؟
هل يظن ذلك الإنسان بأن من رأى غدره بأمته سيأتمنه على وطنه ؟
أي مستقبل يضمنه ذلك الإنسان لأبنائه عند من قتل آبائه ؟
لنعلم بأن كل سرقة يمكن أن تعوض فكل ثروات الأرض تنبت من جديد إلا سرقة الإنسان فالعقل يموت ببرمجته .
محمد الدباسي
مؤلف و كاتب صحفي يمني
رئيس الاتحاد العالمي للمثقفين العرب
عضو مجلس أمناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة و عضو بعدة كيانات
maldubasi@gmail.com
