رواية الفندق الجديد/الفصل الحادي عشر/تدابير إجرامية

134
رواية الفندق الجديد
تأليف / حسن أبوقباعة المجبري
(2016-2022)
الفصل الحادي عشر
تدابير إجرامية

 

في جنح الظلام ومن أمام عتبات الفندق الجديد ، أكمل ( سند ) وضع الحقائب في سيارة العائلة والتي سيقودها بنفسه هذه المرة ، لتنسل بهم إلي بيتهم .

وبعد أن أتفق ( سند ) مع ( مفتاح )،بأن يتبعه بمركبته إلي منطقة طريق المطار، ليعاين البيت وما يتطلب من أعمال صيانة.

غادرتا السيارتان المكان ،ثم غادرت من خلفهم السيارة التي كان يستقلها الأرعن ( مرعي )، ومن حسن الحظ أن ( العريف سالم ) قد شك في الأمر ، فقرر لحاق ومطاردة السيارات الثلاث كذلك.

فعلم أن الأرعن ( مرعي )|، قد أغتني سريعاً من جراء النهب وأن سيارته هي من طراز (تويوتا دفع رباعي )، ولكنه لم يعلم أن ( مرعي ) تطور في أدائه ، فقد أصبح قاتلاً خطيراً ، حيث كان يقوم بتبديل مركبته وهيئته حين يريد تنفيذ جريمة قتل ، وهو هنا من أجل تنفيذ عملية قتل بمقابل مادي كبير يستهدف بها احد رجالات القذافي المخلصين والمفرج عنهم حديثاً وهو (الأستاذ فوزي )، لقد كان ( مرعي ) يُجري مكالمات بصوت مرتفع ليستمع من بقربه،فقد كان يتظاهر أنه ذاهب إلي المكان الفلاني من اجل استلام شحنة هواتف ذكية، وسيتم بيعها ، حتي يقوم بجرجرة أذهان من هم حوله أن الأموال التي يتحصل عليها هي من جراء هذه الصفقات التجارية وليست مقابل عمليات قتل واغتيالات .

أنعطفت سيارة العائلة في اتجاه طريق سوق الخضروات و(فندق النوران )،لتعبر في اتجاه جزيرة الجرار إلي منطقة السلماني ثم طريق مطار بنينا، ومن خلفهم أستمر لحاق السيارات الأخري.

كانت السيارات الأربعة تعبر الطرقات ومذياع كل سيارة كان يبث خبرا من راديو مختلف عن الأخر.

وفي تقرير إخباري قدمه برنامج مباشر كان ( العريف سالم ) يستمع منصتاً لقاريء التقرير :

تمر الأيام لتمضي بسرعة ، ورياح التغيير تكاد تعصف بالنظام الجماهيري،والذي أستمر لأربعة عقودً من الدهر، وهاهي الحلقة تضيق شيئاً فشيئاً من حول رأس النظام العقيد القذافي ، فيقرر ترك مقر حكمه بباب العزيزية، وتوجساً من حلول تاريخ فتح مكة الذي يقترب ويتخذ منه المسلمون المتشددون تاريخاً مناسباً للقيام بعملياتهم في مختلف مدن العالم ، وبعد انشقاق بعض من رجالاته الأقوياء ، هاهو يقف وحيدا دون أنصاره أومرافقين، إلا من بعض من رفقائه المخلصين أمثال أبوبكر يونس جابر قائد قواته المسلحة ورفيق دربه مطلع الستينات وأبنه المعتصم بالله وسائقه المخلص.

…وهاهي وكالات الأنباء تتحدث عن العثور على طائرتين من نوع هليكوبتر مخبأتين في أحراش قريبة من مدينة سرت.

والتقارير الإستخباراتية تؤكد وجود القذافي في مدينة سرت، وأنباء عن قرب نهايته، فقام ( العريف سالم ) باستبدال تردد المذياع، فإذا به يستمع إلي :

أخبار كر وفر ثوار بنغازي والمنطقة الشرقية حول تخوم مدينة سرت،من خلال تردد قناة آُخري .

وفي هذه اللحظات وصلت المركبات المتتابعة لبيت (الأستاذ فوزي )، فترجل (سند ) في اتجاه مركبة (مفتاح ) ليخبره، أنه يستطيع الآن الدخول لمعاينة المنزل.

وعلى الفور دخل (مفتاح ) المنزل بينما بقية العائلة ، انتظرت داخل سور الحديقة،فاسحة المجال لعامل الصيانة للبدء في مهمته ، لكن المركبتان الأخريين ظلتا ترقبان المشهد دون أن يتفطن (مرعي) القابع في مركبته ، لمن يراقبه ، حين كان منشغلاً بإجراء مكالمة هاتفية، يستوضح من خلالها و من رفيقه ( جمال ) عن عامل الصيانة (مفتاح )، والذي طمأنه بأن (مفتاح ) شخصية مريحة،ويتستطيع الاعتماد عليه .

أكمل ( مفتاح ) المعاينة ، فأتفق مع ( سند ) أن يأتي لاحقا ، ليبدأ أعمال الصيانة وعلى أن يقوم ( سند ) بتوفير الاحتياجات اللازمة من ( أقفال أبواب داخلية ) و( زجاج نوافذ وشبابيك ) ومجموعة حنفيات أو ما يعرف في اللغة الدارجة الليبية بــ ( الشيشمات )، وعدد اثنين من أجهزة تسخين المياه الخاصة بدورات المياه أو ما يعرف في العامية الليبية بـ (السخانات ) وسيتكفل بإجراء الصيانة في غضون سويعات.

.. وعلي الفور صعد ( مفتاح ) إلي سيارته وقادها مسرعاً ، ومن خلفه سارع ( مرعي ) مطارداً بمركبته .

كان كل ذلك يحدث تحت نظر( العريف سالم ) الذي لحق بهم متشبعاً بحسه الأمني الشديد.

وعند مفترق طريق المساكن أستطاع ( مرعي ) تمرير إشارة إلي ( مفتاح ) ليتوقف بمركبته بعد إشارة المرور.

توجس (مفتاح) شراً وظهرت عليه علامات الذعر ، كون السيارة التي وجه له قائدها الإشارة لا تحمل لوحات معدنية وزجاجها كان مُعتماً بالكامل ، ولكنه أذعن للأمر.

وعندما اجتازت السيارات إشارة المرور ، سارع ( مرعي ) بفتح باب مركبة ( مفتاح ) ليجلس بجانبه..

كان ( العريف سالم ) يراقب المشهد من بعيد ، حتي أنه رأي ( مرعي ) وهو يعطي ( مفتاح ) هاتفه ، وكيف تحدث ( مفتاح ) بهاتف ( مرعي ) مع شخصا آخر.

– تمتم ( العريف سالم ):-

أظنه صديقاً مشترك

.. نعم لقد كان حدس (العريف سالم ) في محله ، فقد أجري ( مرعي ) اتصالا مع ( جمال ) أمام عامل الصيانة ( مفتاح ) حتي يطمئن(مفتاح ) إليه .

ثم شاهد(العريف سالم ) كيف أتفق الاثنان ، وكيف هبط ( مرعي ) من جديد من سيارة ( مفتاح )، ليتوجه إلي مركبته ، ليجلب منها صندوقا ويمنحه إلي (مفتاح ) وينتهي الأمر بالمصافحة فيما بينهم.

وعندما جلس( مرعي ) خلف مقود سيارته راغبا في التحرك ، إذ بهاتفه يرن من جديد ،ولم يكن المتصل سوي ( جمال )، فأستغرب ( مرعي ) الأمر ثم رد بخشونة .

– مرعي :

كنك يا دولة شنو فيه ؟

– جمال باللهجة الليبية الدارجة :

انسيت انقولك عندي لك خبر خطير على ( مصباح ) بس موش قايل إلا بعد أنفك منك سيارة ومطوية كلاشن كوف .

– مرعي :

غير أدوي شن فيه .

– جمال :

حبيبك الحبي الودود( مصباح ) عشش في هوتيل(الحاج أنور) ، وداير مجلة أو جريدة موش عارف بس راه مازال يلبس في البدالي ويخالط في ثلاث درايق، ووحدة اجنبية موش عارف شن يرطن(1) ويهدرز معاها.

– وأضاف ضاحكاً:

لكن اللي مستغربة فيه حاجتين مكان اتقمعيزته في الكافتيريا مايتغيرش ، وحتي مكان الصلاة في مسجد الهوتيل واحد ونفس المكان.

– مرعي :

أسمع قرد بيه (2) الحكية، ولد الحكية،داير روحه هبز(3) ونظيف ، أسمع أسمع خوذ اشوية بول من دورة المياه ، وبخه على الفرشة اللي في المسجد في نفس المكان اللي ايصلي فيه .

وبعدين دور كيف تنقل المعلومة للحاج أنور ،بأنه امخدم واحد وسخ ونجس، ووريه المكان خلي صاحب الفندق ايشمه توا ايلزه(4)

– وأضاف :

لو درتها تقعد أصلي يا (جمال) ، ونعطيك (الأوبل الكورصا ) ومطوية كلاشن كوف ومخزنين امعبيات ذخيرة رصاص يالهبل.

– رد جمال بحماسة مفرطة :

. تم يا دولة تم

وعلي الفور غادر( مرعي ) المكان لاحقا بالجميع .

في صباح اليوم الثاني أنهمك عامل الصيانة ( مفتاح ) في صيانة المنزل، وفي خلال السويعات القليلة ، أنهي المهمة ، لكنه أرتكب خطأً عن عمد !

لقد تعمد وضع خراطيم أجهزة تسخين المياه ( السخانات ) بطريقة معكوسة، وأحكم رباطهما بطريقة خاطئة، دون إفراغ الهواء من داخلها، وهذا ما سوف يترتب عنه انفجارا هائلاً إذا ما تم تشغيلها.

وبعد أن أنتزع عامل الصيانة ( مفتاح ) مفتاحا واحدا من كتلة كل مفاتيح الأقفال الجديدة التي قام بتركيبها في الأبواب، سجل بعض الملاحظات علي المفاتيح ثم الصق شريطاً لاصقاً حول كل مفتاح علي حدي دون أن يراه (سند )، وأخبره بأنه قد أنجز العمل على أكمل وجه ، فمنحه ( سند ) مبلغا مالياً نظير عمله وشكره وسمح له بالمغادرة.

في هذا الأثناء في مكان أخر من مدينة بنغازي نجح (جادالله ) في بيع شاحنة المغدور به (عثمان السوداني ) يوم الهجوم علي سجن الكويفية ، وهاهو ( جادالله ) يتوجه لشراء مركز لصيانة سيارات متكامل التجهيز ، وقد كان من حُسن حظه أنه أشترى مركزاً واقعاً بالقرب من محطة بنزين (الحاج أنور) الواقعة في الطريق الساحلي الممتد بين مدينتي( بنغازي وطرابلس) بعد مدخل ضاحية( قمينس ) تحديداً.

*****

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شن يرطن ؟ = عن ماذا يتحدث ؟
(2) قرد بيه = إجعل منه سخريه.
(3) داير روحه هبز = يريد أن يجعل من نفسه انيقا ، ومفردة (هبز) استعارة عن فرقة غنائية عالمية ظهرت في الستينات.
(4) ايلزه = يقوم بطرده

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات