رواية الفندق الجديد-الجزء الأول/ الفصل السادس

225
رواية الفندق الجديد – الجزء الأول
الفصل السادس

تأليف / حسن أبوقباعة المجبري

 

السجين جاد الله

…في ذلك اليوم الغائم من أيام شهر فبراير من عام 2011، ومنذ ساعات الفجر الأول، طغت أصوات الأقدام وتعاظمت علي أرضية ساحة سجن الكويفية، الواقع عن بُعد اثنين كيلومتراً فقط ، من الحدود الشرقية لمنطقة الصابري.

… السماء تُنبي بحدوث شيئا عظيماً، خارج أسوار مؤسسة الإصلاح والتأهيل تلك .

السجناء أغلبهم لا يدركون ما يجري خارج القضبان، فقد كانوا يتحركون بالإيعاز العسكري الروتيني ، ذهاباً ومجيئاً، وبنظام مُحكم  تحت أعين  الحراسة المشددة و المستنفرة والحذرة ،كان أفراد الشرطة ينفذون الأوامر البوليسية بحذرمتضاعف، كانت أعين أفراد الشرطة تراقب كل شيء في أرجاء السجن العتيق ،نتيجة إلمامهم  بحجم الحدث الجسيم المُقبلة عليه البلاد تلك الأيام. 

وبعد شوطا من التمارين الصباحية الروتينية للسجناء، تقدم العريف( سالم ) وهو العريف المكلف ، بإعطاء الأوامر والتعليمات في ذاك اليوم، فبدأ يقرأ بصوت عال ما جاء في ورقة التعليمات ، حتي وصل إلي  قائمة تحوي أسماء السجناء، والذين تقرر الإفراج عنهم ذاك الأسبوع ، بعد أن أنقضت فترة محكوميتهم.

كان من ضمن قائمة المفرج عنهم (جادالله )، هلل جميع السجناء مباركين ، فور سماعهم  إسمه والإعلان عن انتهاء محكوميته.

كان كل زملائه من نزلاء سجن الكويفية يعلم أن (جادالله ) ،هو أقوي النصابين في مدينة بنغازي بل في ليبيا برمتها .

… سيخرج  ( جادالله ) من السجن بعد قضاء محكومتيه، بسبب ارتكابه لجريمة استيلاء  علي حافلة نوع (فيتو ) ،  بعد أن أعطي تعليماته لعصابته بالقدوم إلي محطة المسافرين الواقعة قرب الفندق البلدي وسوق الخضروات، ليأتوا فرادة، فرادة في ساعات مختلفة،وليتجمعوا أمام مكتب السفريات ذاك،وكأنهم غرباء عن بعضهم البعض، وكل شخص تظاهر بأنه  يرغب في السفر إلي مدينة  (إجدابيا )،حيث استقلوا الحافلة، كلهم مقنعين  السائق أنهم  مجرد مسافرين، وفي الطريق أنقض (جادلله )، علي السائق ضربا ،فأغمي عليه،وسلبوه السيارة ،وهاتفه، وساعته، ونقوده، ورموا به على قارعة الطريق الواقع بين مدينة ( قمينس) و(سلوق) و(سيدي عبد العاطي ) مُعتقدين أنه قد فارق الحياة.

…أنتهي الجمع الصباحي للسجناء وعادوا جميعهم الي عنابرهم، فألتف عدد من النزلاء حول زميلهم ( جاد الله ) مُباركين مُهللين، وطلبوا منه بأن يقوم بتأدية بعض الخدمات لهم ، بعد مغادرته قضبان السجن.

–  (مراجع ) باللهجة العامية :

رد بالك يا دولة تنسي الموضوع المتفقين عليه .

– جا د الله يرد بنفس اللهجة :

 ممكن أتذكرني بيه ؟

-إمراجع:

الوسخ ابن الذين (مسعود)  نبيك اطيح  بوه في أي قضية، ولو حتي أقنعت أي وحدة

بالشكويفيه ، باش انزروه علي تنازل بتنازل، ونطلع من القضية ، الوسخ دكني في

الحبس،وطاريحسابني ناسيه  الحكية ولد الحكية.

… لم يرد (جاد الله ) حول ماتفوه به النزيل ، رغم أنه أنصت إليه باهتمام .

– تحدث ( عثمان ) السوداني  متوجهاً بالحديث إلي (جادالله ) كذلك :

عليك أمان الله  يا (جادالله ) ما تقطع زيارة ودير بالك علي حالك ، ومانوصيك ، اتشوفلي الشاحنة تبعي  مركونة لسة والله هلتوها كمان ؟

– تمتم (جادالله ) :

 حاضر يا (عثمان ) حاضر أنت وياه …

… وأردف قائلاً :

حاضرين أعيوني ليكم، ثم أكمل  متمتما كذلك، ومحدثا نفسه  بالمثل الشعبي القائل :

( أمغير أطلق عمك بجرده )، ثم أنسل مبتعدا عنهم ، حيث أنزوي في ركن مظلم في العنبر (123) منتظرا قدوم موعد الإفراج الرسمي.

وبعد سويعات قليلة حدث شيئا  لم يكن متوقع ، أدي إلي حدوث فوضي عارمة داخل عنابر السجن!!

فبعض القذائف تنطلق من علي ظهر سيارات ذات دفع رباعي كانت متمركزة سراً قبالة السجن عند بحيرة (عين زيانة )، فتطال السجن،ويعقبها هجوماً مسلحاً علي البوابة الرئيسة لمؤسسة الإصلاح والتأهيل .

… السجناء يفرون كالجرذان من جميع المنافذ، وفي لحظات ، أصبح السجن خالياً من جميع النزلاء، فيما عدا ( جادالله )، وشخص أخر لم ينتبه إليه فقد أختبي في برميل كبير ، كان  يستخدم لجمع الماء،أنه العريف ( سالم ) الذي ألقي بالتعليمات والأوامر هذا الصباح .

لقد كان  ( السجين جادالله ) حكيماً، فلقد قرر المكوث لبرهة، ليستوضح الأمر، فقد تكون خطواته نحو بوابة السجن المستهدفة ، لها الأثر العكسي علي قرار الإفراج الصادر ،  والذي تم  الإعلان عنه في التمام الصباحي.

… تفرق السجناء في أزقة المناطق القريبة من سجن الكويفية بدء من منطقة ( الكويفية) نفسها، فــمناطق (بودزيرة ) و(حي السلام)( وأرض أزواوة) ، و(السلماني) و(سيدي يونس ) و(الوحيشي ) و(السرتيه ) و(أرض شبنة) و(الصابري) و(سيدي خليفة)، ثم أختفوا داخل زحام المدينة العريقة بنغازي.

كان السجين ( إمراجع ) من بين السجناء الفارين ، لكنه كان لايعلم أن هناك بعض الملثمين المنتظرين بالخارج  بسيارات معتمة الزجاج ، لحظة خروجهم ويدققون في ملامح الفارين المذعورين.

فأختلط عليهم الأمر، كونهم كانوا يتلقون المعلومات  من جهة غير معلومة أولا بأول ، وقد كانوا غير دقيقين حين قرروا أن السجين الهارب ( عثمان ) ماهوإلا السجين ( جادالله ) والذيجأتهم الأوامر عبر هواتفهم بقتله وتصفيته  بمجرد خروجه والتأكد من شخصيته .

فقرروا لحظة خروج ( عثمان ) أنه هو ( جادالله ) ، خصوصا وأن ( عثمان) كان يرتدي قميصاً وفانيلةخاصة ب( جادالله ) و التي ظفر بها  مع جهاز الهاتف يوم رهان لعبة الكوتشينة.

 ، أجروا سريعاً معه مكالمة هاتفية ،فعسي هاتفه يرن أمامهم ، وبالتالي رنين الهاتف ، سيؤكد لهم أنه ، ( جادالله ) المطلوب تصفيته .

بالفعل أجروا الاتصال ، فتسمر ( عثمان ) أمامهم ، مخرجاً هاتفه ، فقرروا رميه بالرصاص فورا ، فأردوه قتيلاً ، ودون أن يتأكدوا من شخصيته ،لاذوا بالفرار.

أما ( أمراجع ) فقد كانت إحدي سيارات الدفع الرباعي ، تنتظر خروجه ، فقفز إليها لتعبر به الطريق مسرعة ، إلي حيث مبني المحكمة العليا ، وبقذيفة موجهة  من قاذف الأربي جي مصوبة إلي الغرفة التي  يوجد بهاإرشيف المحكمة، لتحدث بها شرخا كبيرا ينسل إليه ( إمراجع ) بسرعة قصوي، فيجلب منها مجموعة من ملفات القضايا لمتهمين محكومين بقضايا عقوبتها الإعدام.

وعند إحضار الملفات ، عادوا به إلي بوابة سجن الكويفية، وأنزلوه ثم أطلقوا عليه النار ، فأردوه قتيلاً.

… ودون أن يعلم  ( السجين جادالله ) مايحدث خارجاً ،أنتظر أن يُخيم الظلام علي المكان ، لـيقرر الخروج من السجن والتوجه مشياً علي الأقدام كونه، لا يملك  المال الذي يمكنه من أخذ أي وسيلة مواصلات، لتقله إلي  شارع (جمال عبد الناصر) حيث مقر (إدارة  البحث الجنائي) ، أو لـ (منطقة الهواري ) ،مقر (مديرية الأمن) ،ليقوم بتسليم نفسه لهم ، وليوضح لهم كذلك،أنه ليس هاربا من السجن كبقية الفارين ، حيث أنه قد أعلن الإفراج عنه هذا الصباح، ولم يتسني له اخذ صورة من قرار الإفراج حتي يستخدمه، كـدليلا علي إنهائه لمحكومتيه ، مُعتقداً أن الأمور لازالت اعتيادية، أو كما هي منذ تاريخ دخوله إلي السجن قبل أربعة سنوات .

لكنه لم ينتبه لمن كان يتعقبه  منذ تركه لبوابة السجن حينها، فقد لاحقه العريف ( سالم ) حين عبر الطريق ، فرآه وهو يصطدم بجثة ( إمراجع ) مضرجة بالدماء ، وكذلك بجثة ( عثمان السوداني ) وبجانبه جهاز الهاتف نفسه ، فإنسل اليه ( جادالله ) سريعاً ، والتقط الهاتف ،وأوراقه الثبوتية، معتقداً أن أحداً لم يره ،وسارع مبتعداً عن المكان ليسلك طريقاً معبدا وسط (مقبرة سيدي عبيد ) تاركا منطقة ( أرض أزواوة) خلفه ،و(بريد السلماني) عن  شماله، و( محطة بنزين ) تترآي من منطقة ( دكاكين حميد ) أحد أحياء منطقة الصابري الشهيرة عن يمينه.

ومن بين عمارات السبخة ، تسرب حتي محلات (نادي الهلال الرياض الثقافي الإجتماعي ) متجاوزا سوق العرب.

 في الطريق بدأ الأمر يتضح شيئا، فشئياً، وعند تجاوزه لضريح (عمر المختار) وأزقة منطقة (السكابلي ) ، تفاجأ بآثار لهدم النصب التذكاري لــ (جمال عبد الناصر )، وأبخرة دخان متصاعدة من براميل القمامة حيث تم حرق الكتب من مكتبة ( مركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر) الواقع في بداية شارع جمال عبد الناصر فيها !!..

… أنحي بنفسه جانبا، فأكمل المسير، حتي لايتورط معهم ، فيجد نفسه قابعاً من جديد خلف القضبان بتهمة أمن قومي ، وكانت وجهته كتيبة (الفضيل بوعمر ) الواقعة في منطقة (الحميضة ) هذه المرة.

فأصطدم بأن الطريق عند مبني (إدارة الضمان الاجتماعي) الواقع في منطقة (السيلس ) ،قد تم إقفاله وغلقه ، وبالتالي  يجب عليه أن يُكمل مسيره من طريق بديل وكان الاختيارللطريق المؤدي إلي نادي الفروسية ماراً من أمام مبني بيوت الشباب الواقع خلف ملعب( ثمانية وعشرين مارس ) أو مايعرف بـ (المدينة الرياضية ).

وعند هذه النقطة تواري عن أعين ( العريف  سالم ) الذي لم يتمكن من مواصلة تتبعه ، دون علم ( السجين جادالله ) ، والذي  تسرب من ذاك الطريق ، فأشتم رائحة بعض الأطعمة من مطعم البطريق وهو أحد المطاعم الشهيرة هناك، تحسس جيوبه ،تلك اللحظه ، فلم يعثر علي قرش حتي  ، فالسجناء لا يتقاضون نقودا فترة محكوميتهم في مؤسسات تحمل مسمي (مؤسسات الإصلاح والتأهيل ) !!،  فخطرت بباله أن يتوجه إلي ( البنكينة)  الواقعة في منطقة  ( جليانة ) مقابل (فندق أوزو ).

أما (العريف سالم )، وهو الشقيق الأكبر، لـ(عادل )، فقد تراجع وفضل تغيير مساره الي منطقة الصابري حيث يتواجد مقر سُكناه عاقدا العزم على مواصله عمله بحسه الأمني مهما اختلفت الظروف، خصوصاً بعد أن  أتاه هاتفاُ من أخيه ( عادل ) يحثه  بشدة على العودة.

– عادل :

الو تي وينك ، قالوا سجن الكويفية تعرض لهجوم مسلح ، والأخبار في التلفزيون جايبه صور للخبر ، الحمدلله اللي طيب.

– العريف سالم :

الحمدلله عن جد  نجوتي كانت  كبيرة والله                                                                                         

   – عادل :

الحمدلله معناها فيسع(1) روح هلك منشغلين عليك، بس أسمع تذكر ( امراجع ) اللي اخذله خوك ( مرعي ) الدبش يومتها(2) .

– العريف سالم :

ايوه نتذكره ، كنه

– عادل :

شفته ؟

  – العريف سالم :

 عطاك عمره القيتا(3)امطوح(4) ع الطريق مقتول.

 – عادل :

الله يرحمه  ، خوه ( مرعي ) ساكنلي ، باش نتصل بيك، نتأكد من الموضوع ،هما كيف اللي سامعين شيء هكي.

– العريف سالم :

اه مقتول شفته بعيوني، انا اقريب نوصل كعابي  للحوش أهو خشيت (5) الصابري.

…وفي هذا الأثناء ،وبينما ( جادلله )  يسير، وصل إلي مسامعه تحذيراً، أرسله أحد الشباب المتحمسين لمجموعة من أصدقائه المبتعدين حيث قال لهم باللهجة الليبية الدراجة  محذراً :

ردوا بالكم(6) بكرة فيه مجموعة لابسة طاقيات لونهن أصفر و رافعين هراوات ناويين يشتبكوا معاكم.

– رد أحد الشباب المستمعين لتحذير زميلهم :

قبعات صفر من وين جونا هظوما ؟

– أجاب صاحب التحذير باللهجة العامية الليبية كذلك :

الله أعلم بس نفس طاقيات عمال  الصيانة اللي في جامعة قاريونس .

– رد نفس الشاب  المستمع للتحذير :

لالا لا أعتقد أن (جامعة قاريونس )حا أتشارك في قمعنا نحن المتظاهرين، عن طريق إرسال ودعم أصحاب القبعات الصفر … مستحيل !!…

… ترآتأخيراً  بوابة البنكينة لـ (جادالله ) ومن محاسن الصدف أنه، وجدها مُشرعة لأبوابها نتيجة موجة العنف والسرقات ، فدخل وقرر أن يجهز بنفسه  وجبة من بعض الأسماك الطازجة.

أكمل وجبته وأنسل إلي إحد مراكب الصيد، ونام نوما عميقاً متوسدا لحقيبة أموال يبدو أنها لبعض الصيادين،  دون أن يدري.   

خلع (جادالله ) بعض الثياب فسقط منه   عدد اثنان من الهواتف ، بسرعة فحص المكالمات والرسائل، فوجد رسالة خطيرة بجهازه الهاتف الذي التقطه من يد جثة ( عثمان ) تقول :

الله يرحمك يا(جادالله ).

 – فتمتم :

الله يرحمك يا (عثمان)، وأضاف موجها كلامه لهاتفه ،” أنا متأكد أنك معش حترن ياهاتف النحس )، ثم قام برميه في البحر،وتوسد معطفه مرحبا بالنوم .

غط ( جادالله ) في نوم عميق ،أستمر به إلي اليوم التالي ،وحينما  أستيقظ وإذا به يستشعر أنه كان متوسدا لرزم كثيرة من ألاف الدنانير الليبية ، فقرر أن يتوجه فورا إلي موقع  محطة النزين ، والتي وضع بها القتيل السوداني (عثمان ) شاحنته  ،منتحلاً لشخصيته ، ومن ثمه يذهب لأقرب صالون للحلاقة ،  ومن ثمهيتسوق من متجراً لملابس ، بدلةًأنيقة،ولاينسي أن يشتري هاتفا خلوياً جديدا وشفرات هاتفية جديدة ، ثم يستقل سيارة تاكسي ، فيستقر إلي حين، في أحد الفنادق القريبة من شاطئ البحر في المدينة.

*****

هوامش :

(1) فيسع = بسرعة

(2) يومتها = منذ ذلك اليوم.

(3) القيتا = وجدته

(4) امطوح = جأت في السياق بمعني مرميا أو مقتولاً.

(5) خشيت = دخلت

(6) ردوا بالكم = خذوا حذركم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المقالات