رائعا يجري نهر الحياة!!

223

في الأول من تموز هذا العام الموصوم بأحداث مأساوية القت على البشرية حالة من الكآبة والشؤم ومنها هجمة العدو المفترس كوفيد 19 الذي لم يفرق بين الخير والشر وآخرها الانفجار المروع والمدوي الذي ضرب مدللة المدائن بيروت الجميلة والذي أحدث جرحا عميقا في حاضرتها الحضارية لا يندمل إلا حينما تنكشف ابعاد الجريمة ومرتكبيها.


في هذا التاريخ من عام المآسي والمظالم وفي الأول من تموز منه تشير هوية الأحوال المدنية العائدة لي بأنني قد بلغت من الكبر عتيا وهو الثامن والثمانين والمفارقة في هذا التاريخ الذي هو الأول من تموز من كل عام حيث يشترك ملايين العراقيين بعيد ميلاد موحد. في وقت أن العراقيين يختلفون في كثير من مظاهر حياتهم الاجتماعية ومنذ أن وطأت أقدامهم أرض الرافدين يختلفون بالملبس والمأكل واللغة والعادات والآراء وطريقة الحكم. نعود إلى كيفية توحد الكثير منهم في تاريخ الميلاد فمرد ذلك يعود إلى معلومة استقيتها من المرحوم والدي والذي كان يشغل وظيفة مأمور نفوس ولسنوات عديدة ابتداء من أو تسجيل للنفوس في العراق ولآخر تسجيل في العهد الملكي الذي جرى بتاريخ الأول من تموز عام 1957 ولكن لماذا أصبح تاريخ ميلاد كل العراقيين يشير إلى ذلك التاريخ؟
إن السبب يكمن في أن نسبة الأميين وخاصة الذين لا يحسنون القراءة والكتابة في تلك الحقبة كانت كبيرة جدا لذلك فإن لجان التسجيل كانت تلاقي صعوبة في الحصول على تواريخ ولادة لعدد كبير من الناس وعند سؤال البعض منهم عن تاريخ ولادته يذكر حادثة معينة جرت في تلك الفترة ومثال على ذلك قول أحدهم: (آني جيت للدنيا بالحالوبة) الحالوب هو البرد وآخر يقول (بأيام أبو زوعة) أبو زوعة مرض الكوليرا وآخر يقول عند صعودنا إلى السطح في أول فصل الصيف أو عند النزول من السطح في نهاية فصل الصيف وتشبيهات أخرى ما أنزل الله منها ما يثبت التاريخ الصحيح ولإنجاز مهمة التسجيل حسب المدة المقررة وعدم مضيعة الوقت تم وضع ذلك التاريخ أمام حقل الولادة وبعلامة (=) أمام الكل أمي كان أو حاصل على شهادة عليا وبذلك تم توحيد العراقيين بالرغم من أنوفهم! وأصبح ذلك التاريخ المثبت في حقل تاريخ الولادة المتشابه للعراقيين من الذين غزوا بلدان العالم واصقاعه الحارة والباردة ومنهم هنا في الولايات المتحدة الأمريكية أصبح ذلك التاريخ مدعاة للاستغراب والتساؤل وقد سئلت مرة من قبل أحدهم عند مراجعتي لأحدى المستشفيات ما سبب تشابه تواريخ ولادة الكثير من العراقيين فهل يعني بأن هذا العدد الكبير قد ولد في يوم واحد ؟ وهنا تكمن الصعوبة لبيان السبب الحقيقي للأجنبي وقد أكتفي بالتعبير بابتسامة مزيفة لا تفي بالغرض الحقيقي.


خلال هذا الخضم من الأحداث والمتناقضة منها بين السراء والضراء ومنها بالنسبة لي وعمر ما بعد الثمانين الذي يحتاج إلى شجاعة أو مطاولة أو (أرادة صلبة وفكر مدرك صاحي) على حد وصف زميلي وأخي الكاتب المبدع إبراهيم يوسف في تعليقه على عودتي إلى الكتابة في هايكو (لكي ننسى كوفيد) فوجدت أن أشغل ما تيسر لي من امكانات ومنها ممارسة الرسم فانشغلت بإعداد لوحة لواحدة من احفادي القريبين هنا وهي ابنة لولدي الطبيب سيف آخر العنقود واسمها (لانا) ويعني الاسم باللغة الكردية على ما أضن (عش العصفور) وها إنني أعرضها ضمن مقالتي هذه مع صورة أخرى لمكتبي المتواضع الذي يشمل اللابتوب والطابعة وبعض اللوحات وبضمنها لوحة لانا, لقد أنجزت هذه اللوحة بألوان الآكريلك وهي مهمة غير سهلة لرجل مثلي بهذا العمر لأن الرسم في هذه الألوان يتطلب مزجها بالماء إضافة لكون اللون يجف على الخامة بسرعة وأن رسم الخطوط الدقيقة والتضليل يستوجب عدم اهتزاز اليد والفرشاة ودون ذلك فقد تختلط الألوان الحارة ببعضها. لقد جعلت تاريخ انجاز اللوحة هو الأول من تموز تخليدا لعيد ميلادي الثامن والثمانين وعيد ميلاد ملايين العراقيين الطيبين.
نصيحتي لمن يريد أن يبعد عنه بعضا من هموم الحياة عليه أن يلجأ إلى ما يجده رائعا ورائقا في نهر الحياة ويغرف منه الزبد وأما الجفاء فيتركه ليمكث في القاع. (المقالة تتضمن لوحتين بألوان الأكريلك)
لطفي شفيق سعيد
رالي في 12 آب 2020

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع