جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة

278

بقلم : كريم عبدالله – بغداد – 12/26/ 2018 .

أولاً : – اللغة المتموجة كما في :

ثالثا : مدّ وجزر .. بقلم : سامية خليفة – لبنان .

المقدمة :

يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل, الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادةالحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطنيللافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهيبالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاععلى تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه ,  وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتاباتمتميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه, وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهيحينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيعالصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعملعلى صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أنتُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميلوحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقداصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدةالسرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراساتالنقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحفالورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن علىثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنيةفيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراءالسرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولوبشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعاتالتي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا فيكتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الان فيكتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية,  لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابهاالحرية والواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكونالتعبير أكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوعالعذب , فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلفوالذي نؤمن به وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هيقصيدة المستقبل لقدرتها على  الصمودوالتطوّر المستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمهوتطرحه على الساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللونالادبي الجديد والذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذااستطاع الشاعر ان يطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كلطاقاتها المخبوءة , وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة مايمتلكه من خيال جامح ابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّباللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة فيالسرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعريةفيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّةالتعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ )كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذاالموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غنيالموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءاتوالقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها .فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤىومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممنعشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافتالشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روحالتنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأةفي السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمانوالسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقلالهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق, منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرةبالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتهاالفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا علىمفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبةوممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائدتمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عنالمباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة ,كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّةلتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلهاالحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كلالصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيريونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيانالنَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمساتالحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلامنتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابةالابداعية .

انّ السرد في القصيدة السرديّة التعبيريّة لايعني الحكاية او القصّ وإنّما يعني تضخيم طاقات اللغة ونقل الأيحاء والشعور العميقوالأحاسيس المرهفة كل هذا ينطلق من خلال خيال ديكتاتوري , ونستشعر بزخم شعوريوعاطفة عذبة ننتشي برذاذها المعطّر بالسحر والجمال الأخّاذ . بينما نعنيبالتعبيريّة والمأخوذة بالأساس من المدرسة التعبيريّة تعني التحدّث بعمق عن الحزنوالألم والتشظّي والأفراح والبهجة وما يجول في أعماق النفس الأنسانيّة . للآنالكثير لا يستطيع التميّز ما بين القصة والقصيدة السرديّة التعبيريّة , لأنناحينما نقرأ القصيدة السرديّة التعبيريّة نجد أنفسنا أمام سرد حكائي , ولكن سرعانما تنحرف اللغة انحرافا شديدا وتنزاح إنزياحا قويا وتتشظّى وتبتعد عن مدلولاتهااللغوية , مما يؤدي الى الشعر الكثير في القصيدة , وكلّما كان الأنزياح عظيماكلّما كان الشعر عظيما , متوهّجا مضيئا نقيّا عذبا , يصدم المتلقي بغرابته ويجعلنانعيش داخل أجواء القصيدة السرديّة التعبيريّة . لقد منحت السرديّة التعبيريّةكتّابها فضاءا وفسحة يستطيع الشاعر أن يحلّق بعيدا ويأخذنا معه الى عوالمه البعيدة. انّ الغرض من هذه القراءات لكتابات كتّاب مجموعة السرد التعبيري مهمتها في الوقتالحاضر الأشادة الى مستوى النصّ الشعري الذي اصبح عبارة عن ظاهرة ملحوظة يُشاراليها , والى ترسيخ هذا النوع الأبداعي الجديد لدى المتلقيّ وبيان ملامح السردالتعبيري ةتجنيس النصوص حسب ما يطرحه الكاتب السردي التعبيري ليكون منهاجا لناجميعا وللآخرين ممن يجدون فيه ضآلتهم بعدما عشق هذا النوع الكتابي الكثير وبدأوايكتبون فيه بطريقة إبداعية عالية تدعو للوقوف عندها كثيرا لما تمتاز به النضوجوالعمق والوضوح والسموّ . فلابدّ لنا ها هنا من الأشادة بكتابات الشاعرة / ساميةخليفة / والتي بدأت تتطور بصورة سريعة وتمتاز بشخصيّة المفردة القوية وفعّاليتهاداخل النصّ ومدى تلوينها له بطاقات موسيقية وتصويرية وتشكيلية . كل هذا ينتج عنطريق كتلة واحدة أي انّ القصيدة تكتب بالطريقة الأفقية بدون فواصل او سكتات اوتشطير وبطريقة متواصلة ( الكتلة الواحدة ) .

تمّ إختيار نصّ / مدّ وجزر / للشاعرةاللبنانية / سامية خليفة / فوجدناه ينتمي الى اللغة المتوّجة , واللغة المتموّجةتعني انّ الفقرة الشعرية تحتوي على جمل توصيلية مباشرة سرعان ما تنحرف وتنزاحانزياحا بعيدا عن معناها لتشكّل مقطعا شعريا بمعنى الكلمة .

كلّما كان العنوان مدهشاّ كلّما جعل المتلقييمسك بالنصّ ويتفاعل معه حتى النهاية , لأنه العتبة الأولى والمدخل الذي من خلالهنلج الى عالم الشاعر . فالعنوان ربما يختصر النصّ وتُختصر الفكرة فيه , والشاعرالحاذق ما يختار لنصوصه عنونة مبهرة غريبة تجعل المتلقي يقف عنده يؤول ويقرأهبطريقة إبداعية مشاركا للشاعر فيما كتب وبذلك يتحقق التواصل الأيجابي ما بينالشاعر والمتلقي . / مدّ ….. وجز / هذا هو عنوان قصيدة شاعرتنا المبدعةساميةخليفة , عنوان متحرّك فيه من الدلالات الشيء الكثير وربما وكما قلنا يختصر لنافكرة النصّ , ويفتح أبواب التأويل مشرعة وقراءته بطرق متعددة كلا حسب ذائقتهوخزينه المعرفي وإحساسه بالجمال . ربما يعني هذا لعنوان / الحياة / الأحلام /الأمنيات / …. العنوان يحتمل كلّ التأويلات وهذا من جماليات النصّ وقوّته . ./ في ذروةِ أيّامِ الصَّقيعِاستسقيْتُ هطولَ الدِّفءِ من ارتجافِ شفتين مترنِّحتينِ متأرجحتينِ عابقتينِبضبابِ الأنفاس ../ . كما قلنا بانّ اللغة المتموّجة تشتمل على التوصيليةالمباشرة والأنزياح اللغوي , فـ / في ذروةِ أيّامِ الصَّقيعِ … جملة توصيلية واضحة تعمي ما تعني ثم ياتي المقطع الآخر منالجميلة … / استسقيْتُهطولَ الدِّفءِ .. جملة نجد المفردة/ استسقيتُ / تغرّب المعنى كثيرا وتحيله الى عالم سحري غير واقعي لايمكن أن يكونفي الواقع , وهذا ما ندعو اليه وندعوه بالتغريب اللغوي والأبتعاد كثيرا عنالمباشرة لأن الأخيرة تقتل النصّ الشعري وتحيله الى كلام عادي يستطيع أي انسان أنيتحدث بمثله , وهنا يكون الفرق ما بين الشاعر وغير الشاعر . وكذلك نجد اللغةالمتموّجة في هذا المقطع المكثّف والزاخر بالجمال .. / من ارتجافِ شفتين ../ هذا الأرتجاف في الشفتين شيء عادي وملموس في الواقع , ولكن لانجدهذا التأرجح ولا .. / .. متأرجحتينِ عابقتينِ بضبابِ الأنفاس ../ في حياتنا اليوميّة  .ونختار مقطعا آخر من هذه الكتلة الشعرية النموذجية ../ يلازمُني صدى ذكرى وشهقةًليمسي كل ما حولي وهْما رابضًا على صدرِ قصّةٍ خرافيةٍ ،قصَّةٌ خرجتْ عنِ المألوفِووقفَتْ على شاطئِ المدِّ تستحمُّ ببحر أمواجه العتمة ولآلئه الجمر .. / . ماأجمل هذا البناء الجملي المتواصل وما أروع هذه اللغة المتموّجة ..! . إنّها اللغةالمهذّبة الخالية من النفايات اللغويّة , رصيدها التركيز والأيجاز والدهشة ,والزخم الشعوري العنيف والأيحاء والغرابة .

انّ هذا النصّ نموذجي وكلّ مقطع فيه عبارة عن لغة متوهّجة لايمكنالمرور عليها مرور الكرام . الأطلاع عليه وقراءته لأكثر من مرّة يفتح ابوابه لمنيريد ان يجد الشعر النقي والأبداع الحقيقي والتلذّذ بالجمال وبالأمكان الأستفادةمنه ومن طريقة كتابته بهكذا لغة متموّجة ساحرة مضيئة . فالمبدع الحقيقي هو الذييستفاد من تجارب الآخرين , وأنا مؤمن بانّ جميع كتّاب مجموعة السرد التعبيريأصبحوا الآن يمتلكون تجارب ومشاريع شعراء سوف يُشار اليهم في قادم الأيام ,والشاعرة / سامية خليفة / منهم وسيكون لصوتها مساحة شعرية تستحقها ان شاء الله .

3 – مدّ وجزر .. بقلم : سامية خليفة – لبنان .

في ذروةِ أيّامِ الصَّقيعِ استسقيْتُ هطولَ الدِّفءِ منارتجافِ شفتين مترنِّحتينِ متأرجحتينِ عابقتينِ بضبابِ الأنفاس، أتراهُ اصطكاكُالأسنان أضرمَ نيرانَ تنينٍ في الارتعاشاتِ حتى أدفأْتْ بِها فرائص الجليدِ فأذيب؟أمْ تُراها حرارةُ مواقدَ أشعلَها قلب ليمدَّني بالدِّفءِ في ليالي كانونالقارسَةِ؟ مُذِ اختفى الوهجُ وأنا أتعاقبُ بعدَه فصولًا بِلا شمسٍ إلى أنْ أمستْكلُّ الأيامِ متوازيَةً متشابهةً، يلازمُني صدى ذكرى وشهقةً ليمسي كل ما حوليوهْما رابضًا على صدرِ قصّةٍ خرافيةٍ ،قصَّةٌ خرجتْ عنِ المألوفِ ووقفَتْ على شاطئِالمدِّ تستحمُّ ببحر أمواجه العتمة ولآلئه الجمر، يا ذا الشَّفتينِ المرتجفتينِحدِّقْ بإمعانٍ في قلبِ العتمةِ لنْ تجِدَ الّا السوادَ ،الأبيضُ الذي كان مترامياأمام عينيّ في أحلكِ اللّيالي أخذه الجزر معه وارتحل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع