جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة (خامساً)

283

جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة 

بقلم : كريم عبدالله – بغداد – 1/31/ 2019 .

خامساً : البوح التعبيري :

1 : – صولجانالقبيلة .. بقلم: لينافنجراوي

يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل, الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادةالحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطنيللافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهيبالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاععلى تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه ,  وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتاباتمتميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه, وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهيحينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيعالصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعملعلى صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أنتُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميلوحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقداصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدةالسرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراساتالنقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحفالورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن علىثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنيةفيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراءالسرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولوبشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعاتالتي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا فيكتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الانفي كتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية ,  لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابها الحريةوالواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكون التعبيرأكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوع العذب ,فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلف والذي نؤمنبه وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هي قصيدةالمستقبل لقدرتها على  الصمود والتطوّرالمستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمه وتطرحه علىالساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللون الادبي الجديدوالذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذا استطاع الشاعر انيطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كل طاقاتها المخبوءة ,وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة ما يمتلكه من خيال جامحابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّ باللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة فيالسرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعريةفيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّةالتعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ )كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذاالموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غنيالموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءاتوالقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها .فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤىومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممنعشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافتالشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روحالتنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأةفي السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمانوالسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقلالهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق, منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرةبالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتهاالفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا علىمفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبةوممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائدتمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عنالمباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة ,كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّةلتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلهاالحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كلالصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيريونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيانالنَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمساتالحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلامنتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابةالابداعية .

البوح التعبيري :

هو وصف العالم وطلب الخلاص بطرح رؤية فدريةعميقة للحياة والعالم وما هو واجب ومفترض , فتكون معاني الأشياء غير معانيها .

لقد مرّ الشعر بمراحل عديدة وبأشكال متنوعةومختلفة عبر الاجيال , وفي كل مرحلة نجد خلال هذه الفترات ظهور اجيال جديدة تحاولالخلاص من شرنقة الارث المتعارف عليه والسائد , او نجد بعض المحاولات الفردية لدىبعض الشعراء ممن يركب موجة المغامرة والتجديد . ورغم المواجهة العنيفة ما بينانصار القصيدة القديمة وانصار القصيدة الحرّة / الجديدة / , تبقى القصيدة ويبقىالصراع مستمرا مادام هناك الشعر والشعراء . لقد حاول كتّاب قصيدة السرد التعبيريالتفرّد بهذا الشكل الادبي الجديد / القصيدة الأفقية التي تكتب على شكل فقراتوبدون تشطير او فراغات او سكتات وتوقفات / والتحليق في فضاءات بعيدة , ولكونهميعيشون في زمن مضطرب فكريا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا , فجاءت كتاباتهم متميّزةبالرسالية الواضحة , ورغم اللغط والتشكيك بعدم صمود هذه القصيدة على مرّ الزمن ,الا اننا في كل يوم نجد اننا امام قصيدة رصينة متميّزة طموحة ترغب بالانطلاق نحوالمستقبل والثبات والصمود . لقد اصبحت هذه القصائد تبحث عن مساحة لتتبنى خطاباشعريا يعبّر أصدق تعبير عن محنة الانسان العربيّ في هذا الزمن , وتخلق لها جسورامع المتلقي بما تمتلكه من لغة عذبة ريّانة تبوح بكل مكنوناتها وتكشف عن طاقاتهاالكامنة , وخيال ابداعي ينشّط ذاكرة المتلقي وتثر لديه الكثير من التساؤلاتوالتأويلات , لغة تملك روح التمرّد على ماهو سائد , تنفذ عميقا خلاّقة موحيةبالجمال والرسالية في الذات الانسانية ومنبعثة من الهمّ الانساني المشترك لهذا الانسانفي هذه الارض . بالعودة الى قصيدة الشاعرة : لينا قنجراوي / صولجان القبيلة /نتلمس بوضوح ومن وراء مفرادتها رسالة توحي لنا ببوح تعبيري هامس تعبّر عن القلقوالخوف والصراع , صراع يظهر مجددا ما بين الانسان والأطر الاجتماعية وقيود القبيلةالصارمة وسلطانها . / أخائفٌأنتَ ؟ ../ سؤال استفهاميتبتدأ به الشاعرة قصيدتها لتوحي لنا بأن هناك خوفا يعتري هذا الانسان وبالعودة الىالعنوان / صولجان القبيلة / تأخذنا الى التقاليد والاعراف التي ترّينا عليها واصبحت طوقايطوّقنا دائما ويحدد حركتنا الفكرية والثقافية , ثم تعود تطرح سؤالها الثاني ../ ممَّ تخاف و صولجان القبيلة كسرته نفحات رجولتك؟ ../ فمن خلال هذا الوحدات النصّية تبني الشاعرة فضاءها الدلالي وتكشفعن كينونتها وأحاسيسها وجلجاتها , تصرّح وبصوت عال عن افكارها وتبعث رسالة الى /الاخر / مذكّرة اياه بإنسانيته النقيّة وضرورة العودة ما فطره الله فينا , ونبذكلما يشوّه نفوسنا نتيجة هذه القيود التي تحزّ للان فينا وتكبّلنا ../ وتاج الإنسانية يتلألأ فوق هامتك ../ . بعد ذلك تحاولالشاعرة ان تبثّ روح التمرّد والشجاعة والتحرر من هذه القيود , حيث يبدأ النصّبالنمو والتمدد على مساحة من التعبيرات والرؤى وفق ما تراه الشاعرة وتؤمن به ../كُنْ شجاعاً ياعزيزي و حرّر ذاتك من رواسبَ أثقلت كاهل حريتك ../ . ثمينحرف النصّ متحولا من الزمان الحاضر الى المستقبل ../  غداً… / , ان الواقع المتردي يجعل الانسان امام تحديات كثيرة وصراعات ربماأشدّ انواعها قسوة هو الموت , كونه يعيش في واقع حزين تتمثل فيه العواطف الكاذبةوالمشاعر الخادعة والاعراف والتقاليد البالية ../  ستضع رأسك بين أرقام المغادرين و عليه تذكرة بعدد السنين تحتلقب عمرك ../ . ثم تأخذنا الشاعرة الى عالم اخر , عالم الفقد والاختفاء من على مسرحالحياة ../ و أنتتسمعهم يشيدون بخصالك و روحك تقرقر جوعاً للحب و الحرية ../ . وانقطاء الاثر والضياع في عالم من الصمت البعيد وانقطاء الامل ../ و عيناك تفتقدان دمعةً سجينةً في لواء الممنوعات السخية!!!! ../ . 

استطاعت الشاعرة ان تجعل الحركة تتدفق في نسيجها اللغوي ضمن فضائين /الحياة .. و .. الموت / وما بين /  البراءةوالفطرة .. والعادة والتقاليد التي شوّهتها / , واستطاعت عبلا لغة السرديةالتعبيرية ان تجعلنا نتفاعل ضمن هذه المساحة الزمنكانية ونستمع الى صوتها .

النصّ :

صولجان القبيلة .. بقلم : لينا قنجراوي
أخائفٌ أنتَ؟ممَّ تخاف و صولجان القبيلة كسرته نفحات رجولتك؟…. كُنْ شجاعاً يا عزيزي و حرّر ذاتك من رواسبَ أثقلت كاهل حريتك .غداً… ستضع رأسك بينأرقام المغادرين و عليه تذكرة بعدد السنين تحت لقب عمرك. و أنت تسمعهم يشيدون بخصالك و روحك تقرقر جوعاً للحب و الحرية ،و عيناك تفتقدان دمعةً سجينةً في لواء الممنوعات السخية!!!!

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع