جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة (ثانياً)

439

جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة 

بقلم : كريم عبدالله – بغداد – 1/18/ 2019 .

ثانياً : – التوافق النثروشعري كما في :

– بقلم : مرشدة جاويش أُذُن الجوزاء 2 –  

المقدمة :

يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل, الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادةالحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطنيللافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهيبالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاععلى تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه ,  وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتاباتمتميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه, وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهيحينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيعالصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعملعلى صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أنتُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميلوحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقداصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدةالسرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراساتالنقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحفالورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن علىثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنيةفيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراءالسرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولوبشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعاتالتي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا فيكتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الان فيكتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية,  لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابهاالحرية والواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكونالتعبير أكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوعالعذب , فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلفوالذي نؤمن به وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هيقصيدة المستقبل لقدرتها على  الصمودوالتطوّر المستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمهوتطرحه على الساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللونالادبي الجديد والذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذااستطاع الشاعر ان يطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كلطاقاتها المخبوءة , وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة مايمتلكه من خيال جامح ابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّباللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة فيالسرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعريةفيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّةالتعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ )كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذاالموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غنيالموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءاتوالقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها .فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤىومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممنعشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافتالشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روحالتنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأةفي السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمانوالسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقلالهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق, منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرةبالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتهاالفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا علىمفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبةوممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائدتمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عنالمباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة ,كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّةلتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلهاالحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كلالصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيريونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيانالنَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمساتالحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلامنتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابةالابداعية .

2- التوافق النثروشعري :

لقد قّدمت مجموعة السرد التعبيري وتقّدموستقدّم قصيدة نثر متطوّرة بنائيا وشكليا ومضمونا , كتابات تمتاز بالشعرية العاليةوالفنيّة المتطورة والرسالية فذّة , حتى اصبحت هي النافذة المشرعة دوما لتقديمقصيدة نثر عربية بصيغتها الواقعية والموضوعية , أي بصيغة النثر الكامل بدون تشطيراو فراغات او نقاط او توقفات وببناء جملي متواصل على شكل فقرات لغوية ناضجة اللغة, وهذا يعني ان هندسة القصيدة أصبحت على شكل كتلة واحدة أفقية تمتاز بالزخمالشعوري والخيال الخصب والرمزية العذبة وتبتعد كثيرا الرمزية المغلقة , لغة تمتازبالعذوبة والرقّة والأناقة . انّ جميع كتابات مجموعة السرد التعبيري تمتاز بكونهاتُكتب / بالفقرات النصيّة – البناء الجملي المتواصل – وبالسردية التعبيرية / . وفيهذه اللغة يتجلّى البُعد الدلالي والبُعد الأبداعي والأسلوبي , في هذه اللغةتتجلّى طاقات اللغة المدهشة والعظيمة والجميلة , فهناك ثلاثة عوامل من خلالها نحصلعلى هذه الدهشة والصدمة عن طريق / عناصر كتابية نصّية يمتاز بها النسيج اللغوي فيالنصّ  و وعناصر التجربة العميقة عندالشاعر وعناصر قراءاتية لدى المتلقي / . في كلّ مقالاتنا وحواراتنا سنؤكد على انّالسرد التعبيري / السرد لايعني الحكائية أو القصصية وإنما السرد الممانع للسرد ,فحينما نقرأ نصّاً سرديا نتوهّم أولا باننا نقرا حكاية , لكن سرعان ما تنحرف اللغةوتنزاح انزياحا عظيما مبهرا وتبتعد عن واقعيتها من خيال الخيال فنجدها رقيقة تنسابكالينبوع العذب وتكون مهمتها نقل المشاعر العميقة والاحاسيس المرهفة عن طريقالايحاء من أجل تعمد الأبهاء والتجلّي . وكلما كان النصّ مقنعاً وجدنا أنفسنا نعيشداخل أجواءه وهذه من مميّزات السرد التعبيري ان يجد المتلقي يعيش في أجواء النصّولا يبتعد عنه . وكما قلنا في مقالنا السابق بانّ هناك تضاد وتناسب عكسي بين الشعروالنثر وهذا هو المعهود والمتعارف عليه سابقاً , وهذا يعني كلّما إبتعدنا عنالشعرية إزدادت النثرية وبالعكس ايضا , الاّ أن الكتابة بالطريقة السرديةالتعبيرية منحت كتّابها فضاء واسعا للتعبير عمّا يعانونه ويعيشونه في هذا الواقع ,فكلّما تعالت اللغة الشعرية تعالت وتجلّت معها النثرية , بحيث أصبح التناسب طردياوممكن تحقيقه والكتابة فيه , وجميع كتابات مجموعة السرد التعبيري شاهد واضح وجليّلهذه الفكرة الجديدة وهو نتاج الاسلوب الكتابة الذي يمتاز به كتّاب السرد التعبيري.

اذا نحن الان أمام لغة يتصالح فيها الشعروالنثر بتوافق جليّ وواضح ومدهش , انّه نصّ الشاعرة : مرشدة جاويش / أُذُن الجوزاء / . انّ من الاساليب الواضحة والتي تتحقق فيها حالة التوافقالنثروشعري هي اللغة التي تتماوج ما بين القرب والتوصيل ومابين الرمز والايحاء ومابينالتجلّي والتعبير ونقصد بالاخير وقعنة الخيال , أي إظهار الخيال بلباس واقعي , ممايعطي للنصّ العذوبة والقرب واللألفة ويزيل عنه كل حالات الجفاء أو الجفاف اللغويوالأغتراب يطرأ عليه بفعل الرمزية والايحائية . لنقف بخشوع امام هذا الأنهماراللغوي الجميل ../ نثارنسائم عشقي بين زغابات أفيائي يضمني إلى صدرصباحاته المرمرية الوقع في دمي حينتنشر سفائن الروح أشرعتها على سفوح الريح في خلجان دياجيري ولاتبحر بي إلا إلى صدىمروجه يجتاح إنحسارات الوعود في كؤوس سراج اليباب يتنفس ظلمة رفيف الحلم في آفاقالزبد الممدودة الضياء ../ . انّ النصّ كُتب ببناء جمليّ متواصل حافظ على نثريته الجميلة وشعريةالعالية بطريقة مذهلة توحي بأنّنا أمام قردات شعرية هائلة تمتلكها الشاعرة / مرشدةجاويش / استطاعت تطويع اللغة بطريقة عجيبة بهذا البناء المحكم والمتواصل , سخّرتالرمزية المحببة وفجّرت طاقات اللغة المخبوءة فيها ورسمت لنا هذه الصور المشرقةالحافلة بالانزياحات . وفي جزء آخر من هذا البناء الجملي المتواصل نقرأ لها ../تصعد رعشاتيلتصعق أذن الجوزاءوتغزوني رجفة قرب الشطآن المجهولة وجزر الدمع المنسية سأرتمي بينأحضان الصلبان الممشوقة الخريف وأعزف ترنيمة الزمن المسروق الجسد وأنتظر شقشقةزنبقة الرّنوإلى حيث تنتهي أنفاس اشتجاري ../ . لقدحققت الشاعر في نصّها هذا الغاية القصوى لقصيدة النثر من خلال الشعر الكامل فيالنثر الكامل واستطاعت ان تخلق حالة من التوافق النثروشعري وإبحاراُ وتعمّقاًوإدهاشاً واضح ومتميّز . ولنقرأ للشاعرة هذا الجزء الأخير من نصّها ../ لعلها تحكي لي قصة العناق المتعرش قلب الرباب المهاجرة إلى قممالمطر فتسقي يباب الحنين لأغصان لهيبه حاملة حطام ذكرياتي على ظهر الوقت الزاعقبالرحيل وأمحو آخر أثر لخرائب الروح فلقد أدركت ماوراء حدود نزفي ..
فلتبذرني همهمةالنسيان رحيلا”ولاتجنيني ../ . نجدهنا مع كل درجة شعرية اعلى يحققها الشعر هناك درجة نثرية تتحققأ من النثر , فنجدهنا تناسبا طرديا يتحقق داخل النصّ .

انّ جمالية صوت الشاعرة نتلمّسها ونحن نتنفس أجواء النصّ من خلال هذهالطاقات المنبعثة منه , طاقات تظلّ مخبوءة فيه على المتلقي المبدع إكتشافها اذا ماحاول القراءة بطريقة ابداعية تتناسب مع هذه الاشعاعات المنبعثة من أعماق النصّ ,ولقد استطاعت الشاعرة هنا ان تكتب بلغة ساحرة عامرة بالايحاء والأشعاعات الروحيةتأخذ بلبّ المتلقي , طاقات حسّية توحي بها المفردات وتزيد من سلطان اللغةوجماليتها .  

أُذُن الجوزاء ..بقلم : مرشدةجاويش

 نثار نسائم عشقي بين زغابات أفيائي يضمني إلى صدرصباحاتهالمرمرية الوقع في دمي حين تنشر سفائن الروح أشرعتها على سفوح الريح في خلجاندياجيري ولاتبحر بي إلا إلى صدى مروجه يجتاح إنحسارات الوعود في كؤوس سراج اليبابيتنفس ظلمة رفيف الحلم في آفاق الزبد الممدودة الضياء تصعد رعشاتي لتصعق أذنالجوزاءوتغزوني رجفة قرب الشطآن المجهولة وجزر الدمع المنسية سأرتمي بين أحضانالصلبان الممشوقة الخريف وأعزف ترنيمة الزمن المسروق الجسد وأنتظر شقشقة زنبقةالرّنوإلى حيث تنتهي أنفاس اشتجاري لعلها تحكي لي قصة العناق المتعرش قلب الربابالمهاجرة إلى قمم المطر فتسقي يباب الحنين لأغصان لهيبه حاملة حطام ذكرياتي علىظهر الوقت الزاعق بالرحيل وأمحو آخر أثر لخرائب الروح فلقد أدركت ماوراء حدود نزفي ..
فلتبذرني همهمة النسيان رحيلا” ولاتجنيني

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع