تاريخ الكورد للأجيال(الجزء الرابع والعشرون)

321

تكملة تاريخ الكورد للأجيال
الجزء الرابع والعشرون
المصدر ( المنبر الحر )
الدكتور مهدي كاكه يي

الساسانيون كانوا كورداً ولم يكونوا فُرساً

الغالبية العظمى من المؤرخين، من شرقيين و غربيين، يعتبرون الساسانيين فرساً، بينما المصادر التأريخية الموثوقة تؤكد بشكل قاطع لا لبس فيه بأن الساسانيين ينتمون الى الشعب الكوردي .
يجب إنصاف الشعب الكوردي العريق و إظهار الحقائق التأريخية بموضوعية ومهنية، بعيداً عن الأهواء الشخصية
والنزعات العنصرية.
تُثبت الأدّلة التالية أن العائلة الساسانية الحاكمة كانت عائلة كوردية :
1. موطِن الجد الأعلى لملوك الساسانيين، (ساسان) هو كوردستان ، حيث أنه إنتقل الى ولاية فارس هرباً بعد نبوءة أنّ من ذُريته سيحكم بلاد آريانا[1][2].
هكذا نرى أنّ (ساسان) كان كوردياً ولم يكن فارسياً ولم يكن من ولاية فارس، بل أنه قد نسب نفسه الى الملِك الكياني (بهمن بن اسفنديار بن گوشتاسپ) نسباً مشكوكا فيه .
كان ساسان راعياً لِمواشي الإبل عند أحد الإقطاعيين[1].
كما يقول (دهخدا) في موسوعته أن والد الملِك الساساني (أردشير) هو الراعي (پاپَگان الكوردي)[3].
يذكر الدكتور (رشيد ياسمي) الأستاذ في جامعة طهران أنّ (ساسان) الذي هو جد (أردشير)، هو من عشيرة (شوانكاره) الكوردية و أنّ والدة (پاپَگان Papagan) هي إبنة أحد رؤساء عشائر (بازرنگي) الكوردية . موطن هذه العشيرة هي المنطقة االكوردية في مقاطعة فارس . يضيف ياسمي أنه نستطيع القول أنّ (أردشير) هو كوردي[4].
كان (پاپَگان) إبن (ساسان) ينتمي الى أحد بيوت النار ل(آناهَيتا)، ورزق (پاپَگان) بإبن أسماه (أردَشير Ardashir) الذي قام بِتأسيس الدولة الساسانية.
ولِد (أردشير الأول) في مدينة (بيرسي پوليس) أي (ولاية فارس) التي سبق أن إنتقل إليها جدّه (ساسان). أحب (أردشير) الحياة العسكرية، فأصبح من كبار القادة العسكريين . كان أخوه حاكِم ولاية، إلا أنّ (أردشير) ثار ضد أخيه وأرغمه على التنازل عن الحُكم له. بعد تولّيه حُكم الولاية، قام (أردشير) بِتوسيع مملكته، فضمّ اليها كلاً من بلاد سواحل (خليج هرمز) و (إيلام) و(أصفهان) و(ميديا).
2 . توسيع (أردشير الأول) لِمملكته، أقلق آخر ملوك الأشكانيين الفُرس، الملِك (أردوان الخامس)، حيث أنه قام بإرسال رسولٍ يحمل رسالةً منه الى (أردشير) يُعيبه فيها حسبه و نسبه. قام الملِك الساساني (أردشير) بِقراءة هذه الرسالة المُهينة في البلاط الملكي و بحضور رعية الدولة الساسانية. مما جاء في الرسالة المذكورة ما يلي: (إنكَ قد عدوتَ طوركَ و إجتلبتَ حتفكَ أيها الكوردي المُربّى في خيام الكورد ، مَن أذِنَ لك في التاج الذي لبستَه؟). يشير الى هذه الرسالة كل من الطبري[5] و إبن الأثير[6].
رسالة الملِك الأشكاني الفارسي تؤكد بِوضوح أنّ الأسرة الساسانية الحاكمة كانت أسرة كوردية.
لم تقتصر إعابة الملوك الساسانيين بسبب أصلهم الكوردي وإنتمائهم الى الأمة الكوردية ، على (أردوان الخامس الإشكاني)، بل أنّ حاكم أرمينيا وآذربايجان في زمن الدولة الساسانية، (بهرام چوبین) الذي كان إبن (بهرام گوشتاسپ)، أعاب أيضاً الملِك الساساني (خسرو الثاني “پرويز”) لِكونه كوردياً عندما حاول (بهرام) إغتصاب الحُكم من الملِك (خسرو الثاني)، حيث قال له (يا إبن الزانية، المربّى في خيام الكورد[7].
3 . كان (ساسان) ينتمي الى العشيرة الكوردية (شوانكاره) وكان أفراد هذه العشيرة يشتغلون في الرعي و الزراعة وأنهم في اواخر عهد البويهيين قاموا بتأسيس سُلالة كوردية حاكِمة بإسم (أتابكة ملوك شوانكاره الكورد في فارس[8].
كما يذكر المستشرق النمساوي (إدوارد ڤون زامباور)
في كتاب (معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي) بأنّ أفراد عشيرة (شوانكاره) ينحدرون من مؤسس الدولة الساسانية (أردشير بن پاپَگان)[9].
4 . كما يذكر ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان”، الذي إستغرقت كتابته من عام 1224 الى عام 1228 ميلادي[10]، بأن السلاطين الساسانيين عندما بنوا مدينة “المدائن”، قاموا ببناء حي ضمن المدائن، أطلقوا عليه إسم “كورد آباد”، تيمُّناً بإنتمائهم القومي للشعب الكوردي و الذي يعني “الحي المبني من قِبل الكورد”، حيث أنه يذكر أسماء ستة أحياء أخرى في مدينة المدائن، بالإضافة الى حي (كورد آباد).
من الجدير بالذكر أنّ إسم مدينة (المدائن) هو “ماديان” والذي هو إسم كوردي، يتكون من كلمة (ماد) أي (ميدي) و اللاحقة (ان) تُستخدم للجمع في اللغة الكوردية وبذلك فأنّ (ماديان) يعني باللغة الكوردية (ماديون أو ميديون) الذين هم أسلاف الكورد. تم تحوير الإسم الكوردي لهذه المدينة من قِبل العرب من (ماديان) الى (المدائن) و أطلق الفُرس عليها إسم “تيسفون”. قام الملِك الساساني، أردشير أيضاً ببناء مدينة خاصة بالكورد قرب مدينة الموصل الحالية و سماها “بوذ أردشير”[11].
كما أنّ الملِك الساساني (قُباد) و (أنوشيروان) قاما بِبناء أكثر من ثلاثين مدينة في سهل (أرّان)، وكانت إحدى هذه المدن تحمل إسم (ملازكورد) [12][13]. تسمية حيّ من أحياء العاصِمة الساسانية بإسم الكورد، وبناء مدن كوردية من قِبل الساسانيين، هي دليل آخر على كوردية الساسانيين .
5 . ملوك الساسانيين كانوا يُلقّبون ب”خاسرَو”. الكلمة مؤلفة من الكلمتين الكورديتَين “خاس” التي تعني “جيد” باللغة الكوردية[14] و كلمة ” رَو” التي تعني “تصرّف أو سلوك” باللغة الكوردية، و بذلك كلمة “خاسرَو” تعني “ذو تصرف جيد” أي “إنسان محترم و ذو منزلة عالية”. الفُرس أخذوا هذا اللقب من الكوردية و حوّروه الى “خُسرَو”، حيث لا توجد كلمتَي “خاس” و ” رَو” في اللغة الفارسية. العرب بِدورهم قاموا بتعريب هذه الكلمة فحوّلوها الى “كِسرى أو كَسرى”. هكذا فأنّ اللقب الكوردي للملوك الساسانيين، يؤكد على إنتمائهم للشعب الكوردي.
من الجدير بالذكر أنّ الكثيرين من الناس يظنون خطأً بأن إسم الملك الساساني كان “كِسرى” الذي جرت معركة القادسية أثناء حكمه، بينما “كِسرى” هي لقب كل ملوك الساسانيين و ليس إسم أحدهم، و الذي يُقابل كلمة (جلالة) و (فخامة) و (سمّو) المُستخدمة في الوقت الحاضر في مخاطبة الملوك ورؤساء الجمهوريات والأمراء على التوالي. كثير من ملوك الشعوب الأخرى كانت لهم ألقابهم الخاصة بهم كما كان للساسانيين، مثلاً ملوك الروم كانوا يُلقّبون ب”قيصر” و ملوك الأقباط ب”فرعون” و ملوك الأتراك ب”خاقان” و ملوك اليمن ب”تُبّع” و ملوك الحبشة ب”نجاشي” و ملوك مصر ب”عزيز” و هكذا.
6 . أسماء ملوك ساسان كانت أسماءاً كوردية والتي تُشير الى كورديتهم كما هي مبيّنة أدناه:
أ. كان إسم ثلاثة ملوك ساسانيين هو (يزدكورد). كما أنّ إحتواء أسماء هؤلاء الملوك الثلاث على كلمة (يزد)، يُشير الى الخلفية الدينية اليزدانية لأفراد الأُسرة الساسانية الحاكِمة.
ب. إسم إثنَين من الملوك الساسانیين كان (خَسرَو Xesrew). كما تمّ توضيحه أعلاه، (خَسرَو) مؤلف من الكلمتَين الكورديتين (خاس) التي تعني (جيد أو طيّب) و(رَو) التي تعني (سلوك أو خُلُق) وبذلك إسم (خَسرَو) يعني (الشخص ذو الخُلُق الجيدة).
ت. إسم إثنَين من الملوك الساسانيين هو (أردشير Erdeşîr) الذي هو إسم مُركّب متكوّن من الكلمة الميدية (أردا) التي تعني (صالِح أو جيد) و(شير) التي تعني بالكوردية (أسد) وبذلك يعني هذا الإسم (الأسد الصالح أو الجيد).
ث. إسم أحد الملوك الساسانيين هو (فَیروز Feyrûz) أو (پیرۆز Pîroz) الذي هو إسم كوردي يعني (مُبارَك أو مُقدّس).
ج. إسم أربع ملوك ساسانيين هو (هرمز Hormizd) الذي هو إسم آري، مأخوذ من إسم إله أسلاف الكورد السومريين (هرميس). مع مرور الزمن، تغيّر هذا الإسم الى (هورامَزداHuramezda ) أو (مَزدا Mezda) عند الشعوب الآرية وبعد هذا التغيّر، إحتفظ هذا الإسم بمعناه الأصلي، أي بمعنى (إله).
ح. إسم أربعة ملوك ساسانيين كان (بَهرام أو بارام) وإسم إثنَين آخرَين منهم كان (قُباد). هذان الإسمان كورديان، الأول يعني (ذكي) والإسم الثاني يعني (ملِك).
7 . هناك بعض الأسماء الساسانية التي لاتزال سائدة عند (الكورد) في كوردستان، على سبيل المثال وليس الحصر، الإسم (خماني)[14]. هذا الإسم الساساني ليس له وجود عند الفُرس. إلى الآن هناك أشخاص كورد، إناث وذكور، يحملون هذا الإسم
8 . يذكر (حسن پیر نیا) أن الساسانيين كانوا يطلقون إسم (ماي) على الميديين[15]. يدخل هذا الإسم في أسماء الكورد الذكور الى الوقت الحاضر رغم مرور أكثر من 2500 سنة على إختفاء الإمبراطورية الميدية، على سبيل المثال، الإسم (مايخان). تُلازم كلمة (خان) إسم (ماي)، حيث لا تتم تسمية شخص بإسم (ماي) لوحده، بل تُضاف الصفة (خان) له التي تُقابل كلمة (جلالة) و (فخامة) المستخدمة لمخاطبة الملوك ورؤساء الدول على التوالي في الوقت الحاضر، لأنّ الميديين كانوا نبلاء الكورد. من الجدير بالذكر أن إسم الميديين (مادا) يعني باللغة الميدية (عظيم) أو (كبير)[a].
تجدر الإشارة الى أنه عندما إحتل العرب كوردستان، تم إطلاق إسم (ماهات) على مركز السلطة الميدية من قِبل العرب، حيث أن (ماه) هو إسم الميديين وأن اللاحقة (ات) هي لاحقة الجمع في اللغة العربية. يذكر (البلاذري) بأنه عند إحتلال كوردستان من قِبل العرب في العهد الإسلامي، تم تقسيم بعض المناطق المحتلة من كوردستان الى عدة أقسام، حيث أن الضرائب (الجزية) المأخوذة من كل منطقة، كانت تُرسَل الى المسلمين الساكنين في منطقة محددة[16].
لذلك كان العرب يطلقون إسم (ماه الكوفة) على مدينة (دینَوَر) وأطرافها لأن الجزية المأخوذة من سكان مدينة (دینَوَر) وتوابعها كانت توزع على السكان المسلمين الجدد الساكنين في مدينة الكوفة . كذلك لنفس السبب تم إطلاق إسم (ماه البصرة) على مدينة (نَهاوند)، حيث كانت الجزية المستحصلة من سكان (نهاوند) كانت تُعطى لسكان مدينة البصرة الذين أصبحوا مسلمين بعد الإحتلال العربي الإسلامي. هكذا تم تقسيم مركز بلاد ميديا من قِبل المحتلين العرب الى (ماه الكوفة) و (ماه البصرة).
9 . العائلة الفضلوية التي أسست الإمارة الفضلوية (1155 – 1432 م)، تنتمي الى قبيلة شوانكاره الكوردية، وكان أفراد هذه العائلة من سلالة ملوك ساسان[c] .
أفراد الأسرة الحاكِمة لهذه الإمارة كانوا كورداً وبذلك لابد أنّ أجدادهم الساسانيين كانوا كورداً أيضاً . من الجدير بالذكر أنّ هذه الإمارة أُقيمت في جنوب شرقي لورستان و دام حُكمها لمائتين و سبعة و سبعين عاماً. كانت المملكة تضم لورستان و تمتد الى ضواحي مدينة أصفهان و في بعض الفترات كانت تضم أيضاً مقاطعة خوزستان و مدينة البصرة.
10 . في اواخر عهد البويهيين قامت عشيرة (شوانكاره) بتأسيس إمارة كوردية بإسم (أتابكة ملوك شوانكاره الكورد في فارس[8]، حيث أنّ أفراد عشيرة (شوانكاره) ينحدرون من (أردشير بن بابك مؤسس الدولة الساسانية)[9].
تأسيس هذه العشيرة التي ينتمي إليها الساسانيون، لإمارة كوردية، هو إشارة واضحة لِكون الساسانيين كورداً.
تجنباً للإطالة، نكتفي بهذه الأدلة في هذه الحلقة التي تؤكد على كوردية الساسانيين وسنواصل بتقديم المزيد من الأدلة في الحلقة القادمة.

المصادر
1. أبو القاسم الفردوسي. شاهنامه ملحمة الفرس الكبرى. ترجمة سمير المالطي، صفحة 133، 134.
2. ابن البلخي. فارسنامه، فصل احوال شبانكاره و كُرد و فارس. طبع اوروپا، صفحه 146.
3. دهخدا، على اكبر. لغتنامه. جلد سوم، چاب دانشگاه تهران، سال 1345 ﻫ ق، صفحه 3843.
4. غلامرضا رشيد ياسمي. كُرد و پیوستگی نژادى وتاريخى. سال 1369 هـ ق، صفحه 171
5. ابو جعفر محمد بن جرير الطبري. تأريخ الرسل والملوك. المجلد الثاني، المطبعة الحسينية، مصر، 1336 هـ، صفحة 57.
6. إبن الأثير. الكامل في التاريخ، المجلد الأول، صفحة 133.
7. ابو جعفر محمد بن جرير الطبري. تأريخ الرسل والملوك. المجلد الثاني، المطبعة الحسينية، مصر، 1336 هـ، صفحة 138.
8. ابن البلخي. فارسنامه، فصل احوال شبانكاره و كُرد و فارس. طبع اوروپا، صفحة 150 – 153.
9. زامباور. معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي. إخراج: الدكتور زكي محمد حسن بك و حسن أحمد محمود. ترجمة قسم من فصول الكتاب: الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف و حافظ أحمد حمدي و أحمد محمود حمدي، دار الرائد العربي، بيروت، 1980 م، صفحة 351 – 352.
10. ياقوت الحموي. معجم البلدان. المجلد السابع، صفحة 413.
11. لي سترنج، ك. بلدان الخلافة الشرقية. ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، مطبعة الرابطة، بغداد، 1954.
12. الشيخ شمس الدين أبي عبدالله محمّد أبي طالب الأنصاري الصوفي الدمشقي. نخبة الدهر في عجائب البر والبحر. طبع مدينة بطربورغ، سنة 1865، صفحة 190.
13. دهخدا، على اكبر. لغتنامه. جلد دوم، چاب دانشگاه تهران، سال 1345 ﻫ ق، صفحه 1631.
14. دهخدا، على اكبر. لغتنامه. جلد هفتم، چاب دانشگاه تهران، سال 1345 ﻫ ق، صفحه 9953.
15. حسن پیرنیا. تاریخ ایران باستان یا تاریخ مفصل ایران قدیم. جلد اول، با مقدمه و شرح: محمدابراهیم باستانی پاریزی، تهران، دنیای کتاب، 1362 ﻫ ق، صفحه 48.
16. البلاذري (2010). فتوح البلدان، صفحة 375.

a. Tavernier, Jan. Iranica in the Achaimenid period (ca. 550 – 330 B.C.): Lexicon of Old Iranian. Peeters Publishers, Louvian, Belgium, 2007, p. 558.
b. Browne, Edward G. (1919). A literary history of Persia: A literary history of Persia from the earliest times until Firdawsi. T. Fisher Unwin Ltd, London, page 19.
c. http://neyrizema.ir/texts.php?portal=tarikh&id=2978

يتبع
الدكتورة ڤيان نجار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر المواضيع